- مصر تعيش حالة من العبثية لن تثمر إلا مزيداً من الفوضى والتخلف، بعد أن اعتقد البعض أننا فى طريقنا إلى الاستقرار والهدوء بعد انتخاب رئيس الجمهورية.. ولعل أخطر ما تواجهه مصر فى هذا الوقت قد جاء من رئيس الجمهورية نفسه بإصداره قرار عودة مجلس الشعب المنحل إلى الانعقاد من جديد متحدياً الشرعية الدستورية ومهدداً دولة القانون!! قرار الدكتور محمد مرسى بدعوة مجلس الشعب للانعقاد رغم حكم المحكمة الدستورية بحله واعتباره فى حكم العدم بسبب عدم دستورية القانون الذى أجريت على أساسه الانتخابات، يمثل سابقة خطيرة، خاصة أن الرئيس المنتخب قد مارس مهام عمله من قسم اليمين أمام ذات المحكمة التى انتهك حكمها، وأقسم على احترام الدستور والقانون، وفوجئ الجميع بأنه أول من أهدر هذا القسم ويهدد دولة القانون، وهو أمر يشكل انقلاباً رئاسياً على سلطات الدولة، وأهمها السلطة القضائية، كما أنه عمل لا يستند إلى مشروعية، لأنه يتجاوز الدستور، وكلنا يعلم أن الدساتير فوق السلطات بما فيها سلطات واختصاصات رئيس الدولة، والخروج عليها يعنى تحويل الرئيس إلى فرعون لا يحاسبه أحد. ما حدث الأحد الماضى، يمثل اغتيالاً لدولة القانون ويعد سابقة فى تاريخ الحياة السياسية المصرية التى عرفت احترام السلطة القضائية لمدة تزيد على 150 عاماً، وتهدد بإحداث فوضى عارمة فى مصر بعد أن باتت أحكام القضاء على المحك وإهدارها يعنى أننا ننتقل من دولة يسود فيها شريعة القانون إلى فوضى يسود فيها شريعة الغاب، خاصة أن الحكم صادر عن أعلى سلطة قضائية فى مصر وهى المحكمة الدستورية العليا صاحبة الحق الأصيل فى الفصل فى المسائل الدستورية وأحكامها تمثل قانوناً لا يمكن إسقاطه، وهى بالمناسبة من المحاكم القليلة المشهود لها عالمياً بالكفاءة والنزاهة لدرجة أنها تحتل المرتبة الثالثة عالمياً وسبق لها مواجهة النظام السابق كثيراً وقضت بحل مجلس الشعب عدة مرات، ومن المؤكد أننا على أبواب معركة أحد طرفيها رئيس الدولة، أما الطرف الثانى فلن يكون القضاة أو المجلس العسكرى فقط، وإنما الشعب المصرى بكامله للحفاظ على الدولة المصرية، دولة الدستور والقانون والمؤسسات حتى لا تنجرف الدولة إلى الفوضى، وتصبح الأحكام القضائية فى مهب الريح ونفاجأ بأن البقاء للأقوى. للأسف القرار الذى أصدره الدكتور محمد مرسى بصفته رئيساً للجمهورية يشير بوضوح إلى أن الرئيس مازال يتعامل بمنطق الجماعة وليس بمنطق رئيس الجمهورية وبهدف إرضاء الجماعة وتيار الإسلام السياسى الذين حصلوا على الأغلبية فى البرلمان المنحل، وهو منطق يهدد شرعية الدولة، ويأتى لمصلحة فصيل على حساب مؤسسات الدولة، وكان على الدكتور «مرسى» أن يسمو فوق التحزب ويثبت للشعب المصرى أنه رئيس لكل المصريين، وأنه خرج من عباءة الإخوان وحزب الحرية والعدالة من خلال الأفعال وليس الأقوال، خاصة أن غالبية المصريين تتوجس فى نوايا الإخوان منذ قيام الثورة وركوبها فى اليوم الرابع، وإصدار بيانات وتصريحات معتدلة وجيدة إلى أن جاءت انتخابات البرلمان ثم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وانتخاب الرئاسة وفوجئوا بأن الأفعال جميعها، تختلف عن الأقوال وأن غايتهم هى الاستحواذ على السلطة واحتكارها معتمدين على لعبة نقل أعضائهم من المحافظات وحشدهم فى ميدان التحرير للضغط المعنوى على المجلس العسكرى وتمرير ما يشاءون وهى لعبة ضج منها المصريون على اعتبار أنها تمثل مواجهة للمجلس العسكرى لا يقبلها مصرى واحد أو أصغر جندى فى القوات المسلحة.