الخوف كله أن يستمر الوضع الحالي «محلك سر».. أي بدون حركة إيجابية وهكذا تستمر المظاهرات والمليونيات.. حتي نصل إلي الانقسامات.. وقد بدأت بالفعل.. ها هو الخلاف دب بين فصائل الثورة بين الإخوان المسلمين من جانب وبين باقي الفصائل.. طرف يرفع الأحذية في وجوه طرف.. وطرف يكتفي الآن بالهتاف ضدهم.. ولا نستبعد الوصول إلي الاشتباك الفعلي.. بل والاقتتال.. والحل: هو الإسراع في استكمال مسيرة الثورة نحو نقل السلطة الفعلية إلي حكومة مدنية.. وإذا كنا قد نجحنا في تشكيل مجلس الشعب، رغم كل ما عليه من اعتراضات.. وها هي خطوة انتخاب مجلس الشوري ماضية رغم أننا نراه غير إيجابي اللهم إلا إذا قدمنا له صلاحيات دستورية ليست أقل من مجلس الشعب. ولم يعد أمامنا إلا إعداد مشروع الدستور.. ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية.. وعن مشروع الدستور نتحدث اليوم.. وعن ضرورة الإسراع في إعداده لنحمي مصر من خطر الانقسام، حتي لا تأكل الثورة نفسها أو رجالها.. أو حتي لا نفاجأ بمن يقفز إلي السلطة وينحي كل هذه الفصائل والتيارات جانباً.. ** وما أشبه الليلة بالبارحة.. فمصر الآن تمر بنفس الظروف التي مرت بها في أعقاب ثورة يوليو.. وكما كانت مصر تغلي في الأيام الأولي من ثورة يوليو 1952 فإن مصر تغلي الآن وهي في مرحلة المخاض منذ يناير 2011. وحتي تواجه ثورة يوليو ما يعترضها كانت هناك حركة اعتقالات كبري وكان هناك قانون تنظيم الأحزاب السياسية.. وكان هناك الشغب في كفر الدوار فيما عرف باسم حركة خميس والبقري، بعد أقل من شهر من قيام الثورة.. ففي يومي 12 و13 أغسطس تحرك العمال في مصنع نسيج كفر الدوار وقاموا بمظاهرات واضراب عام وإحراق سيارات الشركة بل وإحراق مكاتبها.. وتدخل الجيش ووقعت اشتباكات بين العمال المعتصمين داخل المصنع ورجال الجيش والشرطة وقتل فيها وأصيب كثيرون.. هنا كان لابد من الحزم.. وتم تشكيل محكمة عسكرية عليا لمحاكمة المتهمين وحكمت المحكمة بإعدام محمد مصطفي خميس قائد الشغب ومحمد حسن البقري ونفذ فيهما الإعدام بسجن الحدرة بالإسكندرية، وحكم علي آخرين بالسجن والغرامة. وشهدت مصر- أيامها- أحداثاً عديدة منها مشاكل مع مجلس الوصاية علي العرش والعديد من القضايا مثل قضية حسين سري عامر واستقالة حكومة علي ماهر وتشكيل محمد نجيب للحكومة.. ثم إعلان الجمهورية ومصادرة أموال فاروق وتحرش إسرائيل بالحدود المصرية ومحاكمة الدمنهوري ورشاد مهنا.. وفي النهاية الصراع الرهيب بين الثورة والإخوان المسلمين الذي انتهي بحل الجماعة ونهاية شهر العسل مع الثورة ثم أزمة مارس 1954 وحل مجلس نقابة الصحفيين وتأليف محكمة الشعب بعد محاولة اغتيال عبدالناصر.. ** في هذا الجو شديد الارتباك والأحداث أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا أو مرسوما بتأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد يتفق