عندما استفزها جمال سيدنا يوسف ولم تستطع السيطرة على نفسها بالرغم من زواجها من حاكم مصر آنذاك، راودته عن نفسه، وعندما أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تُفضح ويُكشف سترها اتهمت سيدنا يوسف بأنه هو من تقرب إليها وطالبت بالقصاص ممن تحرش بامرأة عزيز مصر.. وهي باتهامها له كانت مطمئنة ومتيقنة من أن الجميع سيصدقها لأنه من الطبيعي أن يتحرش الرجل بالمرأة وليس العكس، أو على الأقل هذا ما يتقبله المجتمع وما يريد أن يصدقه، إلا أن الله كان مطلعا عليما فكشف للجميع الحقيقة وشهد شاهد من أهلها .. ومازال حتى الآن الحال هو الحال، فالمجتمع يستكثر أن يكون الرجل فريسة للتحرش النسائي، وغالبا ما يفسر الرجل ذلك بأنه نوع من إعجاب المرأة المتحرشة به وبرجولته. بسبب كل هذا فإننا لا نسمع كثيرا عن تحرش النساء بالرجال بالرغم من وجوده الفعلي سواء في صوره المباشرة أو غير المباشرة. أسلحة صامتة يقول "عبدالله"، موظف بإحدى الشركات الخاصة، أنه يستبعد أن تقوم المرأة بملامسة الرجل والتحرش به علنا، ولكن المرأة تسعى دائما وأبدا إلى الحب وتبحث عنه حتى ولو كان بطرق ملتوية ومريبة. وفي كل الأحوال فإن تحرش المرأة لا يصل بمستوى تحرش الرجل بالرغم من رفضنا جميعا للتصرف في الحالتين. أما "كريم"، طالب جامعي، يقول: عندما تحاول امرأة التودد إلى رجل بطريقة ما يلاحظها الجميع وقد يأخذ هذا التودد شكل من أشكال التحرش، كالسلام باليد والضغط عليها، وترك يدها في يده بعد السلام فترة طويلة، ناهيك عن نظرات العيون التي تصرع أي رجل مهما كان قويا ومتماسكا، ولا ننسى الملابس المثيرة، كل هذه أسلحة صامتة تتحرش بها المرأة بالرجل ويلاحظها الجميع المهم في النهاية أي رجل ستقصده تلك المرأة؟ وهل سيقبل بها أم لا؟.. أما "أحمد"، مندوب مبيعات، فيستبعد الفكرة قائلا: سمعت كثيرا عن السيدات اللائي استدرجن رجالا كالبوابين والسائقين ومندوبي المبيعات حتى اختلين بهم وراودنهم عن أنفسهم، ولكنني في الحقيقة لا أصدق كل هذا، فكيف تستدرج أنثى رجلا، وكيف تجبره على فعل ما لا يريد. فماذا لو جاءت فتاة وقالت لي بشكل مباشر أنها تريدني، فأنا في النهاية من سيقرر الاستجابة لها من عدمها.. لذا لا داعي للقول أن الأنثى هي من تتحرش بالرجل. صمت رجالي وتعليقا على هذا الموضوع تقول د.داليا الشيمي ،مدير مركز عين على بكرة للاستشارات النفسية والاجتماعية، أن تحرش النساء بالرجال موجود ومنذ قديم الأزل، ولكن الفكرة أن المجتمع لا يتقبل وجوده لذا فإننا لا نسمع عنه كثيرا، فالمجتمع يرفض أن تتحرش المرأة بالرجل حتى وإن كانت العلاقة غير شرعية. فإذا تعرض رجل ما للتحرش من قبل أنثى فإنه يصاب بالصدمة وعندما يستفيق لا يستطيع الكلام مع أحد لأنه يجد في ذلك امتهانا لكرامته وجرحا لكيانه الذكوري، وفرضا لو تخطى الرجل كل ذلك وجاء ليشكو أو يبلغ عن تعرضه للتحرش من قبل أنثى فإنه لن