أحدث القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا خرابا جيوسياسيا في الشرق الأوسط، ممهدا الطريق أمام إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة ، تاركاً إسرائيل وحدها لتواجه ذلك ولا شك أنه سيزيد احتمالات تحرر الالاف من سجناء داعش. وقد يبدو أن سحب 2000 جندي فقط من سوريا، هو عدد محدود، ولكن سيكون له عواقب بعيدة المدى في حرب معقدة، مما يترك الحلفاء الأمريكيين يواجهون معاناة التعامل مع الخصوم، وفقا لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. اكدت الصحيفة أن تركياوإيران وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد سيستفيدون من فوائد هائلة من الانسحاب الأميركي. من ناحية أخرى، يشعر حلفاء مثل القوات الكردية الذين قاتلوا إلى جانب الولاياتالمتحدة في سوريا بأن الانسحاب بمثابة خيانة ويهددون بتحرير الآلاف من أسرى داعش إذا تخلت الولاياتالمتحدة عنهم. إسرائيل كانت تأمل في أن يمنع الوجود الأميركي في سورياإيران من استكمال ممرها إلى البحر، ستضطر لمواجهة واقع جديد. وقال مايكل هرتسوج، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول دفاع إسرائيلي سابق: "هذا يتركنا وحدنا في الساحة مع الروس.. نحن وحدنا في المعركة ضد إيران في سوريا." وبينما تتردد أصداء القرار الأمريكي عبر المنطقة، ستضطر العديد من الدول إلى إعادة تقييم علاقاتها، حيث يمكن أن تكون النتيجة سلسلة من أعمال التوازن الجديدة: إسرائيل تحاول إمالة روسيا ضد إيران، وتركيا تلعب ضد روسياوالولاياتالمتحدة، ومحاولات توازن سوريا بين الأكراد وتركيا. من جانبه أوضح دانييل سي. كيرتزر، سفير سابق في مصر وإسرائيل للصحيفة أن "أي بلد في هذه المنطقة، لا يستطيعون الوثوق بنا، ولا يريدون أن يثقوا بالروس". كان الوجود الأمريكي في سوريا مقلقا بشكل خاص لإيران، ومنع الميليشيات المدعومة من إيران من العبور إلى سوريا من العراق، لكن الانسحاب من شأنه أن يشجع طهران على التعامل مع الحدود العراقية بما أنها مليئة بالثغرات، مما يسهل حركة المقاتلين والأسلحة ويحتمل نقل صواريخ متطورة وأسلحة أخرى عبر سوريا إلى حزب الله ، شريك إيران في لبنان. يمكن أن تخفف حرية الحركة بين الحدود من وطأة العقوبات الأمريكية على إيران. وتقول لينا خطيب، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في تشاثام هاوس في لندن: "المنطقة غنية بالنفط ..لذلك فإن إزالة القوات الأمريكية قد تزيد من فرص حصول إيران على حقول النفط في الشمال الشرقي". من ناحية أخرى، هددت القوات الديمقراطية السورية أن انسحاب الولاياتالمتحدة سيثير حفيظة الأكراد في شرق سوريا، خاصة بعد تهديداتهم بإطلاق سراح 3200 من سجناء داعش، وفقا لتصريحات مسؤول غربي أمس الخميس. ونفى مصطفى بالي، المتحدث باسم القوات السورية الديمقراطية، وجود أي نقاش لإطلاق سراح سجناء من تنظيم داعش. وقال "أي أخبار قادمة من هذه المصادر ليست موثوقة ولا تأتي منا." لكن مسؤولاً غربيًا من التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة في سوريا، والذي يضم أكثر من 12 دولة، أكد أن مثل هذه المناقشات قد جرت بالفعل. وقال المسؤول الذي أصر على عدم ذكر اسمه : "أفضل نتيجة للخيارات المطروحة هو على الأرجح أن يقوم النظام السوري باستمرار حجز هؤلاء الأشخاص ..