قفزة جديدة لعيار 21 خلال أيام…أسعار الذهب ارتفعت بنسبة 50% خلال العام 2025    تحرير 11 مخالفة تموينية خلال حملة على الأسواق بمغاغة    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025 في القاهرة    الفراولة المجمدة تتصدر قائمة السلع الغذائية المصدّرة في 2025 بنمو قياسي 81%    كامل الوزير يصدر قرارا بتعيين 3 أعضاء بغرفة الصناعات المعدنية    بوتين: الخطة الأوروبية بشأن أوكرانيا غير مقبولة لروسيا    بوتين: إذا بدأت أوروبا حربا ضد روسيا فلن تجد موسكو قريبا "من تتفاوض معه"    كأس العرب| منتخب الكويت يسجل التقدم في مرمى مصر    الأكاديمية الوطنية للتدريب تختتم أول برنامج من نوعه لأعضاء الشيوخ    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    المتحف المصري يستضيف رحلة فنية عالمية تربط التراث بالإبداع المعاصر    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    ريال مدريد يعلن تفاصيل إصابة فيرلاند ميندي.. وتقارير توضح موعد عودته    إبراهيم حسن: منتخب مصر يخوض تدريبه الأول غدًا بمشروع الهدف    مدير تعليم دمياط يتفقد «المنتزة» و«عمر بن الخطاب».. ويشدد على الانضباط    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    مدير معرض القاهرة للكتاب يكشف تفاصيل الدورة ال57: قرعة علنية وشعار جديد لنجيب محفوظ    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    موعد مباريات الجولة الأولى من بطولة كأس عاصمة مصر 2025-2026    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الصحة تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    محافظ المنيا: إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 27    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    حبس عامل مدرسة بالإسكندرية 15 يومًا بتهمة الاعتداء على 4 أطفال في رياض الأطفال    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    اليوم .. إعلان نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير الري يشارك في مائدة وزارية بالمغرب لبحث تسريع تحقيق هدف المياه المستدامة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنات الشوارع: خليكي "نَمِرة" تخاف منك "الديابة"
نشر في الوفد يوم 11 - 07 - 2012

"يابت اسمعي كلامي بلاش تبقي خايبة كده، اللي ييجي جنبك وريه العين الحمرا، أمال إيه.. هي العيشة بالساهل، ولو هتفضلي كده الصغير قبل الكبير هيضحك عليكِ."
إنه واحد من مئات الديالوجات التي يمكنك أن تسمعها في أي وقت من ليل أو نهار في إحدى محطات مترو الأنفاق أو المواصلات العامة، أبطاله الباعة الجائلون، ومخرجه الكبار منهم، والمسرح هو الشارع، أما المتفرجون فأنا وأنت وجموع الركاب.
هند بنت 7 سنوات التقيتها في محطة الدمرداش..هادئة.. ذات ملامح طفولية لم تصطبغ بعد بملامح "أولاد الشوارع" من عنف وألفاظ بذيئة وحركات سوقية، ترتدي حجابا أطول منها، يداها الصغيرتان متشبثتان بأكياس المناديل، وصوتها بالكاد تستطيع سماعه، أما عيناها فلا تزال تتميزان بتلك النظرة الحالمة.
ملاك في المترو
وددت لو أتعرف على قصة الطفلة، وبينما ننتظر المترو دار بينها وبين أحد البائعين الأكبر منها سنا هذا الحوار: "يابت اوعي تفتكري اللي في الشارع هيصعب عليهم حالك والاَ هيقولوا دي مؤدبة نخليها في حالها، لا دول هيتجرؤا عليكِ وساعتها مش هتلاقي حد يدافع عنك."
انتظرت حتى ركبنا عربة المترو، واشتريت منها مجموعة مناديل وحاولت فتح حوار معها, في البداية خافت وتلفتت يمينا ويسارا تبحث عن زميلتها الأكبر منها سنا فالصغير لابد وأن يكون معه آخر أقدم منه في المهنة لكنها كانت على الطرف الآخر للعربة المزدحمة.
