مازالت دولة الظلم قائمة.. رغم الثورة ورغم كل ما حدث ويحدث.. لم يذهب الظلم بذهاب مبارك، الظلم هو الوجه الآخر للعدل، والعدل في مصر لم يتحقق حتي اليوم! والمصري مظلوم من زمان، ومع أن مصر ليست دولة فقيرة فيها نيل وزرع وبترول وذهب وخيرات البحر لا تنفد علي طوال سواحلها، لكن مشكلة مصر الأولي والقديمة وهي فقر المواطن المصري لم تحل بعد.. ما زال ملايين المصريين يعيشون تحت وداخل خط الفقر! المواطن المصري كان ولا يزال مظلوما رغما عنه لأنه فقير رغما عنه.. عاشت مصر معظم تاريخها «أمة من الفقراء» يعيشون حياة الكفاف، ويعانون طوال حياتهم من مشاكل الفقر الرذيلة! الأحياء الشعبية في القاهرة وكل مدن المحافظات صورة كئيبة لحياة البشر، بيوت قديمة متهالكة حواري وأزقة، عاشوا سنوات طويلة بدون مجاري، وما زالت أغلب العشوائيات تطفح مجاريها داخل بيوت وحجرات نوم ساكنيها البؤساء! والطفل المصري لا يولد علي حساب الدولة ولا يأكل علي حساب الدولة ولا يتعلم علي حساب الدولة ولا يسكن أو يتزوج علي حساب الدولة، الدولة - أي دولة - في عالمنا المتخلف تنظر للمواطنين علي أنهم عبء ثقيل وطفيليون لا لازمة لوجودهم أصلا! الفلاح المصري مظلوم من أيام الفراعنة وتشهد علي ذلك حكاية الفلاح الفصيح، وابن البلد المصري يولد علي كوم زبالة ويعيش علي كوم زبالة ويموت ويدفن داخل نفس كوم الزبالة! والمصري لم يعش ولم يعرف في حياته شيئا اسمه النعيم أو الحياة الحلوة المرفهة.. ملايين من المصريين ولدوا وعاشوا وماتوا ولم يأكل واحد منهم طوال حياته.. تفاحة! لا يوجد مواطن مصري عادي عنده شقة في الزمالك أو جاردن سيتي، لا يوجد موظف مصري غلبان عنده شاليه في الساحل الشمالي، ملايين من المصريين لا يعرفون البورصة ولم يدخلوها ولا تهمهم في شيء. وملايين من المصريين لا يستطيعون الاستغناء في حياتهم عن «بطاقة التموين» يشترون بها كل شهر زجاجة زيت بجنيه والزجاجتين الثانية والثالثة بثلاثة جنيهات للواحدة! وحتي اليوم هناك مصريون تحت خط الفقر يبحثون عن أي طعام في صفائح وأكوام القمامة، ومئات الآلاف يعيشون علي تبرعات أو «حسنة» قد يجود بها فاعل خير! وهذا الفقر هو قمة الظلم ولن يتحقق أي عدل إذا بقي الفقر وبقي فقراء ولن يؤمن المواطن المصري بأي حزب ولا أي تيار ولا أي رئيس.. ما لم يكن يملك حلا لمشكلة الفقر في مصر وأن تكون لديه أو لديهم رغبة حقيقية وأفكار علمية وجهد مخلص للقضاء علي ظلم الفقر! وربنا يلطف من ثورة الفقراء.. التي يمكن أن تحدث في أي وقت!