كتبت - بوسى عبدالجواد: لم تستسلم لمجتمع تقوده التوجهات الذكورية، ولم يفلح الواقع القاسى الذى وقف ضدها كثيراً فى إحباط عزيمتها، فثارت فى وجه تلك العقول القاحلة بمفردها متسلحة بإرادتها وشجاعتها المعروفة عنها، تنادى بحقوقها وحريتها، وانطلقت تعمل وتنتج وتبدع، وتمتهن مهن ظن البعض أنها للرجال فقط ضاربة بالعادات والأعراف عرض الحائط.. هى المرأة التونسية التى تحظى الآن بحقوق لم تصل إليها المرأة فى أى دولة عربية أخرى. نبشت المخرجة التونسية الكبيرة سلمى بكار، فى هزائم الماضى، من خلال البحث فى تاريخ المرأة التونسية والاضطهاد الذى عاشته قبيل نيل حقوقها، وقامت بسردها فى سياق درامى متسلسل ومشوق تحت عنوان «الجايدة» الذى يعيدها إلى عالم الفن السابع بعد غياب دام لثلاث سنوات بسبب انشغالها بالسياسة طوال الفترة السابقة، حيثُ يتطرق الفيلم إلى جزء من التاريخ التونسى، عبر حكاية «دوار جواد» التى خصصت سابقاً لمعاقبة النساء المتزوجات غير الملتزمات بالعادات والأعراف الاجتماعية، من خلال تسليط الضوء على حكايات أربع نساء من فئات عمرية مختلفة وطبقات اجتماعية متباينة، تجمعهن ظروفهن الصعبة العيش تحت سقف واحد فى «دار جواد» ليعشن مواقف صعبة تغلب عليها المعاناة والآلام بسبب التسلط الرجالى. سلمى بكار: الجايدة يُذكر التونسيات بمكتسباتهن تطرق الفيلم بجانب قضيته الأساسية، إلى فكرة شرّع المساواة بين الرجل والأنثى فى الإرث، التى أثارت حالة من الجدل بعد عرضه فى الدورة ال39 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى ضمن مسابقة «آفاق عربية»، وهى الفكرة التى قوبلت بغضب شديد وحالة رفض تام، ما خلق نوعاً من النقاش الحاد بين الجمهور ومخرجة العمل سلمى بكار، حيثُ استند الجمهور لأحكام الشريعة، وأخذت الأخيرة تدافع عن أفكارها وحرية الرأى فى مناقشة القضايا التى تريدها. حاولت «الوفد» النبش فى النصوص والتعمق فيها بشكل جيد وقريب، وقراءة ما وراء كل نص من أفكار وفلسفات وتطلعات خلال محاورة سلمى بكار التى قالت، المغزى من الفيلم هو تذكير التونسيات بمكتسباتهن وأهمية المحافظة عليها، وإذا لم تحافظ المرأة على حقوقها وحرياتها فإن العودة إلى النقطة الصفر ليست ببعيدة. سألتها تحظى المرأة التونسية بكامل حقوقها مقارنة بنظيراتها فى الدول الأخرى، أليس من الأولى أن نرى فيلما يتوج نضال المرأة التونسية؟ أجابت: الماضى لا يمكن إنكاره أو تجاهله، المرأة التونسية حصلت على مكاسب كبيرة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية، فالفيلم صُنع خصيصًا لتذكيرهن بنضالهن ويقظتهن، ورسالة تحذير فى نفس الوقت لهن بألا يتجاوزن فى حقوقهن والمحافظة على مكاسبهن لاستكمال المشوار التى بدأته، فالفيلم يحمل رسائل ومعاني أكبر من قصة الفيلم فى حد ذاته، التى من ضمنها أيضا الوقوف فى وجه الأفكار الرجعية، ومواصلة النضال فى إثبات حقوقهن والحصول على حريتهن فى الفكر والرأى والتعبير. ألم تخش من حالة الجدل التى أثارها الفيلم فى الندوة بسبب فكرة المساواة فى الإرث أن تؤثر على نجاح الفيلم؟ قالت: نحن فى تونس اعتادنا على مناقشة جميع القضايا بكل حرية، فالفن لا بد أن يتطرق لجميع القضايا، وأنا فنانة أحترم رأى الجميع حتى إذا كان مخالفًا لأفكارى، ولدى مطلق الحرية فى طرح أفكارى وعلى الآخرين أن يحترم ذلك. سألتها، تسلطين الضوء فى الغالب على قضايا المرأة ما السبب فى ذلك؟ أجابت: أنا فى الآخر امرأة قبل أن أكون مخرجًا سينمائيًا، وأشعر بحجم المعاناة التى تعيشها المرأة التونسية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، وأنا بصفتى مخرجة وكاتبة أدافع عن حقوق المرأة بقلمى، وأناقش قضاياها، لذلك أغلب أعمالى إبطالها نساء. وعن الفلسفة الحياتية التى تتبناها سلمى بكار، قالت: هزائم الماضى سلاح الغد، بمعنى أن الإنسان لا بد أن يحافظ على ما وصل إليه من نجاح من خلال استذكار هزائمه، كى يُذكر نفسه بنجاحاته، ويستشعر بالمعاناة التى عاشها ليحافظ على مكاسبه من خلال التشبث بها والدفاع عنها. وعن عودتها لعالم الفن السابع مجدداً بعد غياب دام لثلاث سنوات بسبب انشغالك بالسياسة قالت: أشعر بحريتى داخل معاقل السينما، أستطيع أن أعبر عن رأى وأطرح أفكارى بحرية تامة، بعيداً عن الكذب والنفاق الموجود فى الساحة السياسية. أنتجت تونس على مدار الثلاث سنوات الماضية 60 فيلماً.. هل ترين أن هذا كافِ لنهضة صناعة السينما التونسية؟ قالت: تعانى صناعة السينما فى تونس من قلة الاهتمام بها، فهناك ثمة عوامل تهدد بإفلاس صناعة السينما فى تونس، من بينها عزوف رجال الأعمال عن الاستثمار فى القطاع، وانصراف شركات الإنتاج العالمية عن التصوير فى البلاد، فالسينما التونسية كانت تتلفظ أنفاسها الأخيرة خلال السنوات الماضية، فإنتاج 60 فيلماً فى غضون ثلاث سنوات هذا بالنسبة لنا إنجاز. يدور الفيلم فى حقبة الخمسينيات من القرن الماضى.. ما الأسس التى تم أخذها فى الاعتبار لمعايشة المشاهد أجواء الحقبة الزمنية؟ قالت: اعتمدنا على ديكورات المنازل فى فترة خمسينيات القرن الماضى، والملابس الفخمة التى تم انتقاؤها بعناية فائقة، والسيارات الكلاسيكية التى كانت تزين أزقة المدينة العتيقة. وأشارت النائبة السابقة فى المجلس التأسيسى بتونس إن فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات أصاب الإخوان بالهلع والرعد فى تونس. سهير بن عمارة: الفن لا يعيش بدون حرية أعربت بطلة العمل الفنانة التونسية سهير بن عمارة، عن سعادتها بمشاركة فيلهما «الجايدة» ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى، لافتة إلى أنها فرصة جيدة لمشاركة الجمهور المصرى قضاياهم. حول دورها التى تجسده فى الجايدة تقول: أجسد دور المرأة الجميلة المتحرّرة التى تخون زوجها الذى يكبرها فى السن والعاجز عن معاشرتها لترضى رغباتها الخاصة، لكنها تفشل أمام القاضى الشرعى فى الدفاع عن نفسها وإخباره بأن زوجها لا يلبى رغباتها الجنسية الجامحة، وأنها تفتقر إلى الحب والحنان معه، فتستسلم للحكم وتقتاد إلى «دار جواد»، حيث تفقد الرغبة فى الحياة، ثم تضع حدًا لحياتها فى نهاية الفيلم بعد أن اختارت التحرّر. وعن الجدل الذى أثاره الفيلم بطرح فكرة المساواة فى الإرث بين الجنسين، قالت: الفيلم لم يطرح الفكرة بشكل مباشر، هو يتحدث عن المساواة بشكل عام، هو يورى قصص 4 نساء تعرضن للاضطهاد فى خمسينيات القرن الماضى، وبالتحديد فى الفترة قبل الاستقلال بنحو ثمانية أشهر، تجمعهن الظروف للعيش فى «دار جواد» وهى تعنى «بيت الطاعة» عند المصريين، الرجل يرسل زوجته إلى هذا الدار لمعاقبتها على تجاوزها معه. وعبرت عن إعجابها ودعمها لمثل هذه القوانين الجديدة، التى تنصف المرأة وتقلص من مظاهر العنف ضدها، مشيرة إلى أن المرأة فى العقد الماضى كانت تعانى من الاضطهاد، متمنية أن تحصل المرأة العربية على كافة حقوقها فى مختلف البلدان العربية الأخرى. هل هناك محاذير من جانب الرقابة فى تونس فى نوعية القضايا التى يتم طرحها: إطلاقاً، المخرجون والسينمائيون التونسيون معروفون بالجرأة فى تناول موضوعاتهم، نحن نقدم الفن بدون قيود أو أدوات قمع، لأنه مكفول أن يحكى كل شىء، فهو وسيلة لرقى الشعوب، ولتفتح العقليات، ولقبول الآخر. وعن سبب حماسها لتجسيد شخصية ليلى قالت: أكثر ما حمسنى فى شخصية ليلى أنها صعبة ومركبة ما تظهره عكس ما تبطنه، وأنا بطبعى أميل لهذه النوعية من الأدوار لأنها تظهر موهبة الفنان الحقيقية، وتمنحه ثقلًا فنيًا فى الأداء، الشخصية بعيدة تماما عن شخصيتى. سألتها