قلت لها : "بصي أنا كنت هاخذ كيس بس عشان انتي بنوته مؤدبة هاخذ 4".. قبّلت هند النقود ووضعتها على جبينها الأسمر..وأخيرا اتفكت عقدة لسانها وفتحت لي قلبها وبدأت تحكي : ليً اخوات بس الدنيا ملهاش كبير، أبويا مات وأمي ست كبيرة، واخواتي واحد في الأحداث والثاني بيبيع أدوات منزلية، وقالوا لي أنزل عشان الاقي لقمة عيش نظيفة.
في الأول رحت السوق أشيل شنط الخضار والفاكهة، بس بيشيلوني حاجات ثقيلة قوي، وبعد ساعتين في الشمس يدوني جنيه والا اثنين، ولما اشتكيت لأمي قالت لي أطلع أبيع مناديل في المواصلات، بس بتكون زحمة قوي وكنت "بتفعِص" فقالت لي عربيات مترو الستات أحسن وأأمن حاجة.
سكتت برهة ثم واصلت: الشارع غابة ولو فضلت زي ما انا كده ياإما هيضربوني وياخدوا فلوس المناديل، أو ياخدوا المناديل نفسها، وساعات يخلوني أبيع معاهم بعد ما أخلص حصتي ومش بيخلوني أريح رجلي، عشان كده الواد "ميدو" زميلي هو واخته بينصحوني وبيخلوا بالهم مني لحد ما عضمي ينشف.
هند تتكلم كما لو كانت بنت 17سنة، قسوة الظروف جعلتها تتحمل المسؤلية.. تركتها وسؤال واحد يراودني إلى متى ستظل محتفظة بتلك الملامح الطفولية والصوت الهادئ البريء.
هتعملوا لنا إيه يعني
عالم الشارع أشبه بقصص ألف ليلة وليلة، الشكل الخارجي يوحي لك أنها فتاة صغيرة، لكن نبرة الصوت المبحوحة من شرب السجائر، والوجه المليء بالجروح والخياطات، تشير إلى عكس ذلك..
سمية.. بائعة "باديهات".. على العكس من هند تبدو كالقطة الشرسة، حينما حاولت التعرف على قصتها ردت علي بعنف : "هتعملوا لنا إيه يعني؟"
وبعد عدة مناورات أخذت رقم الموبايل الخاص بها بحجة أن "البدي" عجبني وعاوزاها تجيب لي ألوان معينة.
اتصلت بها فإذا برجل يرد ، أجبته أني أريد طلبات من "سمية" فأعطاني إياها، فردت معلش يا أبلة أصلهم بيخافوا علي من المعاكسات.. احنا ولاد ناس بردو، واللي رد عليكِ ده ابن المعلم بتاعنا.
فضَلت "سمية" قسوة الشارع عن قسوة والدها مدمن البانجو، تعيش مع مجموعة من الباعة الجائلين بعد أن عملت في كل مهنة يمكنك أن تتخيلها، تتحدث معك دون أن تعيرك أي اهتمام وكأنها تريد أن تخبرك " أنك ولا حاجة"، وأنها على يقين إن كل واحد بيكلمها عاوز منها حاجة.
صارحتها فقالت لي: "آه انتوا بتحبوا تتعرفوا علينا وكأننا فرجة بس فعل مفيش، وبعدين أنا لازم أتكلم كده والا تاكلني الديابة، انتي مش شايفة عملوا ايه في وشي لما كنت بنت بطرحة، وحاولوا يجوزنوني جوازة مايعلم بيها إلا ربنا، دلوقتي محدش يقدر يهوب لي."
الشغل عبادة
وبأحد شوارع مدينة نصر تسير تلك الطفلة الصغيرة حاملة معها أكياس المناديل، أعطيتها جنيه وأخذت منها كيس واحد، ففوجئت بها تركض خلفي قائلة: "أمي علمتني إن الشغل عبادة وإني مشحتش، ياتاخدي كيس تاني يا تاخذي الجنيه."
