مصطفى عبيد حكم السلطان المملوكى الأشرف قايتباى سبعة وعشرين عاماً، وترك لنا بصمات معمارية خالدة ما زالت مثار إعجاب الآثاريين حتى يومنا هذا. ورغم ذلك، فقد كان هذا السلطان محل حيرة كثير من المؤرخين والباحثين، نظراً لتناقضات خطيرة طغت على شخصه، وتولدت عنها مظالم غريبة للرعية. والرجل الذى حكم مصر بعد فترة اضطرابات وفوضى كثيرًا ما شاعت خلال العصر المملوكى كان يبدى كثيراً من التدين، حتى إن ابن الصيرفى وصفه بأنه «سلطان عظيم شجاع، فارس معدود من الفرسان، دين عفيف الفرج لا يزنى ولا يسكر وله ورد فى الليل من صلاة وذكر». رغم ذلك، فقد لطخت سمات الجشع والظلم الرجل مثل سائر حكام المماليك الذين يأكلون حقوق الناس ولا يتورعون عن سفك دمائهم إن اقتربوا من مقاعدهم. يكشف كتاب «المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عهد قايتباى» للدكتور أحمد صبحى منصور كيف كان السلطان الورع يلتهم التركات ويأكل أموال اليتامى ظلماً. عندما مات الأمير يشبك جن سنة 875 هجرية أخذ السلطان قايتباى خيوله وجماله ومماليكه وكل متاعه. وعندما مات الأمير بردبك البجمقدار سنة 875 هجرية بالشام بعث السلطان من استولى على أمواله والتى بلغت 40 ألف دينار، بخلاف الذهب والأمتعة. وعندما مات الفقيه والتاجر ابن سويد سنة 873 أخذ السلطان من الأولاد الورثة ستة آلاف دينار. وتوفى فى نفس العام حسن بن بغداد شيخ أعراب الغربية بمحلة مرحوم وكان لديه مال جزيل، «وأخذ السلطان منهم ما أرضاه»، على حسب وصف ابن الصيرفى. كما كان السلطان يصادر أموال الأحياء بالإضافة إلى أموال اليتامى والأرامل.. ففى يوم الأربعاء 17 رجب 876 أمر السلطان بمصادرة ممتلكات ابن زوين الغربية، يقول فى ذلك مؤرخنا: «وأرسل السلطان إلى الغربية بالحوطة على موجود ابن زوين الكاشف بها من صامت وناطقُ أحضروه فأخذ أحسنه ورد عليه أخسه». وفى بعض الأحيان ترتبط المصادرة للمال بالمصادرة للحرية، أى السجن. ففى يوم الثلاثاء 21 جمادى الأول 876 أمر السلطان بالقبض على صيرفى جدة، واسمه ابن عبد الرحمن وأمر بأن يؤخذ منه عشرون ألف دينار، والسبب أن السلطان أراد اقتراض عشرة آلاف دينار من إحدى السيدات، كانت أمًا للمحتسب وشاهين والى جده، وقد طلب السلطان من المحتسب وشاهين والى جده التوسط لدى هذه السيدة ليقترض منها العشرة آلاف، ولكن السيدة اعتذرت وأظهرت العجز والفقر، فغضب السلطان وأمر باعتقال صيرفى جده، وطلبه فى خلوة ليعرف منه أسرار ومدخرات والى جده، ولما لم يحصل منه على طائل صادر منه عشرين ألف دينار. ويكشف أحمد صبحى منصور حجم التناقض بين أفعال التدين الظاهرى التى كان يأتيها قايتباى وبين واقع الأمر فعلياً، موضحاً كيف نفذ رجال السلطان حد السرقة فى طفل سارق فقطعوا يده، بينما كان السلطان نفسه أكبر ناهب لأموال الناس وجهاء وأعيانًا وأثرياء. [email protected] com