اعتمد المصريون القدماء على نهر النيل فى كافة مجالات التنمية الزراعية والصناعية والهندسة العمرانية، التى تعلق معدل المحصول الناتج على نسبة فيضانه، ما جعل الفراعنة تقدسه وتنعته باسم الإله «حابى»، الذى كان يمدهم بالعطاء فى منظورهم وكان المصريون يعطونه فتاة من أجمل الفتيات المصريات يزينونها ويجملونها ويقذفونها فى النيل حتى يفيض ويسقى الدلتا. وبمرور الزمان، تقلصت أهمية النهر بالنسبة لكثير من أصحاب المصالح الشخصية ما أدى إلى تعرضه للعديد من الانتهاك والتعدى عليه من خلال عمليات البناء، حتى أقدمت الدولة على تنفيذ حملة موسعة للقضاء على التعديات، أسفرت عن إزالة أكثر من 13487 حالة تعد منذ بدء الحملة فى مارس 2017، ورغم الجهود التى تبذلها الدولة لاستعادة سيادتها والحفاظ على شريان الحياة، فإن مسلسل استمرار التعدى على ضفافه يحكم مخالبه فى العديد من المناطق. ورغم الجهود التى تبذلها الدولة لإزالة التعديات على مجرى النهر، فإن عدم المتابعة من جانب أجهزة الدولة المعنية بهذا الملف، أدى إلى استمرار التعديات ولجأ البعض لإعادة إنشاء ما تمت إزالته من تعديات ما يدق ناقوس الخطر تجاه حقوق المصريين فى الحفاظ على مجرى النهر. وتوجد بؤر ساخنة ترتفع فيها معدلات التعديات، وهى مناطق الواسطى بمحافظة بنى سويف، والمعصرة والمعادى وحلوان بمحافظة القاهرة. ففى المعصرة، قام أحد أصحاب قاعات الأفراح بردم جزء كبير بجوار القاعة لتوسيع مساحتها دون عمل اعتباراً لسيادة الدولة والحفاظ عليها، ولا يضع أصحاب المصالح سوى مصالحهم الشخصية فى الاعتبار لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية على حساب الدولة. وبجوار أحد الأبنية المقامة على نهر النيل بمنطقة دار السلام تحدثنا مع أحمد فايز، أحد الأهالى، الذى أكد أن الحكومة تقوم بإزالة التعديات على النهر، وتتركها دون متابعة، وهو ما يعطى أصحاب المصالح فرصة لإعادة البناء والتعدى مرة أخرى، لافتًا إلى أن معظم المبانى التى أنشئت فى طرح النهر دون ترخيص، ما تسبب فى زيادة حالات التعدى بالمنطقة من خلال إنشاء كافيتريات وكافيها خاصة. وأكد فايز أن كثيرًا من مسئولى المنطقة يحصلون على مبالغ مالية من أصحاب المصالح مقابل عدم اتخاذ إجراءات ضد مشاريعهم المقامة على النهر، فضلًا عن غياب الدور الرقابى لمعظم أجهزة الدولة فى اتخاذ قرارات صارمة للقضاء على ظاهرة التعدى على النهر، قائلاً: «الجميع لا يعنيه سوى مصلحته الشخصية وتوسيع مشاريعه رغم أن مصر مقبلة على أزمة مائية كبيرة بسبب إنشاء سد النهضة فى إثيوبيا». واقترح إسلام عوض أحد أهالى دار السلام، ضرورة حبس كل من يعتدى على مجرى النيل سوء بالبناء أو القاء الصرف الصحى داخله وتغريمهم مبالغ مالية كبيرة حتى يكونوا عبرة لكل المعتدين، مؤكدًا أن إهمال مجرى النهر وعدم متابعته من الدولة يعطى فرصة للكثيرين لفعل ما يشاءون دون وعى بأهمية النهر فى مصر. وأضاف: لا توجد عقوبة رادعة حتى يتم القضاء على ظاهرة انتشار