أسباب عديدة وراء هذا الرفض الشديد لتشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور الجديد.. من أهم الاسباب تحكم الإخوان المسلمين في طريقة تشكيل اللجنة.. واستحواذهم علي كل شيء.. كأنهم لا يصدقون أنهم باتوا يحكمون مصر.. فهم الآن يملكون الصوت الأعلي في البرلمان وهو السلطة التشريعية والرقابية.. ثم هم يكثفون حملاتهم لإسقاط حكومة الدكتور الجنزوري، رغم أن هذا ليس من حقهم، ليشكلوا حكومتهم هم وبذلك يحصلون علي السلطة التنفيذية.. وهاهم ينتزعون اعداد مشروع الدستور بتشكيل لجنة علي هواهم.. ويبقي منصب رئيس الجمهورية.. ومن المؤكد أنهم لن يتنازلوا عن حقهم في أن يأتي هذا الرئيس من داخلهم.. أو علي الأقل ممن يدور في فلكهم وبذلك يستحوذون علي كل السلطات.. فمن كان يصدق ما يحدث!!. ولكن هناك العديد من الاسباب تدعوني، وتدعوا العقلاء إلي انفراد الإخوان بتشكيل اللجنة وهي اسباب قانونية وفقهية وعلمية.. وتعالوا نقارن بين أعضاء لجنتين فما لمصر اثنين من اعظم دساتيرها الدستور الأول الذي خرج من رحم ثورة 19، أي دستور 23 والدستور الثاني الذي خرج من رحم ثورة يوليو 1952 أي دستور 56 حتي ولو لم تعمل به الحكومة.. فمن هم أعضاء هاتين اللجنتين؟! لجنة دستور 1923 التي يطلق عليها اسم «لجنة الثلاثين» لأنها كانت تضم 30 عضوا غير رئيسها ونائب الرئيس ضمت صفوة المجتمع المصري، حقيقة أن الذي أصدر قرار تشكيل هذه اللجنة هو رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا يوم 3 إبريل 1922.. وحقيقة أن حزب الوفد قاطع عمل هذه اللجنة إلا أنها كانت تمثل الأمة المصرية.. كانت اللجنة برئاسة حسين رشدي باشا وكان أحمد حشمت نائباً للرئيس وكان فيها عقلاء الأمة المصرية. كان فيها من رجال الدين الإسلامي السيد عبدالحميد البكري، والشيخ محمد بخيت «مفتي الديار» والشيخ محمد خيرت راضي والشيخ حسن عبدالرازق، وكان فيها من الإخوة المسيحيين كثيرون ابرزهم الأنبا يؤانس وقليني فهمي وإلياس عوض. ولكن كان فيهم عتاولة القانون وكبار المفكرين.. كان في مقدمتهم عبدالعزيز فهمي، أبرز رجال القضاء.. وإبراهيم الهلباوي «قطب المحاماة».. وعبدالحميد بدوري، الذي أصبح عضوا بمحكمة العدل الدولية.. وتوفيق دوس. وكان فيها خبرات برلمانية سابقة.. وهم الذين اثبتوا وجودهم قبل ذلك، وبعد ذلك، نذكر منهم علي المنزلاوي وعبداللطيف المكباتي ومحمد علي علوبة وزكريا نامق.. وكان منها من الساسة أكثرهم خبرة مثل عبدالفتاح يحيي وإسماعيل اباظة ومحمود أبو حسين وصالح لملوم وعلي ماهر وحافظ حسن.. بل كان منهم من يمثل الطائفة اليهودية في مصر وقتها وهو يوسف أصلان قطاوي. وهذه اللجنة الرائعة هي التي وضعت دستور 23 وسلبت الملك فؤاد معظم سلطاته.. وكان الملك فؤاد في عز جبروته في هذا الوقت ولكنه خضع للنص الذي وضعته هذه اللجنة، وان لم يحتمل الدستور إلا 7 سنوات فألغاه ثم أجبر علي اعادته.. وبالمناسبة هذه اللجنة هي أيضاً التي وضعت أول قانون للانتخابات في مصر البرلمانية. ثم اللجنة التأسيسية الثانية التي وضعت دستور 56 وهو الدستور الذي خرج من رحم ثورة يوليو 1952 وشكلها مجلس قيادة الثورة يوم 13 يناير عام 1953 .. فماذا ضمت بين اعضائها.. لقد ضمت أعظم العقول القانونية والدستورية في مصر من أمثال الدكتور السيد صبري والدكتور حامد سلطان وعبدالحميد الساوي والدكتور عبدالرازق السنهوري والدكتور عثمان خليل عثمان وعمر عمر ومحمد علي علوبة ومصطفي الشوربجي ومصطفي مرعي ومكرم عبيد وأحمد محمد حسن رئيس محكمة النقض. وكان فيها من رجال الفكر والسياسة: إبراهيم شكري وأحمد لطفي السيد وأحمد خشبة وطه حسين وعبدالرحمن الرافعي وعبدالرحمن بدوي وعلي الشمس وعلي ماهر ومحمد السيد يس وفكري أباظة ومحمود عزمي ومحمد محمود جلال. وكان فيها من رجال الدين الإسلامي - ومنهم الإخوان المسلمون - الشيخ حسن مأمون وحسن محمد العشماوي وصالح عشماوي والشيخ عبدالرحمن تاج وعبدالقادر عودة والشيخ محمد الأودن.. وكان منهم من الإخوة المسيحيين الأنبا يؤانس ويواقيم غبريال.. وزكي عريبى، وكان من طائفة أخري. وكان منهم ثلاثة من رجال الجيش والشرطة المتقاعدين.. ورغم أن قرار حل الأحزاب كان قد صدر يوم 17 يناير 1953 إلا أن اللجنة كانت تضم ممثلين لكل الأحزاب: الوفد والاحرار الدستوريين والسعديين والحزب الوطني القديم والجديد والإخوان المسلمين.. وإذا كنت لا أبكي علي اللبن المسكوب إلا أن تشكيل هاتين اللجنتين كان في قمة الحيادية وروعي فيه المصلحة العليا للبلاد.. فأين ذلك من تشكيل اللجنة التأسيسية الحالية وكأن مصر ليس فيها إلا الإخوة المسلمون.. لهذا كله سوف يأتي مشروع الدستور الجديد «أعرج» ولن يمثل الأمة وإذا كنا قد اختلفنا علي تشكيل اللجنة.. فماذا عن وضع صياغة كل مادة علي حدة.. الذين فعلوا ذلك لا يريدون خيراً لمصر!