يسلم من الأذى، وسيتم اتهامه بالكذب وبنواياه السيئة والضميرغير السليم وغير البرئ وهو ما يدفع الرجال الذين يتعرضون للتحرش إلى التزام الصمت. وعن سبب ندرة الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، تقول داليا الشيمي أنها متابعة جيدة لجميع الدراسات، وبالرغم من ذلك فإنها لم تجد أي دراسة تناولت تحرش النساء بالرجال من قريب أو بعيد نظرا لرفض المجتمع للفكرة من أساسها حتى وإن كانت موجودة على أرض الواقع. وعن أشكال تحرش النساء بالرجال تقول الشيمي أن هناك نوعين منه هما التحرش السلبي والتحرش الايجابي، أما السلبي فهو أن تتحرش المرأة بالرجل عن طريق ارتدائها لبعض الملابس المثيرة والضيقة، كما أنه توجد بعض التصرفات والحركات التي تقوم بها والتي تعني مضمونا أنها كامرأة متاحة وممكنة للرجل الذي تفعل أمامه تلك الحركات، فمثلا أن تقدم الأوراق لرئيسها بطريقة معينة تحمل معنى الإغواء غير المباشر لهذا الرئيس الذي يستثار بسببها، وبالتالي يتجاوب معها بسهولة إن لم يكن لديه وازع ديني وأخلاقي يمنعه من ذلك. أما بالنسبة للتحرش الإيجابي فينقسم إلى جزأين الأول وهو التحرش العاطفي الذي تضغط فيه الأنثى عاطفيا على الرجل من خلال الكلمات الرومانسية والفضفضة الشاعرية التي تؤدي بالرجل إلى أن يتعلق بها، وبالتالي يستجيب معها في العلاقة غير الشرعية التي تتدرج من مجرد الكلام إلى الفعل. وعن الشكل الآخر من التحرش الإيجابي تذكر أن المرأة تتحرش فيه جسديا بالرجل وهذا قليل جدا ونادر الحدوث نظرا لمعرفة المرأة برفض الرجل نفسه لهذا الأمر حتى وإن جاءت العلاقة في صورة اعتداء، فهو يحب أن يكون الفاعل الأول والأوحد في الموضوع وليس أن يكون للمرأة اليد العليا وأنها من قامت بملامسته في البداية، هذا بالإضافة إلى نقمة المجتمع ورفضه لمن تقوم بهذه الحركات وبالتالي فإن المرأة تمتنع نفسها عن القيام بهذا الأمر ولكنها تتجاوزه ببعض التحرشات الأخرى والأشكال الأخرى التي ذكرت في السابق . وعن سبب لجوء بعض النساء لهذا الأمر تقول أنه مثل سلوكيات منحرفة كثيرة قد تأتي نتيجة احتياج عاطفي أو جسماني، أو أن تكون المرأة مريضة نفسيا، أو تعاني من مشكلة ما تريد أن تثبت بها لنفسها على قدرتها في إغواء الرجال. في كل الطبقات ومن ناحيتها تقول سمر عبده ،المستشارة الاجتماعية، أنه إذا افترضنا أن التحرش بالرجال ظاهرة فهي ظاهرة حديثة بالنسبة للمجتمعات العربية وإن لم يعترف بها المجتمع، إلا أنها موجودة منذ القدم ولكنها لم تزداد إلا مؤخرا بسبب الإثارة المريعة التي تحدث في كل مكان ومن كل جهة، وكذلك الانفتاح على ثقافة ليست خاصة بنا والتأثر بها والتجاوب معها . أما بالنسبة لنموذج المرأة التي تتحرش بالرجال فهي غالبا ما تكون المرأة التي تستخدم سلطتها في ممارسة هذا الفعل، وقد يتطور موضوع التحرش وفقا لسلطة المرأة وقوتها، وقد يصل الأمر للاغتصاب مثلما حدث