بالتزامن مع تصاعد هجمات جيش الثوار في أكبر مدينتين سوريتين وهما دمشق وحلب, حذر تقرير استخباراتي بريطاني من أن الرئيس بشار الأسد قد يلجأ - متى أدرك أنه يدنو من نهايته- إلى استخدام ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يشرف عليها شقيقه اللواء ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري لإنشاء "دولة علوية" في شمال البلاد. وأضاف التقرير الذي أرسل محتواه إلى رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون ونشرت صحيفة "السياسة" الكويتية مقتطفات منه في 19 مارس أن ماهر الأسد الذي يشرف أيضا على الفرقة الرابعة في الجيش السوري ويرتكب معظم المجازر ضد المدنيين بدأ سياسة تفريغ المنطقة المخصصة لإنشاء "الدولة العلوية" في شمال البلاد من سكانها السنة ونقلهم إلى مناطق أخرى في الجنوب والشرق والغرب أو الدفع بهم إلى ما وراء الحدود مع تركيا ولبنان والأردن والعراق, مرجحا أن عدد من جرى تصفيتهم من السكان السنة خلال أحداث الثورة السورية يتجاوز المائة ألف قتيل ومفقود. وأشار التقرير الاستخباراتي البريطاني أيضا إلى أن مصادر عسكرية وأمنية تابعة لنظام الأسد, لكنها تتستر على معارضتها جرائمه علنا خشية تصفيتها, كانت وراء إبداء مسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في مطلع مارس قلقهم من احتمال نقل نظام الأسد جزء من مخازن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي تشكل ترسانته غير التقليدية إلى خارج سوريا إلى حين تشكيل دولته العلوية. واستطرد" بعض تلك الأسلحة نقلت إلى سوريا من العراق بعد الغزو الأمريكي في 2003, إذ لم يجد الخبراء الأمريكيون أي أثر للترسانة الكيميائية والبيولوجية التي كان صدام حسين يتفاخر بها واستخدمها لضرب مدينة حلبجة الكردية في شمال العراق في 16 مارس في عام 1988". كما لم يستبعد التقرير الاستخباراتي البريطاني أن تستخدم قوات ماهر الأسد الأسلحة البيولوجية والكيميائية على نطاق محدود في وقت قريب ضد وحدات ومجموعات من "الجيش السوري الحر", بعد عزلها ومحاصرتها قرب الحدود التركية واللبنانية والأردنية. وتابع" في حال شعر نظام الأسد أنه اقترب من النهاية, فإنه لن يتوانى عن رسم حدود الدولة العلوية بالدم والبارود والنار, ومحاولة ملئها بعشرات الآلاف من طائفته الذين يجري تهجيرهم ونقلهم من المناطق السنية, أوساط فاعلة داخل القيادة العسكرية السورية من غير العلويين تؤكد أن خبراء سوريين وإيرانيين ومن كوريا الشمالية لهم أصلا علاقة بالإشراف على الترسانة الكيميائية السورية المنتشرة في مناطق شمال البلاد حول دمشق وقرب مثلث الحدود السوري التركي, منكبون منذ أسابيع على تجهيز حشوات مدفعية ورؤوس صاروخية من غاز الخردل والفي اكس والسارين تمهيدا لاستخدامها لحسم معركة إقامة الدولة العلوية". ويبدو أن المعارضة السورية تدرك جيدا حجم الكارثة التي قد يرتكبها نظام الأسد, حيث كشف رئيس "حزب الإصلاح" السوري المعارض فريد الغادري لصحيفة "السياسة" أن المعارضة السورية تجري اتصالات منذ فترة بشركة أمريكية في فلوريدا تدعى "رابيد باثوجين سكريننغ" تقوم بتصنيع أدوية مضادة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية أطلقت عليها اسم "بلازما توكس" لشراء كميات منها وتوزيعها على مقاتلي "الجيش السوري الحر" في مختلف أنحاء البلاد وعلى المدن والقرى الرئيسية المعرضة لاحتمالات قصفها بأسلحة الدمار الشامل في شمال سوريا. وقال الغادري إن الكشف عن هذه الشركة المصنعة للمضادات الحيوية ضد الأسلحة الكيماوية هو تحذير خطير لنظام الأسد بالامتناع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين, وإبلاغه أن العالم يراقبه عن كثب ولن يسمح له بتكرار ما فعله صدام ضد شعبه. ورغم تصريحات الغادري السابقة, إلا أن مجازر الأسد المتواصلة ضد المدنيين ترجح أنه لن يتواني عن فعل أي شيء للبقاء في السلطة حتى وإن لجأ لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه, ولعل التفجيرات الغامضة التي هزت دمشق وحلب في الساعات الأخيرة تدعم أيضا