ابتسمت وأخذت منها الكيس وتعرفت على الصغيرة "سنا"، فقالت: " أنا بروح المدرسة بس في الصيف بساعد أبويا عشان هو مش بيمشي، وماما متوفية من سنة وأمنتني مشحتش، في الأول كنت بخاف بس الحمد لله الناس طيبين ومحدش بيكسف عيلة صغيرة بس المهم إني أنفذ وصية أمي. "
وفي إشارة روكسي فتاة صغيرة بشعر منسدل على ظهرها، وفستان غاية في الرقة، في البداية ظننت أنها نزلت من إحدى السيارات فقلت بغضب: طفلة في السن ده ازاي ينزلوها تعدي وسط الإشارة.
وماهي إلا لحظات وأدركت أنها تبيع الفل بتأدب ورقة، لا تنادي وإنما تكتفي بالمرور من أمام السيارة، واللافت للنظر أن أغلب السيارات تشتري لكن بعد أن تتحدث قليلا مع الفتاة التي لا يتعدى عمرها الست سنوات.
حبيبة الشارع
وفي أحد الشوارع الجانبية بالمهندسين وجدت الصغيرة تجلس في حضن والدتها على جانب الطريق، وتلاعب أخوها الأصغر منها، في البداية تذكرت أن غالبيتهم ليسوا أسرة واحدة، لكن حنان النظرة دفعني لسؤال الأم عن الفتاة وماسر تواجدهما في الشارع في هذا الوقت.
لم تتحدث الأم إلا بجملتين "الحمد لله.. حسبنا الله ونعم الوكيل"، فلم أجد إلا عسكري الإشارة ليخبرني أنها امرأة من محافظة أخرى وقعت فريسة لشخص اعتدى عليها وتركها تواجه مصيرها بمفردها ووليدتها ثمرة هذا الاعتداء، فاضطرت للهرب إلى القاهرة حيث لا يعرفها أحد.
وفي المدينة التحقت بإحدى الجمعيات التي ساهمت في تزويجها بشخص تقدم لها لكنها فوجئت بأنه مدمن وخافت على ابنتها منه فرفضت الاقتران به، وحينما رجعت إلى الجمعية كان الرد أنهم لا يستطيعون تحمل مسئولية ثلاث أرواح، وأقفلوا الباب أمامها.
وتابع العسكري قائلا:على فكرة البنوته ماشاء الله حبيبة الشارع كله بيهادوها باللبس واللعب، وأنا باحرسهم في ورديتي وبوصلهم للعشة الصغيرة التي يسكنوها بعد الإنتهاء من عملي، وأنهى قائلا: "وأهو بحاول ألاقي لها شغلانة عند ناس ولاد حلال بيتقوا ربنا."
يا عرب يا بلاش
"أبين زين واشوف الودع" .. نداء الغجرية الصغيرة "سهيلة" التي تقف في الشوارع الجانبية الهادئة وتركض على العرب.. فهم كما تقول: فلوسهم حاضرة وريحتهم حلوة وبينضحك عليهم، وليس لها علاقة بالمصريين عشان فقر على حد وصفها.
تعالي ياحلوة أشوف لك الودع، أنا صغيرة بس الحجاب عني مكشوف، طب أقولك معاكي ايه في الشنطة، كريم وريحة ومفاتيح والأحمر والبودرة ده غير القرشينات طبعا.
تقف السائحة مندهشة، عرفت منين! "لا ده سر الصنعة تعالي بس أما أقولك...ارمي بياضك والنبي ما اقبل الا بحتة بعشرين..."
المهم أن تصل في النهاية إلى ما يقرب الثلاثمائة جنيه وإذا اعترضت السائحة، تقول لها جملة واحدة: طاوعيني بدل ما أخليهم يطلعوا عليكِ – تقصد أتباعها من الجان-.
هذه لم أتجرأ على التحدث معها فبصافرة أو صرخة واحدة يجتمع حولي أبناء نمنم من الغجر، وأتعرض للسرقة والألفاظ التي لا يحمد عقباها.
حينها أدركت أن المشكلة لا تكمن في الشارع وإنما في تلك العقول والقلوب التي أبعدتها الظروف عن إدراك أن العمل عبادة، وأنه الشيئ الوحيد الذي يضمن لنا الكرامة مهما كان نوعية العمل المهم أن لانهدر هذه الكرامة، وبت أتساءل ..هل يجدون لهم نصيبا من الرعاية والرأفة كشركاء لنا في الجمهورية الثانية!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.