عرفت الدكتور فتحي البرادعي منذ كان محافظاً لدمياط.. واعترف أنه اضاف الكثير والجديد في دمياط بكل مدنها وقراها.. اذ يمتلك فكراً تخطيطياً غير تقليدي.. ويستحق المناقشة. ولكنني أقف من مشروعه لتنمية مصر من خلال انشاء محافظات جديدة، واعادة تقسيم مصر إلي أقاليم اقتصادية جديدة موقف المحتار.. وطبقاً لما نشرته الزميلة اخبار اليوم امس وقدمته الزميلة هبة عمر لي عدة آراء.. ونبدأ بالعناوين.. الخطة تعتمد انشاء خمس محافظات جديدة في المرحلة الاولي.. وتقسيم مصر إلي 10 اقاليم اقتصادية.. وانشاء مطارات جديدة في عدة مدن في الدلتا والقناة وسيناء.. وحتي سيوة والوادي الجديد.. والكلام حلو.. ولكن هل نحن نملك رفاهية تنفيذ كل ذلك.. حتي تصبح مصر مثل الولاياتالمتحدة، حيث اكثر من مطار في الولاية الواحدة.. واذا كان هذا مطلوباً في دولة قارة مثل الولاياتالمتحدة فهل تحتاجه مصر ومساحتها لا تتعدي المليون كيلو متر مربع.. ومع الخطة تم نشر عدة خرائط وصور توضيحية.. والفرق كبير بين صورة مصر اليوم.. وصورتها بعد 40 عاماً ولم أصدق عيني.. ثم جاءت صورة مصر في القرن القادم.. فهل هذه هي مصر؟! ويبدو أن الدكتور البرادعي - وهو استاذ للتخطيط العمراني - جاء بأفضل علماء التخطيط في مصر من وزارته.. ومن الجامعات المصرية، ولكنني لا أصدق ما جاء بهذه الخرائط والصور.. ذلك أنها لا تعترف بطبيعة إحساس المصريين بالزمن.. فهل تكفي هذه السنوات لاحداث تلك الطفرة المطلوبة.. ونحن الذين اضعنا سنوات غالية منذ تحقق نصر اكتوبر 1973، ومنذ بدأت عمليات التغيير الحقيقي.. وكان معظم ملامحها مجرد مصانع لسلع ترفيهية.. ويكفي ان المدن الجديدة التي وضع المهندس حسب الله الكفراوي لبناتها الاولي مازالت تحبو.. اللهم إلا «العاشر من رمضان.. والسادس من اكتوبر». وخطة الدكتور البرادعي لا تضع في اعتبارها امكانيات مصر.. ولا حتي افضل التوقعات بالحصول علي استثمارات خارجية .. ولا حتي امكانيات مصر المائية المتوقفة عند حصتنا من نهر النيل.. فمن اين يأتي المخطط بكل المياه التي تتحول بها هذه المخططات الي جنات خضراء تنتشر في الصحراء الغربية.. وفي الصحراء الشرقية وحتي شرق العوينات.. وهل تم حساب عملية حسن استخدام المخزون المائي الجوفي شرق وغرب مصر.. ام تعتمد علي عمليات تحلية مياه البحرين الاحمر شرقاً والمتوسط شمالاً.. وحتي بحيرة قارون.. انني احلم بمثل هذه المساحات الخضراء في بلادي.. وعندما وقفت وحدي أعارض مشروع توشكي لم اعترض علي الفكرة.. ولكن علي التوقيت وعلي الاولويات.. ثم علي الامكانيات.. خصوصاً انني درست جيداً كل مشروعات محمد علي باشا وحفيده اسماعيل لزيادة الرقعة الزراعية منذ بداية القرن 19.. من مشروعات كبري علي النيل ومئات الترع والرياحات والقناطر. اللهم إلا اذا كان الدكتور فتحي البرادعي يمتلك ليس عصا موسي بل عصا سليمان وعقل يوسف وكلهم من انبياء الله.. لقد نظر الدكتور البرادعي للقضية من منظور شديد الخيال وانا معه في معظم ما وصل إليه.. ولكنني لم أتفاعل بشدة مع مشروع الدكتور فاروق الباز عن ممر التنمية لصعوبة التنفيذ والتمويل.. والاهم صعوبة استقرار السياسات.. وابحثوا عما بقي من مشروع مديرية التحرير ومشروع وادي التكنولوجيا ومشروع الصالحية.. وحتي مشروع توشكي نفسه.. ان تغير الحكام.. وتغير السياسات، آفة مصر والمصريين منذ قديم الزمن فهل أراد الدكتور البرادعي أن يقدم لمصر مشروعاً عملاقاً وهو يودع مقاعد الحكومة.. ام يقدم حيثيات استمراره في الموقع ليستمر ويكلف بالتنفيذ؟! ثم هل هذا المشروع تم عرضه علي غير العلماء الذين شاركوا في وضعه.. وهل نوقش في اجتماعات مجلس الوزراء، خصوصاً وانا اعلم عشق الدكتور كمال الجنزوري لمثل هذه المشروعات التي يريد بها ان يترك بصماته علي كل كيلو متر من أرض مصر.. ام ان الواجب كان يقضي بطرح هذا المشروع علي الرأي العام بكل تفاصيله.. وعلي لجان علمية محلية وعالمية.. أقول ذلك وان مصر عندما قررت انشاء خزان اسوان عرضته علي الكثير من علماء العالم.. وكذلك فعلنا مع مشروع السد العالي.. فما بالنا بمثل هذا المشروع العملاق، الاكثر تأثيراً علي مصر والمصريين لمئات قادمة من السنين.. حتي مشروع منخفض القطارة فعلنا غير ذلك. وأقول هنا ان مشروع نهضة مصر الذي وضعه العلماء أيام محمد علي باشا كان يقوم ايضا - في احد اركانه - علي اعادة تقسيم محافظات واقاليم مصر وارجعوا إلي «التقاويم» وكذلك عندما حاول الخديو توفيق اعادة تقسيم مصر باعادة تخطيط حدود كل محافظة، وكان الهدف هو توفير عناصر للتطور والتقدم فهل اي مخطط للتطوير يشترط اعادة تقسيم المحافظات.. وهل نسينا ما تم في أواخر عصر حسني مبارك من اعادة انشاء عدد من المحافظات وانشاء أقاليم اقتصادية جديدة.. أرفض ان اهاجم أي مشروع للنهوض بمصر.. خصوصاً لو جاء من العلماء.. ولكن علينا ان نطرح كل ذلك علي الناس ليقتنعوا ويستجيبوا.. ولكنني أرجو ان نلتزم بالعقل وامكانية التنفيذ بما يتفق مع امكانياتنا المصرية القومية.. أم ان خطة الدكتور البرادعي هي خطة انقاذ بداية حكم الاخوان المسلمين لمصر.. تلك مجرد اسئلة وانا في انتظار مخطط المشروع بالكامل من الدكتور فتحي البرادعي .. قبل ان امضي في مناقشته لأنني ادعي انني افهم كثيراً في.. التخطيط العمراني بكل عناصره.