صحة ما سبق. وكان انفجاران هزا مدينة حلب في 18 مارس, استهدف أحدهما مبنى فرع الأمن السياسي بسيارة مفخخة، بينما استهدف الآخر منطقة الصاخور. وشهدت العاصمة السورية دمشق في 17 مارس أيضا 3 تفجيرات بسيارات مفخخة استهدفت مقر إدارة المخابرات الجوية في ساحة التحرير، ومبنى إدارة الأمن الجنائي في ساحة الجمارك، بينما استهدفت حافلة عسكرية بسيارة مفخخة في شارع الثلاثين في مخيم اليرموك قرب دمشق. واتهمت المعارضة نظام الأسد بتدبير التفجيرات السابقة التي سقط فيها نحو 30 قتيلا وعشرات الجرحى, وقال المجلس الوطني السوري المعارض في بيان له إن النظام يريد ترويع سكان هاتين المدينتين بعد أن تصاعدت فيهما الاحتجاجات ضده, هذا فيما نفى الجيش السوري الحر علاقته بتلك التفجيرات, قائلا إنها ليست أسلوبه في التصدي لما سماها "سلطة الاحتلال المجرمة". ويبدو أن التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في 15 مارس في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد حول التعذيب الممنهج في سوريا يكشف أيضا حجم الخطر المحدق بالشعب السوري في حال لم تحدث انشقاقات واسعة تتسبب في انهيار النظام السوري بشكل سريع من الداخل. وكانت منظمة العفو الدولية, ومقرها لندن, أكدت في تقريرها أن حجم التعذيب في سوريا وصل مستويات غير مسبوقة، ونددت بما سمته "عالم كابوسي من التعذيب الممنهج" وأوصت بإحالة رموزه للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وأضافت أن تعرض المحتجزين السوريين للتعذيب وغيره من أساليب الإساءة شهد ارتفاعا إلى مستوى غير مسبوق ويذكر بالحقبة الظلامية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وأشارت المنظمة إلى أن العديد من الضحايا الذين تحدثوا لها أكدوا أنهم تعرضوا لصدمات وضرب مبرح يبدأ لحظة إلقاء القبض على الشخص، ويتكرر الأمر بوحشية باستخدام العصي وأعقاب البنادق والسياط وبقبضات اليدين والأسلاك. وأضافت"هذه الأساليب تتواصل عند وصول المحتجزبن مراكز الاعتقال، لتصبح ممارسة ترحيبية يتعارف عليها بعبارة (حفلة استقبال) وغالباً ما يجري تجريد القادمين الجدد من ملابسهم ليتركوا حوالي 24 ساعة في العراء وهم لا يرتدون شيئاً سوى ملابسهم الداخلية". واستطردت المنظمة" تحدث العديد من الناجين عن التجارب التي مروا بها خلال تعذيبهم بأسلوب ما يعرف ب(بالدولاب) حيث يجبر الضحية على اتخاذ وضعية إطار السيارة وتعليقه أو رفعه إلى الأعلى في أغلب الأحيان، مع استمرار تعرضه للضرب باستخدام الأسلاك الثخينة أو العصي". وأشارت أيضا إلى استخدام قوات النظام السوري أحد أساليب التعذيب المعروفة باسم "الشبح" حيث يتم تعليق الضحية بخطاف أو بمقبض باب أو إطاره أو من خلال رفعه بشد قيود يديه بحيث تبقى القدمان بالكاد تلامسان سطح الأرض، أو بوضعية تسمح بملامسة أصابع القدمين فقط للأرض، ومن ثم تتعرض الضحية للضرب المبرح على الأغلب. وركزت "العفو الدولية" في تقريرها على حالة الشاب كريم "18 عاما" الطالب القادم من منطقة الطيبة بمحافظة درعا، حيث قام مستجوبوه باستخدام الكماشة لسلخ لحم جسده عن ساقيه أثناء احتجازه في فرع المخابرات الجوية بدرعا في ديسمبر الماضي. واعتبرت المنظمة أن الإفادات والشهادات التي أدلى بها الناجون السوريون من ضحايا التعذيب تقدم دليلاً إضافياً على ما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية, مؤكدة أن المحكمة الجنائية الدولية تمثل أفضل الخيارات المتاحة لمحاسبة المسئولين عن ارتكاب "الجرائم الخطيرة" بحق الشعب السوري. ووثق تقرير"العفو الدولية" 31 أسلوباً من أساليب التعذيب وغيره من الوسائل التي تمارسها قوات الأمن والجيش والعصابات المسلحة المؤيدة للحكومة السورية والمعروفة باسم الشبيحة، بناء على روايات شهود العيان أو الضحايا الذين التقى بهم أفراد من بعثة المنظمة في الأردن في فبراير الماضي. وبصفة عامة, ورغم أن الأزمة السورية باتت مفتوحة على سيناريوهات كارثية, فإن الأمل يبقى معقودا على انهيار نظام الأسد من الداخل لتجنيب البلاد الحرب الأهلية أو التقسيم.