لأنه إذا تم الإفراج عنهم ، فستكون كارثة حقيقية وتهديدًا كبيرًا لأوروبا". وقلل بعض المحللين من أهمية هذا التهديد على أنه خدعة، أو صرخة لفت الانتباه، لكن تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن قيادة القوات الديمقراطية السورية تناقش إطلاق سراح السجناء لأن العديد من بلدانهم الأصلية رفضت إعادتهم. وقال المرصد وهو مجموعة مقرها لندن وشبكة من مراقبي المواطنين في جميع أنحاء سوريا التي تنتج أعمال موثقة على نطاق واسع، الميليشيا تشعر بالقلق أيضا من أنها ستحتاج إلى جميع مقاتليها للدفاع ضد غزو عسكري تركي محتمل. الغزو التركي المحتمل قالت تقارير إن إعلان ترامب زاد من احتمالات هذا الغزو، كما ينظر إليه أنه يعطي تركيا الضوء الأخضر لتنفيذ ذلك. ويساعد الانسحاب الأميركي تركيا بطريقتين: التخلي عن الأكراد، الذين تعتبرهم تركيا تهديدًا، والإطاحة بالقوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، التي قال الرئيس رجب طيب أردوغان إنه سيغزوها لمهاجمة المواقع الكردية هناك. ومع ذلك، لن يكون الغزو خالياً من المخاطر، حيث قال ستيفن كوك، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية: "المشكلة بالنسبة لهم هي أنه إذا دخلوا، فثمة احتمال دائم أن يواجهوا صراعا طويلا من حرب العصابات". ويظل الاحتمال الأكبر، كما قال المحللون، هو أن الأكراد يسعون إلى اتفاق مع الرئيس السوري ، السيد الأسد ، يمنحهم حكما ذاتيا محدودا في شرق سوريا مقابل ولائهم، لكن مثل هذا الاتفاق سيضع تركيا في صراع أكبر مع كل من الأسد والروس. إحراج اسرائيل وقع الانسحاب على بنيامين نتنياهو شكل "إحراج عميق" لرئيس الوزراء الاسرائيلي في السنة الانتخابية التي كانت فيها أوراق اعتماده للأمن القومي، والتقارب مع السيد ترامب والتركيز الاستحواذي على وقف التوسع الإيراني، محور حجته لولاية أخرى. وقال عوفر زالزبرج، المحلل الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية: "لقد فاجأ هذا الأمر الحكومة الإسرائيلية ولا أعرف ما إذا كان ترامب قد اتصل ب نتنياهو لإبلاغه بالانسحاب قبل يومين أم لا، لكن هذا وقت قصير للغاية بين حلفاء مقربين.. لقد تسبب الخبر في انقلاب رأسا على عقب". وكان يبدو أن نتنياهو قد وصل إلى ذروة نفوذه في واشنطن في وقت سابق من هذا العام عندما قام السيد ترامب بنقل سفارة الولاياتالمتحدة في إسرائيل إلى القدس ثم تخلى عن الاتفاق النووي الإيراني، الذي كان أشاط غضب نتنياهو لسنوات. لكن زالزبيرج قال: "تنياهو ينهي العام بإدارة سيئة لعلاقات إسرائيل مع القوتين العظميين العالميتين، الولاياتالمتحدةوروسيا" وقد رفض بوتين الاجتماع معه منذ إسقاط طائرة عسكرية روسية في سوريا خلال غارة جوية إسرائيلية في سبتمبر. وفي الوقت الذي يحاول فيه الخبراء العسكريون الإسرائيليون الاستخفاف بالمخاطر التكتيكية المتمثلة في تركهم بمفردهم لمحاربة إيران في سوريا، قال الكثيرون إن الانسحاب الأميركي يضعف من المعنويات الإسرائيلية. ويعزز الانسحاب الأمريكي المفاجئ مصداقية للفكرة التي تتزايد انتشارا في الشرق الأوسط بأن دعم الولاياتالمتحدة لحلفائها ليس كما كان في السابق، كما قال زالزبيرج: "هذه رواية ضارة جداً للقوة الإسرائيلية بغض النظر عن صحتها". استفادات روسيا قد تكون روسيا المستفيد الأكبر من رحيل القوات الأمريكية، الأمر الذي يجعلها القوة العالمية الرئيسية في سوريا وتستعيد دورها في الحقبة السوفياتية كلاعب في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يستخدم بوتين الانسحاب الأميركي "لإخبار العالم بأن روسيا فازت على الولاياتالمتحدة في حرب الوكالة "، وفقا لما ذكرته المحللة خطيب من تشاتام هاوس. وأضافت: "ستستغل روسيا الفراغ من أجل تحديد شروط مسار الصراع السوري كما تشاءن كما يمهد ذلك الطريق أمام روسيا للتعامل مع سوريا كجزء من أرضها الافتراضية". ولكن في الوقت الذي قد تربح فيه كل من موسكووطهران على المدى القصير، فإن نهاية الحرب في سوريا من المحتمل أن تجلبهما للنزاع، لأن تحالفهما المؤيد للأسد سوف يفسح المجال لمصالح متنافسة وهي أن روسيا تريد حكومة قوية في الداخل ، بينما تريد طهران نظامًا ضعيفًا تستطيع فرض إرادتها عليه.