«أنا مش عاوزة جهاز غير نجفة وبوتاجاز.. راح اشيلك في عيني يا عيني لو علي لمبة جاز.. ولقمة صغيورة تشبعنا وعش العصفورة يقضينا» وهنا مقص وهنا مقص وهنا عرايس بتترص. في سوق التلات.. الرضا بالمقسوم «عبادة» وقصور أحلام تداعب خيال «أحلي البنات» وهن يفتشن بدأب عن أمل ضائع في كومة ستائر ملونة رخيصة.. وأجهزة كهربائية «عطلانة» وأدوات ماكياج نصف فاسدة. في السوق الذي ينتظره الغلابة كل أسبوع يقطع الشباب طريقهم إلي الأمل في استكمال «نص دينهم» يبحثون في موبيليا روبابيكيا عن أوضة نوم «خرج بيت» أو أنتريه نص عمر أو ثلاجة استعمال طبيب! في سوق المنيب ينشد «العرايس والعرسان» الفرحة في «الحلال» بعيدا عن دنيا الفيلات والكامباورندو الصالون المدهب والدولاب البلاكار.. كل ما يحتاجه الأمر «شوية شطارة وصبر وفصال وطبعا جمعية تعملها «ست الحبايب مع الجيران في الحتة». انه في يوم الثلاثاء فقط يخرج فيه الحاوي من جرابه الأفراح للفقراء والتعساء، والباحثون عن السعادة بأقل القليل عليهم فقط التوجه لأرض الخير في المنيب، الأتربة المتصاعدة من الطريق لا تخنق زائري السوق بل يرون فيها دخان العفريت الذي خرج من القمقم توا ليسأل الحزين: نفسك في إيه؟! فيرد الشاب الذي قارب علي الأربعين: نفسي اتجوز يا عم العفريت وأكمل نص ديني. وإيه اللي مانعك يا ابني؟! العين بصيرة.. والايد قصيرة.. والشعر الأبيض كسا راسي.. والصحة بتودع كل مكان في جسمي.. ونفسي افرح قبل ما اشيب واتجوز البنت اللي بحبها من 10 سنين واخلف عيلين وأنا زيها فقير.. لا انا ساحر.. ولا أمير.. وقبل ان تتسرب الدموع من عيون الشاب المسكين يفتح جني الأحلام بوابة سوق الثلاثاء.. حجرات نوم.. سفرة.. صالون.. أجهزة كهربائية علي كل شكل ولون. رغم أن السوق ممتلئ عن آخره بكل ما يخطر علي بالك.. طيور خضراوات.. لحوم.. ملابس.. أدوات منزلية، إلا أن جهاز العرايس المستعمل هو أبرز ما يميز هذا المكان. تجد حجرات قديمة «شبه متهالكة» مدهونة بطلاءات رخيصة متراصة علي جوانب الطريق الواسع الضيق بفعل الزحام.. بوتاجازات شبه خربة.. ثلاجات.. حتي الخلاطات.. والملابس كل شىء هنا موجود، ومن الواضح أن الاسعار ترضي الجميع وتناسبهم رغم إن الفصال هو السمة السائدة في عملية البيع والشراء. في ساحة كبيرة في أقصي يسار السوق تعرض مجموعة كبيرة من الموبيليا المتواضعة الذوق والخامات، بادرنا الأسطي إبراهيم صاحب المكان بسؤاله: عاوزين قديم ولا جديد؟! هل تبيعون موبيليا جديدة؟ نعم.. وأشار بيديه إلي مجموعة دواليب وانتريهات.. بكام الانتريه؟ ب 300 جنيه أشرت إلي حجرة نوم وسألته عن سعرها فقال 1700 جنيه ثم همست إحدي السيدات في أذني، قوليلو ألف ونص سألت الرجل الذي أكد انه «ستورجي» ويعمل معه في نفس المكان، نجار وستورجي آخر سألته عن الموبيليا القديمة فأشار إلي مساحة واسعة ممتلئة بدواليب وأسرة ومرايات، وعلمت انها حجرات قديمة و«متوضبة» وكان هناك شابان أحدهما أخذ يقلب في ضلف الدواليب ويقول للبائع هاخدهم كلهم الواحد ب 300 جنيه وعندما سألته عرفت انه تاجر من المنيا.. قال: لنا محلات في الصعيد تعرض فيها هذه البضاعة وهي قديمة ولكن النجار والاستورجي يجعلونها أحسن من الجديدة! وبكم تبيعها في البلد؟! ب 3 آلاف جنيه أو 2500 جنيه أنا وشطارتي ثم أكد لي الأسطي إبراهيم أن هناك حجرة نوم كاملة قديمة متوضبة ب 500 جنيه عبارة عن دولاب وسرير و«شوفنيرة» وهي خرج بيت لكن خشبها «كويس» ويعيش، وقال الرجل إن البضاعة أحيانا تأتي من «بيوت نضيفة في مصر الجديدة ومدينة نصر وأحيانا حجرات خشب زان وتباع ب 1000 جنيه». قطع حديثنا شاب بصحبته سيدة كبيرة وعلمنا انها أمه وجاءت معه لشراء حجرة نوم وانتريه لزوم زواج ابنها الذي أكد انه موظف في شركة حكومية وراتبه لا يزيد علي 500 جنيه وخاطب منذ ثلاث سنوات، وألح عليه حماه في إتمام الزواج قبل رمضان، قال الشاب ويدعي محمد إبرهيم: أنا كمان نفسي اخلص واتجوز والعروسة، كل يوم يجيلها واحد وأمي الله يكرمها عملتلي جمعية ب 2000 جنيه هاحاول ألم الموضوع بيهم. علي بعد خطوات الحاجة أم حسين وهي تتاجر في الموبيليا المستعملة أيضا قالت: الجديد لا يفرق كثيرا عن القديم في السعر، لكن فيه زبون يحب الجديد والخامات علي قد الحال «خشب كبس وابلاكاش» ب 1000 جنيه لكن الأحسن منها أوضة قديمة وخشب حلو وأحيانا نبيعها ب 1500 أو أكثر حسب «جيب الزبون ومقدرته». كما تعرض «أم حسين» أكثر من انتريه «مودرن» تقول انه «امريكاني» بألوان زاهية وأقمشة رديئة والانتريه مكون من 5 قطع ب 800 جنيه لكنه جديد، وهذا ما جذب «أماني» فتاة في العقد الثالث من عمرها جاءت مع أختها الكبري وقالت: اشتريت أوضة نوم أنا وخطيبي ب 1500 جنيه زي الفل والنهاردة هشتري الانتريه والأجهزة الكهربائية وأردفت: الانتريه مش وحش وأحسن من القديم علشان أنا عروسة لازم كله جديد والجيران يشوفوا العفش لكن الأجهزة بنشتريها مستعملة ونصلحها وعلمت أن أماني عروس يتيمة تعيش مع أختها الكبري وتعمل هي وخطيبها في مصنع «حلويات» وزملاؤها في المصنع «لموا» قرشين زي نقطة مقدما، قالت: أجرنا أوضة في بيت عم جوزي ب 150 جنيها في الشهر وربنا يسهل وهنتجوز ع العيد، أما اختها الكبري فقالت: كل حاجة موجودة هنا في سوق التلات اشترينا الستارة ب 20 جنيها سألتها: بالمتر.. لا «دي فضلة» أي قطعة ليست من توب لكنها «فوال» يعني أحسن نوع. اللي مايقدرش تلك العجوز التي اتخذت لنفسها مكانا في وسط السوق تحتمي من الشمس بكف يدها ترفعه تدعو معه الله بالفرج والرزق «يارب ابعت» وتارة ترفعه لحجب الشمس عن رأسها.. رصت الحاجة فوزية مجموعة من الخلاطات الكهربائية أمامها علي مساحة واسعة، وقالت بابتسامة وأنا أسألها عن الأسعار: «إحنا بتوع اللي مايقدرش» الخلاط ب 45 ولو الزبون قال 30 نبيع ماحدش يقول للرزق لأ. وأضافت الشغل ع التجربة أي الزبون يجرب قبل الشراء، وبالفعل وضعت البائعة بجوارها مشترك متصل بالكهرباء لتجربة بضاعتها وتشجيع الزبائن. بتشتري منين الخلاطات؟ من بتوع الروبابيكيا وفيه حاجات كويسة. زباين الحاجة فوزية ليسوا من العرائس فقط، ولكن زبائن كثيرة علي قدها- ست بيت- موظفة غلبانة، الخلاط يريحها في شغل البيت وفيه مفرمة لحمة ب 20 جنيها شغلة كويس. بيع- شراء- استبدال- يافطة كبيرة وضعت أمام بضائع متنوعة من الموبيليا والبوتاجازات والثلاجات بل والأقمشة القطنية أيضا، تاجر مثل باقي التجار بالسوق لكنه واضع يده علي عينيه كأنه نائم.. لكني عندما حدثته كان- يائسا ليس أكثر- المعلم سيد تاجر في السوق منذ سنوات طويلة لا أعرف عددها لكنه ورث هذه المهنة عن أبيه قال: الحال نايم لا فيه بيع ولا شرا.. الغلابة مش لاقيين ياكلوا.. يبقي هيتجوزوا منين؟! قطع حديثه- فتاة وشاب أعجبهما بوتاجاز سألاه عن ثمنه فقال 150 جنيها فسأله الشاب.. شغال؟ فرد عليه الرجل- جربه، وأكد الشاب انه لا يساوي أكثر من 100 جنيه فقالت الفتاة واسمها هدي وهي خطيبته 120 ده لسه عاوز مفاتيح وازاز للفرن قبض الرجل الثمن وقد اعتلت وجهه ابتسامة رضا واكتسي وجه العروسين بالفرحة بالبوتاجاز القديم الجديد واستأجرا «توك توك» وقالت الفتاة هنوديه بيت أبويا هنا في المنيب علشان «يظبطه» ويبقي تمام وبعدين يروح الشقة! قبل الرجل النقود في يديه ورفعها إلي جبهته قائلا: «وشك حلو يا مدام فُرجت». سألته٬ هل يشتري أحد هذه المراتب القديمة أجاب ومازال محتفظا بابتسامته.. يووه الفقرا كتير وأقسم ان عروس «دكتورة» زي الفل اشترت مرتبة ومخدتين ب 60 جنيها وأضاف: بيفكوا كيس المرتبة وينفضوا القطن ويعملوا كيس جديد أوفر من التنجيد.. قنطار القطن ب 500 جنيه أقل حاجة.. وعندنا مراتب من بيوت في «فلل وأماكن راقية وحاجتهم نضيفة» وفيه مراتب جاهزة قطن أسود مفروم ب 40 جنيها طلبة الجامعة بيشتروها بيناموا عليها. علي بعد خطوات كان يتابعنا «محمود» صبي لدي أحد تجار المراتب المستعملة، وقال «هاتي أوضة ورق واستعمليها كويس تعيش» وأشار إلي حجرة نوم تبدو فاخرة وقال إنه اشتراها لابن اخته ب 2000 جنيه لكنها زان مش «حبيب» وأقسم ان زبائنه فيها «بنات زي الفل وشباب حلو» لكن هيعملوا ايه هيجيبوا عفش ب 100 ألف جنيه من المحلات ازاي؟! العريس هنا يكلف الجوازة كلها 5 آلاف جنيه علي أسوأ الفروض! وقال إن في السوق ثلاجات نشتريها من بائعي الروبابيكيا ونصلحها وتباع ب 200 جنيه، وفيه تليفزيون بنفس السعر أو أقل ممكن ب 100 جنيه. سوق الحلاوة لا تكتمل فرحة العروس إلا بشراء ملابس جديدة وأدوات الماكياج، وهي هناك أكوام كبيرة أمام بائعة «شابة أيضا لم تنس أن تضع الكحل في عينيها ليزيدها جمالا وبعضا من أحمر الشفاه «فاقع اللون» ماكياج رخيص لكن العرايس يتكالبن عليه ويخترن منه لزوم «العش السعيد» قالت إحدي الفتيات: أحمر الشفايف للتلاتة ب 5 جنيهات يا بلاش والبوردة ب 2 جنيه ونص وقلم الكحل كل الألوان من 4 ل 5 جنيهات، ابتسمت الفتاة في حياء وقالت: أنا مابحطش ماكياج أمي تموتني لكن باشتري علشان لما اتجوز أبقي براحتي وحلوة زي البنات. بجوار بائعة