وأهداف الثورة وذلك من 50 عضوا وهم يمثلون كل تيارات وأحزاب مصر ومثقفيها كان منهم ثلاثة من أعضاء لجنة دستور 23 و4 من الوفديين واثنان من الدستوريين واثنان من السعديين وثلاثة من الإخوان المسلمين و5 من الحزب الوطني القديم والجديد وثلاثة من رؤساء القضاء وثلاثة من رجال الجيش والشرطة المتقاعدين وكان ذلك يوم 13 يناير 1953.. وانتخبت اللجنة لجنة فرعية من 15 عضوا هي لجنة الخطوط الرئيسية لمشروع الدستور وعدة لجان فرعية أخري.. وانتخبت لجنة الخطوط لجنة من 5 أعضاء لبحث نظام الحكم أولا وهل يكون ملكيا أو جمهوريا.. واتفقت هذه اللجنة علي ان يكون نظام الحكم: جمهوريا.. بعد استفتاء الشعب.. (وهذا هو ما يجب ان يحدث الآن: أي مطلوب لجنة تبحث أولا نظام الحكم وهل يكون رئيس الجمهورية رئيسا برلمانيا أم رئاسيا أم نظاما مختلطا بينهما حتي لا نصنع بأيدينا ديكتاتورا جديدا.. يجثم علي صدورنا 30 عاما أخري. ** وبسبب الخلافات داخل مجلس قيادة الثورة فيما عرف باسم أزمة مارس تأخر إعداد مشروع الدستور.. ولكنها قدمت هذا المشروع لمجلس قيادة الثورة في أغسطس 1954 أي بعد مضي عام ونصف العام علي تكليفها بهذه المهمة.. وللأسف لم تأخذ الثورة بهذا المشروع الذي شارك في اعداده عدد كبير من أساتذة القانون الدستوري وكبار المحامين ورجال القضاء كان في مقدمتهم الدكتور عبدالرزاق السنهوري والدكتور عثمان خليل عثمان وعمر عمر وعبدالحميد الساوي وأحمد محمد حسن رئيس محكمة النقض والشيخ حسن مأمون رئيس المحكمة الشرعية العليا.. وكذلك ثلاثة شاركوا في إعداد دستور 23 هم: علي ماهر ومحمد علي علوبة وعلي المنزولاي وكذلك محمود عزمي ومصطفي مرعي ومكرم عبيد. ** وهذا يدفعنا إلي القول بأننا يجب الا نترك لمجلس الشعب وحده سلطة تشكيل لجنة الدستور الجديد.. لأن المجلس- بتشكيله الحالي- لا يضم العدد الكافي من الكفاءات العلمية والقانونية.. من هنا فإن التعيين هو الحل الأمثل من ناحية الكفاءة.. ومن ناحية السرعة.. واقترح أن تضع اللجنة أمامها الدساتير المصرية القديمة.. وبالذات دستور 1923 لما فيه من تقييد لسلطات الملك، أي رئيس الجمهورية. وكذلك مشروع دستور 1954.. وأيضاً دستور 1971 الذى يرى بعض رجال القانون الحاليين أنه من أفضل الدساتير قبل أن تمتد إليه يد السلطان بالتعديل إثر التعديل حتى صار مسخًا ساهم فى غل يد الشعب وأيضًا فى صنع الديكتاتور. ** ومرة أخرى يمكننا وضع المشروع الجديد خلال شهرين.. أى لو سلمت النوايا يمكن الانتهاء من وضع هذا المشروع فى أواخر شهر مارس أو أوائل شهر ابريل ثم يطرح على الشعب للاستفتاء عليه خلال اسبوعين.. ونستعد بعدها لانتخابات رئيس الجمهورية.. الذى نرى أن تجرى فى آخر شهر ابريل القادم. وبذلك نكون قد اختصرنا مدة نقل السلطة بحوالى شهرين. وبهذا نستجيب لمطالب الثوار. ** على أن نبدأ من الآن وفورًا تشكيل لجنة إعداد مشروع الدستور.