ذات مرة عندما قام أحد البوابين برفع دعوى ضد سيدتين يعمل لديهما قاما بالتحرش به واغتصابه، وكذلك قد يأتي التحرش من قبل مديرة تجاه الموظفين، أو من صاحبة عمل بالعاملين لديها، وفي الخليج ينتشر نموذج سيدة المنزل والبوابين أو السائقين العاملين لديها. "البنات المراهقات".. نموذج آخر تذكره المستشارة الاجتماعية ممن يقمن بمعاكسة الشباب بشكل لفظي عرضي في الشارع، حيث يمثل التحرش بالفتيان أو الرجال فكرة مثيرة بالنسبة إليهن يردن تجربتها، والتحرش هنا يأتي بمعنى "المعاكسة اللفظية وليس أكثر من ذلك". وتواصل: هناك أيضا نموذج السيدات من الطبقة المتوسطة والفقيرة اللائي يتحرشن بالرجال بهدف التملق لكسب مركز أو وظيفة، مثل نموذج الممرضة التي تغوي الطبيب، والسكرتيرة التي تغوي مديرها. وفيما يتعلق بالأسباب التي تدفع المرأة لهذا الفعل توضح سمر عبده قائلة: لا يجب أن ننكر أن التحرش في جزء كبير منه يأتي نتيجة غياب الوازع الديني والأخلاقي. ثم تأتي الإفاقة الجنسية المبكرة كسبب آخر، أو من يتعرض منهن للإثارة ولا يكون هناك مخرجا مشروعا لتفريغها، أو هؤلاء الفتيات ممن تعرضن للتحرش في الصغر، ولا ننسى غياب الدور الأسري والمتابعة الأسرية بسبب انشغال الوالدين أو سفر أحدهما للخارج، كما أن البعض يمتهنها كوسيلة لكسب المال السريع. وتضيف أن هناك نسبة قليلة من الحالات يرجع السبب فيها للرغبة في إذلال الرجل، فهي كفتاة أو سيدة يكون لديها موقف من الرجال بشكل عام نتيجة لقهر بعضهم للمرأة، وبشكل خاص فإنها تعوض ذلك عندما تكون هي صاحبة النفوذ فتستغل الرجل وتقوم بتعريضه للإذلال حيث تتحول لشخصية سادية. من هنا وهناك وفي دراسة قام بها بعض الباحثين من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية اكتشفوا أنه ليست النساء الصينيات فقط اللاتي يتعرضن للتحرش، فقد وجدوا أن بعض الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 سنة، اشتكوا من أنه بسبب الإهمال في الرعاية الأسرية لهم وقعوا ضحايا لسيدات مطلقات أو عازبات تتراوح أعمارهن بين 20 و 40 سنة، ويتعرض رجال لمغازلات جنسية من رئيساتهم ويلزمون الصمت خشية أن تطردهم الرئيسة . كما أكدت الدراسة نفسها أن 57 % من التحرشات الجنسية التي يتعرض لها الرجال تتم عبر الكلام، الهاتف، الخطاب القصير، البريد؛ 34% عن طريق اللمس أو الاحتكاك باليد، و7% بواسطة لمس أماكن خاصة. وفي المملكة العربية السعودية تقدم عضو مجلس شورى بطلب دراسة ظاهرة تحرش النساء بالرجال في مواقع العمل بالمملكة، وقد تم تأجيل دراسة هذا الطلب لأجل غير مسمى نظرا لعدم اكتمال آليات الموضوع، وعدم وجود إحصائيات من جهات حكومية تؤكد تعرض الرجال للتحرش النسائي في بيئة العمل. وفي النهاية.. هل ترى بالفعل أن التحرش بالرجال من الظواهر المسكوت عنها في مجتمعنا المصري وتستلزم المطالبة بتشريع يجرمه وإن كان الفاعل.. هي؟ شارك برأيك