الماكياج كومة أكبر من ملابس العرايس والطرح مختلفة الألوان والواحدة تباع ب 5 جنيهات لكن الفتيات ضغطن علي البائعة «نفيسة» لتبيع الإيشارب الواحد ب 4 جنيهات ونصف، وجدت إحدي الفتيات اختارت أكثر من 10 قطع وعندما لمحت الدهشة في عيني قالت «قولي ما شاء الله ده جهاز عروسة خلينا نلبس ونتهنا».. قلت ما شاء الله بناء علي طلب الفتاة التي اخفت ما انتقته عن العيون في كيس أسود وانطلقت فرحة بغنيمتها. ليس كلام أغنيات.. فبعض العرايس في سوق التلات يشترين هنا «لمبات الجاز» وكأنها ترضي بالعيشة مع «عريس الهنا» علي لمبة جاز.. والحقيقة التي أوضحتها لنا سمية إحدي الأمهات التي جاءت لشراء «حصيرة بلاستيك لابنتها العروس- هي ان «عش الزوجية عبارة عن شقة إيجار جديد حجرة واحدة في أبوالنمرس وقالت: إن الكهرباء كثيرًا ما تنقطع في هذه المنطقة لذلك حرصت علي شراء لمبة جاز ب 5 جنيهات في الجهاز لابنتها واعترضت أم العروسة علي سعر اللمبة وقالت لسه شارياها من 3 سنين ب 2 جنيه لاختها الكبيرة زادت 3 جنيه وعاتبها «عم حسين» بائع لمبات الجاز، وقال: اشمعني اللمبة مش هتغلي كل حاجة غالية ولم ينس البائع المسكين ان يشكو ضيق الحال قائلا: «كيلو البرسيم» بكام دلوقت والحمار بياكل علشان بيشقي وأنا مش مهم. من أكثر المشاهد التي تكمل لوحة «الرضا» في سوق التلات ما يبديه الزبائن من بساطة في التعامل وما يعبر عنه الباعة من التساهل في البيع لأن «الزبون تعبان ولازم يشتري ويخرج من السوق مجبور الخاطر» هكذا قال مصطفي بائع السجاجيد وأضاف: علشان نبيع لازم نتساهل والفصال هنا قانون يسري علي الجميع، ونحن نعلم ذلك ونراعي ظروف الناس.. يعني اللي جايبة 100 جنيه وعاوزة تفرش شقة تشتري سجادة ومشايات كمان تروح مبسوطة والسجادة مترين ونص في 3 متر ب 40 جنيها وفيه ب 60 جنيها وكل الألوان تفرش «الصالة» وكام مشاية لأوضة النوم والمطبخ وخلاص. كوبان عرقسوس ورغيفان سمين ع الماشي «غدوة محترمة» انهي بها حامد وخطيبته سوسن رحلتهما في السوق جلسا فوق الرصيف بجوار عربة الساندوتشات والسعادة تغمر وجهيهما أخيرا خلصنا من العفش. اشتري العروسان منذ يومين حجرتي نوم وانتريه ومطبخ «خشب» وأكملت العروسة اليوم الجهاز بشراء تليفزيون مستعمل ب 150 جنيها وضعتها بجوارها علي الرصيف ثم قالت والفرحة تملأ قلبها وعينها؛ أخيرا هرتاح من «مرات أبويا» وهتجوز وعندما سألتها عن الشقة قالت: هتجوز مع حماتي في شقتها بالعمرانية، مش مهم أحسن من اللي أنا عايشة معاها، قاطعها حامد قائلا: السوق هنا فيه كل حاجة الحمد لله حتي الخضار والفراخ هنيجي نشتري بالأسبوع علشان الحاجة أرخص، حتي الموبايل اشتريت «عدة مستعملة» هدية لخطيبتي بدل الدبلة الدهب كان نفسي اشتريلها شبكة بجد وهي بنت حلال وتستاهل، لكن منين أجيب 5 آلاف جنيه، اشتريت لها غويشتين صيني ب 40 جنيها، علشان أصحابها في المصنع وينوروا ايديها في الفرح. والدهب الصيني أيضا من سوق التلات الذي يضمن الفرحة لكل الفقراء بأقل القليل.