ما الذى يوجد فى السينما المصرية تفتقره السينما التونسية أجابت: تونس لم يكن لديها صناعة عكس مصر، ويرجع هذا لأسباب عدة أهمها عزوف رجال الأعمال عن الاستثمار فى هذا القطاع، لكن السينما التونسية تتمتع بالحرية التامة فى طرح القضايا التى تريدها دون فرض قيود، مقارنة بصناعة السينما فى مصر، كما أن هناك فنانين مصريين يرفضون أدوار معينة خشياً من ردود أفعال الجمهور. وانتقدت بن عمارة الجمهور الذى ينظر إلى الفن من زاوية أخلاقية، فهى ترى أن الفن لا يعيش بدون حرية، ولا يمكن أن تقيده بضوابط أخلاقية، ومن مهامه أن يتطرق لكل الموضوعات الشائكة سواء السياسية أو الدينية أو الاجتماعية. مؤكدة أن السينما التونسية أجرأ من المصرية فى هذه المساحة. وتطمح بن عمارة العمل فى مصر، ولكن بشرط أن يكون الدور مناسبًا لها ولا يقلل من نجوميتها التى حققتها فى تونس، وهى تقصد بكلمة مناسب أن يكون مؤثرًا وليس حجم مساحة الدور فى الفيلم. ماذا يمثل لك «الجايدة» فى مسيرتك الفنية؟ هذا الفيلم هو تجربة جديدة بالنسبة لىّ، كما أنه يتحدث عن المرأة ونضالها بجانب أنه يحيى حقبة تاريخية عاشتها تونس وفيه جانب تاريخى، فضلاً عن الجوانب الجمالية فى الفيلم، كما أن العمل مع المخرجة الكبيرة سلمى بكار شرف لأى فنان. خالد هويسة: التمثيل فى مصر حلم يراودنى منذ الطفولة فى كل عمل سينمائى يسطر الممثل التونسى خالد هويسة سطراً جديداً لمسيرته الإبداعية، ورغم أن العمل يندرج لقائمة الأفلام النسائية البحتة، إلا أنه كان له بصمة واضحة فى العمل. عن مشاركته فى الفيلم قال: الجايدة هو فيلم نسائى بامتياز عن المرأة المقموعة فى مجتمع ذكورى، أجسد شخصية الطيب لديها شيزوفرينيا، لأنه متفتح على العالم ويتحدث اللغات لكنه يبرر تصرفاته ويمارس القهر أيضاً. سألته ما سر حماسك بالمشاركة فى عمل ينحاز للمرأة بشكل كبير ويشوه صورة الرجال؟ قال: فى البداية الفيلم هو نسائى بامتياز فمن الطبيعى أن نجد مخرجة العمل تسلط الضوء عليها بشكل كبير، وما حمسنى للدور أن يناقش قضية بعينها فما عرضته سلمى هو محاكاة لواقع عانت منه المرأة التونسية قبيل فترة الاستقلال، الفيلم هو إسقاط للواقع. فكرة المساواة بين الجنسين فى تونس هل أغضبتك كرجل تونسى: إطلاقاً، لأن حرية المرأة هى حرية للرجل، فالاثنان يكملان بعضهما، فلماذا أغضب إذا نالت المرأة التونسية على كامل حقوقها. وعن رده فعله بعد ترشيحه للدور قال: لا أخفى سراً إذا قلت أننى تعجبت لماذا عرض على هذا الدور، ولكنى يمكننى القول إننى استمعت بالدور والعمل مع المخرجة سلمى بكار، فقد اكتشفت فى المخرجة ذكاء وقادا من خلال السعى إلى كسر المألوف، والجرأة فى طرح قضايا المجتمع. وعن الفارق بين صناعة السينما التونسية ونظيرتها المصرية قال: اعتبر السينما المصرية سينما محترمة لكنها تختلف عن التونسية، فالسينما فى تونس لديها خصوصيتها، وهويتها، ليست شبيه بالمصرية، الفن فى مصر متطور. وأشار إلى أنه سعيد بالنهضة التى أحدثتها صناعة السينما التونسية مؤخراً، فهناك أعمال عديدة محترمة لاقت رواجاً كبيراً فى تونس وخارج حدودها. سألته ما سر اتقانك للهجة المصرية؟ أجاب ضاحكاً: أنا بعشق مصر وأهلها، وأتمنى العمل فى مصر، فهى بلد الفنون والحضارات، ونحن جميعا تربينا على أفلام يوسف بك وهبى، ومحمود المليجى، ومحمود عبدالعزيز، ونجيب الريحانى وغيرهم من النجوم الكبار، ومنذ فترة طلبت من الكاتب وحيد حامد أن يسند لى دور فى مسلسل «الجماعة» لكن الظروف حالت دون تحقيق المشروع الفنى. وعن المخرجين والكتاب الذى يتمنى العمل معهم قال: هناك مخرجون كبار فى مصر، أتمنى العمل معهم، خاصة الجدد منهم، مثل عمرو سلامة، ويعجبنى رؤية كاملة أبو ذكرى، والكاتبة مريم ناعوم، وهناك أسماء كثيرة محترمة.