لا يفل الحرب إلا حرب مثلها، وكل حرب تتطلب تحركاً سريعاً وتكتيكات دقيقة ومواجهة شاملة، وحرب مواجهة المبيدات تتطلب مواجهات على 5 جبهات.. أولى الجبهات هى تقليل حجم المبيدات المستخدمة لأقصى مدى ممكن.. والجبهة الثانية هى وقف تهريب المبيدات القاتلة لمصر.. والثالثة هى غلق كل أوكار تصنع مبيدات بير السلم، والتى تنتج سموماً قاتلة لأنها لا تخضع لأى معايير علمية ولا لأى رقابة من أية جهة.. والجبهة الرابعة هى منع تصدير أية منتجات ملوثة بالمبيدات لأنها تصيب سمعة المنتجات المصرية فى مقتل.. والجبهة الخامسة هى مراقبة الأسواق الداخلية لاستبعاد كل المنتجات الملوثة كيماوياً وإعدامها قبل أن تصل لمعدة المصريين فتنقل إليها سموم قاتلة. وعلى الجبهات الخمس حققت الأجهزة الرسمية نجاحاً نسبياً فى جبهتين وخسارة كبيرة فى مثلهما، فيما بدأت على استحياء مواجهة على الجبهة الخامسة. فاستهلاك مصر من المبيدات انخفض بشكل كبير، ليصل إلى 16 ألف طن مبيدات سنوياً فقط بعد أن كانت مصر تستهلك 40 ألف طن كل عام، وجاء هذا الانخفاض نتيجة للتوسع فى استخدام 3 طرق جديدة فى الزراعة وهى المقاومة الحيوية والزراعة النظيفة والمكافحة المستمرة. وخلال نصف العام الجارى الأول تم ضبط 218 ألفًا و377 عبوة مجهولة المصدر ومغشوشة، كما تم غلق 2029 مصنعاً غير مرخصة وتمت إحالة 67 تاجراً ومصنعاً إلى النيابة. وفوق هذا بدأت وزارة الزراعة فى تدريب 50 ألف مطبق للمبيدات للقيام بعملية التداول والبيع وللرش على أن يتم تدريبهم خلال خمسة أعوام، وشهد العام الأخير تدريب 500 مطبق فى عدد من المحافظات تم منحهم شهادات تأهيل محددة بوقت محدد، وتستهدف وزارة الزراعة من هذه السياسة هو محاولة السيطرة على سوق المبيدات، ومحاولة ضبط عمليات رش المبيدات لتكون طبقاً للمواصفات العلمية. وفيما يتعلق بجبهة منع تصدير المنتجات المصرية الملوثة بالمبيدات، تحقق نجاحاً واضحاً أيضاً، بفضل فرض رقابة صارمة على الصادرات الزراعية، وعدم السماح بتصديرها إلا بعد إخضاعها لإجراءات الفحص الحجرى بمعرفة مفتشى الحجر الزراعى مع اللجان المختصة، وتشمل تلك الإجراءات فحصاً ظاهرياً ومعملياً للتأكد من سلامتها وخلوها من متبقيات المبيدات، وفقاً للاشتراطات الأوروبية والحدود المعتمدة لمتبقيات المبيدات ومعايير منظمة هيئة الدستور الغذائى «الكودكس» التابعة للأمم المتحدة، ولهذا عادت الصادرات الزراعية المصرية إلى دول الخليج والأردن، من جديد بعد أن تم منع دخولها شهوراً طويلة. وفى مقابل هذه النجاحات، تحدث نكسات وكوارث فى جبهتين كبيرتين من جبهات مواجهة حرب المبيدات، أولاها جبهة المبيدات المهربة، والثانية جبهة المبيدات المغشوشة التى تصنع بعيداً عن أية رقابة داخل ما يعرف بمصانع بير السلم، وكلا النوعين يمثل 70% من إجمالى المبيدات المستعملة فى مصر، حسب تقديرات خالد أمين – الرئيس التنفيذى لمؤسسة عالم الزراعة.. ويقول: «لا تزال المبيدات المهربة تتسلل إلى مصر، وبعضها يتم إدخاله البلاد بزعم أنها كيماويات ستدخل فى التصنيع، ولكنها فى الحقيقة تتحول إلى مبيدات يتم إعادة تجميعها فى مصانع بير السلم بعيداً عن أية رقابة ودون التزام بأية اشتراطات صناعية، وبالتالى تكون فى حقيقتها سماً زعافاً، وليست مبيداً زراعياً». ويضيف أمين «سيتواصل تهريب المبيدات، حتى يتم تشكيل لجان تضم مندوبين لوزارات الزراعة لفحص جميع الكيماويات التى تدخل مصر، لكى تفرض رقابة صارمة على جميع المركبات الكيماوية التى تدخل مصر، وفى ذات الوقت يجب تعديل القانون الذى يحكم المبيدات حالياً وهو قانون صادر عام 1966 أى منذ 51 عاماً، خاصة وأن عقوباته هزيلة للغاية، فعقوبة تصنيع مبيدات دون ترخيص عقوبتها غلق المنشأة لمدة شهر واحد، وغرامة 100 جنيه، وهى عقوبات تشجع على الجريمة ولا تقاومها». وحسب بيانات وزارة الزراعة فإنه سيتم خلال الشهور العشرة القادمة سحب 2193 عينة من أسواق محافظاتالقاهرة، والجيزة، القليوبية، المنوفية، والغربية، والدقهلية، البحيرة، الإسكندرية، الإسماعيلية، الشرقية، كفر الشيخ، الفيوم، المنيا، أسيوط، والمحافظة التى سيتم ضبط متبقيات المبيدات أعلى من المسموح بها سيتم تشديد الرقابة عليها. ومع مطلع الشهر الماضى بدأت وزارة الزراعة قياس متبقيات المبيدات فى الخضر والفاكهة فى الأسواق المحلية فسحبت عينات من 25 محصولاً (14 محصول خضر و11 محصول فاكهة) من 17 سوقاً مركزية من 14 محافظة بالوجهين البحرى والقبلى، وتولى المعمل المركزى لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة فى الأغذية والمعمل المركزى للمبيدات لتحليل العينات المسحوبة. وحتى الآن لا تزال نتيجة التحليلات فى طى الكتمان، ولم يتم إعلان نتائجها حتى الآن! الكارثة الأكبر التى تجعل تجارة هذه السموم التى تحمل اسم المبيدات كالحبل على الغارب أن المهندسين الزراعيين المسئولين عن مراقبة المبيدات فى مصر كلها يبلغ 40 مهندساً زراعياً فقط، فى حين أن عدد محلات المسموح لها بالاتجار فى المبيدات يصل إلى 2811 محلاً بخلاف حوالى 5 آلاف محل يمارس نشاطه دون ترخيص.