البناء العشوائى الذى لا يراعى حياة المواطنين ولا يضع حقوق الدولة فى الاعتبار. العشوائية والأطماع وراء التعديات الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والرى بجامعة القاهرة، يؤكد أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت أكبر كم فى التعديات على نهر النيل بسبب الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة 25 يناير عام 2011 ما أدى إلى تفشى العشوائية والأطماع الفطرية من خلال الاستيلاء والتعدى على النهر لإنشاء مشاريع خاصة بأقل تكلفة. وأشار إلى أن القضاء على كل التعديات على نهر النهر يحتاج إلى حصر ومتابعة مجرى النهر حتى تتمكن الدولة من استعادة الحقوق وفرض السيطرة القانونية على زمام الأمور، وهذا لن يتم إلا بالتنسيق مع قوات الشرطة لمنع المشكلات التى تتعرض لها الوزارة أثناء الإزالة. وأضاف أستاذ الموارد أن وزارة الرى أنجزت كمية لا بأس بها من حملات الإزالة فى الفترة الماضية تتخطى 10 آلاف حالة تعد على ضفاف النهر، لافتًا إلى أن حالات التعدى على النهر تتنوع ما بين بناء منازل وإنشاء كافتيريات وإلقاء القمامة والصرف الصحى والردم. وتابع: ظهرت حالة من التسارع للتعدى على نهر النيل فى الفترة الماضية ما أفقد النهر جماله ونقاءه بسبب الإهمال وعدم الفهم الصحيح لأهميته فى البلاد، مشددًا على أهمية مشاركة كافة أجهزة الدولة فى إزالة التعديات لإعادة النهر إلى سابق عهده والحفاظ عليه، لأنه الثروة الحقيقية التى تمتلكها البلاد. وقال الدكتور أحمد فوزى، كبير خبراء المياه بالأمم المتحدة، أستاذ المياه بمركز بحوث الصحراء، خبير استراتيجيات المياه، يقول: إن عدم وجود الضبطية القضائية لدى مهندسى وزارة الرى سبب انتشار التعديات على نهر النيل بسبب عدم اتخاذ إجراءات قانونية رادعة للحد ووقف التعديات على مجرى النيل. وأكد «فوزى» أن هيئة المسطحات المائية بالتعاون مع قطاع الرى والموارد المائية بذلت جهوداً كبيرة لإزالة كافة التعديات ورغم ذلك هناك آلاف المبانى والمنشآت التى تقام سنويًا فى طرح النهر، مشيرًا إلى أن حالة الانفلات الأخلاقى وعدم وجود رادع هى الدافع الرئيسى لمنع التعديات، مشددًا على ضرورة إعطاء مهندسى الرى الضبطية القضائية لإزالة وتنفيذ التعديات بأشد طرق لمنع انتشارها بطول النهر. وأوضح الدكتور ضياء الدين القوصى، مستشار وزير الرى الأسبق، أن عدم المراقبة الجيدة وعدم وجود عقاب رادع هو السبب الرئيسى فى التعدى على مجرى نهر النيل، لافتًا إلى أن هناك عدم تنسيق بين وزارة الموارد المائية وقوات الشرطة لإزالة التعديات تجنباً لحدوث مشاكل مع الأهالى، ما يؤدى لتفشى الاعتداء وردم مجرى النهر لإقامة مشروعات على حساب مصالح الدولة. وأكد «القوصى» أن بعض الأجهزة المعنية بحماية مجرى النهر لا تملك آليات للتعامل مع التعديات إلا بالتنسيق مع قوات الشرطة، نظرًا للشغب الذى يحدث أثناء الإزالات التى تقوم بها الحكومة على ضفاف النهر، لافتًا إلى أهمية اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة للقضاء على أصحاب المصالح. الحملة الموسعة تنجح فى تحرير مساحات شاسعة من النهر أصدرت وزارة الموارد المائية والرى تقريراً بعدد حالات الإزالة والتعديات على أراضى الدولة من وزارة الموارد المائية والرى ممثلة فى قطاع حماية النيل منذ بدء الحملة الموسعة فى أول مارس 2017 وحتى الآن بإزالة 13487 حالة تعد على نهر النيل متنوعة بين مبان سكنية وأعمال ردم وغيرها شملت محافظة القاهرة (380) إزالة، محافظة الجيزة 751 إزالة، القليوبية 666 حالة، الغربية 2400، المنوفية 513، البحيرة 1072، كفر الشيخ 602، الدقهلية 1689، دمياط 2167 بنى سويف 373 المنيا 1180 أسيوط 314 سوهاج 449 قنا 270 الأقصر 309 أسوان 352. ووصل إجمالى ما تم إزالته منذ انطلاق الحملة القومية لإنقاذ نهر النيل فى الخامس من يناير 2015 عدد 27380 حالة تعدى تم تنفيذها. وأشار التقرير إلى أن الوزارة ممثلة فى قطاع الرى وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية ومديريات الأمن بالمحافظات تقوم حاليًا بتنفيذ حزمة من حملات الإزالات الموسعة بمختلف المحافظات، التى بدأت فعالياتها منذ أول مارس 2017، وأسفرت حتى الآن عن تنفيذ عدد 20713 إزالة بالوجهين القبلى والبحرى شملت إزالة عدد 19 مخالفة بمحافظة أسوان، وعدد 809 إزالة بمحافظة قنا، و151 إزالة بمحافظة سوهاج وكذلك 409 إزالات بمحافظة أسيوط وعدد 658 إزالة فى محافظة بنى سويف، و1387 إزالة بمحافظة المنيا و1005 إزالة بمحافظة الفيوم و728 إزالات بمحافظة الجيزة و713 إزالة بمحافظة الإسماعيلية، إضافة إلى 507 إزالات بمحافظة دمياط و1028 إزالة بمحافظة الشرقية، وأيضًا 2994 إزالة بمحافظة الدقهلية. بالإضافة إلى 2775 حالة إزالة بمحافظة القليوبية و1283 إزالة بمحافظة المنوفية، وكذلك 4337 إزالة بمحافظة الغربية علاوة على 472 إزالة بمحافظة كفر الشيخ، وأيضًا 610 إزالات بمحافظة الإسكندرية، و828 إزالة بمحافظة البحيرة. وبلغ إجمالى الإزالات التى تم تنفيذها على منافع الرى وشبكة الترع منذ بدء الحملة القومية لإنقاذ نهر النيل فى يناير 2015 حتى الوقت الحالى 66392 إزالة طبقًا لقانون 12 لسنة 1948، حيث تنوعت الإزالات ما بين مبان خرسانية ومبان بالطوب الأحمر وأسوار وتشوينات وردم بالمجرى وخلافه. أما الوجه القبلى والبحرى بلغت 28019 إزالة موزعة على أقاليم الصرف الستة بمختلف أنحاء الجمهورية، حيث تم تنفيذ 7622 إزالة بإقليم صرف شرق الدلتا، كما تم تنفيذ عدد 375 إزالة بإقليم صرف القناة وسيناء، وكذلك عدد 4787 إزالة فى نطاق إقليم وسط الدلتا، بالإضافة إلى عدد 2973 إزالة بإقليم غرب الدلتا، فضلاً عن تنفيذ 4905 إزالات بإقليم مصر الوسطى، إلى جانب تنفيذ عدد 7357 إزالة بإقليم مصر العليا، لافتاً إلى أن الإزالات تنوعت ما بين مبان خرسانية أو مبان بالطوب الأحمر أو أسوار أو تشوينات أو زراعة جسور المصارف أو ردم بالجسور أو قطع جسور المصارف، وتوصيل مواسير لصرف المخلفات.