منذ أن تقررت الإعادة بين مرسي وشفيق علي منصب رئاسة الجمهورية والمواطن كامل عبد ربه يدخل يوميا في نقاش صاخب محموم مع أصحابه ومعارفه وجيرانه وحتى بقال الحي, يحرضهم علي انتخاب شفيق. ويحتد غاضبا علي من سيقاطع الانتخابات أو يذهب ليبطل صوته ويقرر قطع علاقته به لأن إهداره لصوته يصب في مصلحة مرسي. ويشرح لمن يراه محتارا بين المرشحين, أن مرسي يدعو لدولة دينية تنتمي للعصور الوسطي بواسطة جماعة سرية تكذب وتناور وتشتري أصوات الفقراء وتهدد الناس بأن من لا يصوت لهم مصيره النار. وتشيع الخرافة والتفكير غير العلمي. أما شفيق فيدعو لدولة مدنية حديثة تعتمد المنهج العلمي في حل مشاكل مصر. كان الناس يستمعون له, فهو دكتور مثقف وأستاذ جامعة يحفظ التاريخ والتراث الحضاري لمصر وللعالم. وكان يستفزه أن يري بعض المستمعين لا يعلقون بشيء فيعلو صوته مؤكدا أنه ليس من أعضاء الحملة الانتخابية لشفيق ولم يقابله في حياته. ويبح صوته ليقول إنه لا يريد شفيق تحديدا, لكنه سينتخبه لأنه بكل صراحة يريد أن يقصي مرسي عن الكرسي, لأن في هذا خراب مصر, بل والأمة العربية. وحدث أن سعي إليه جماعة من الإخوان ليتناقشوا معه. بدأوا كلامهم بعبارات المودة, وابتسامة هادئة لا تفارقهم (لماذا تتحامل علينا يا أخي الكريم؟. تعال نتناقش بهدوء ومحبة فأنت مسلم مثلنا. والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية). لكن الدكتور هز رأسه بالرفض. قالوا (لماذا تهرب من الحوار؟) رد بحسم.(لأنكم لم تخلقوا للنقاش. علموكم منذ طفولتكم علي السمع والطاعة العمياء. وهذه هي مشكلتكم. تعودتم أن تسمعوا من مرشدكم أي شيء دون تفكير ثم تعيدون تكراره للناس وليس لديكم الاستعداد لأن تعوا أي شيء جديد لم تألفوه.فالإنسان عدو ما يجهله. وتخشون أن تتراجعوا عن كلمة أفرغوها في أذانكم وأنتم بعد أطفال صغار). نظر الرجال لبعضهم وانصرفوا عنه عابسين. في الليلة التي تسبق الانتخابات حرص أن يضبط المنبه وصحا مبكرا فتوضأ وصلي الفجر وتناول إفطارا سريعا ليصل لمقر لجنته الانتخابية قبل فتح أبوابها فيكون أول من يؤدي واجبه الوطني. ارتدي ملابسه علي عجل ثم حرر قدميه من الشبشب في عصبية ليلبس الحذاء, فانقلبت فردة شبشب وانكفأت فوق الأخرى. نظر للفردة المقلوبة وانقبض صدره لحظة علي نحو غامض ثم انطلق إلي الطريق.كان مقر لجنته قريبا ففضل أن يمشيها خاصة وأن الجو كان لطيفا إلا أن صدره انقبض ثانية, فتمهلت خطواته علي وقع أفكاره. سأل نفسه. (ماذا كان سيخسر لو عدل وضع فردة الشبشب الأخرى؟). اندهش من هذا الخاطر و بعدها وجد نفسه يتوقف فجأة ثم يستدير عائدا إلي منزله بخطوات سريعة يقول لنفسه (نعم لن أخسر أي شيء وسينشرح صدري). أصبح علي بعد أمتار من منزله ثم جمد مكانه وسأل (ما العلاقة بين الشبشب المقلوب وبين فوز مرسي أو شفيق؟) ثم أجاب (لا شيء). وبدلا من أن يصعد لمنزله أوقف سيارة أجرة وقفز فيها قاصدا اللجنة. دخل قاعة الانتخاب وأخذ بطاقة الترشيح ووقف وراء الساتر ينظر لصورة مرسي وبجوارها رمز الميزان وصورة شفيق وبجوارها رمز السلم. فكر أنه حتى لو لم يفز شفيق فسيكون قد أرضي ضميره. أمسك بالقلم وهم بوضع العلامة فعاد الصوت بداخله يسأله بعناد (ماذا كان سيخسر لو عدل وضع فردة الشبشب الأخرى؟). وهنا اندفع في سرعة وتصميم بوضع العلامة علي الورقة. لكن في أقل من ثانية اكتشف أنه وضع العلامة بالخطأ علي رمز مرسي. نظر مشدوها غير مصدق أن هذا ما فعلته يده, وبدأ يفكر كيف يصحح الخطأ. لكن الموظف عاجله قائلا (طبق الورقة وضعها في الصندوق). وضع الورقة بالصندوق وكأنه منوم. في طريق عودته فكر أنه كثيرا ما سخر من قول البعض أن ترك الشبشب مقلوبا يجلب النحس والشر. فماذا حدث له؟. فجأة تذكر الآن أن جده الشيخ الوقور المهاب كان قد قال له ذلك وهو بعد طفل صغير فلم يناقشه. عاد الدكتور كامل لمنزله وقرر الا يخبر أحدا بما حدث بمن فيهم زوجته. وفكر أنه يمكنه أن يسافر إلي الخارج قبل ظهور نتيجة الانتخابات. ثم فكر أنه بعد ظهورها قد يقرر ألا يعود. ومد يده بحركة لا شعورية وعدل وضع الشبشب المقلوب.