مضت المراحل الثلاث لإجراء انتخابات البرلمان أو أول مجلس تشريعى بعد نجاح ثورة يناير سنة 2011 العظيمة بما لها وما عليها، وكم كنا نتمنى أن تكون النتائج أحسن من ذلك، وكانت بمثابة أول انتخابات حقيقية بعد أكثر من نصف قرن من الزمان أو إن شئت الدقة فقل إنها منذ أزمة مارس سنة 1954 التى قضت فى ذلك الوقت، على الأمل فى تحقيق الديمقراطية الصحيحة وزرع الحاكم الدكتاتور الدكتاتورية فى مصر بعد عزل المرحوم الرئيس محمد نجيب والاعتداء على المرحوم الدكتور السنهورى فى مجلس الدولة وقذف نقابة المحامين بالحجارة وإغلاق جريدة «المصرى».. واستمرت الجرائم تحت صياح الغوغاء والمأجورين من تابعى الدكتاتور الذين أفلحوا فى تضليل البعض من أبناء مصر.. فراحوا يعبدون الحاكم الفرد كعبادة الأصنام!! ويتغنون بأوهام وشعارات جوفاء كاذبة حتى بلغ بهم الجرم أن أطلقوا عليه اسم «الزعيم الملهم» ثم أفاق الناس على صدمة الهزيمة النكراء فى يونيو سنة 1967 وقاد المهزوم مهرجان الكذب والتضليل إلى مسرحية التنحى والعدول عنه ليبقى قابضاً على مقاليد الحكم يفعل ما يشاء لأنه القائد الملهم!! حتى أزاحه الله ليأتى من بعده نائبه الذى راح يبشر الناس بانفراجة ديمقراطية وإعادة بناء الدولة والقوات المسلحة لتحرير الأرض وطرد الاحتلال الصهيونى.. حتى كانت انتصارات العاشر من رمضان فى السادس من أكتوبر سنة 1973 وفرح الناس واستبشروا خيراً ثم كانت صدمة معاهدة السلام المزعومة.. وبعدها اعتقالات سبتمبر سنة 1981 والتى أدت إلى حادث المنصة ليقفز على إثره نائب الرئيس إلى كرسى الرئاسة وهو أيضاً من العسكريين. وكان فى حالة ضعف وأخذ يعمل على تمكين نفسه وتقوية سلطاته ويزرع حوله الأنصار والأتباع والأعوان من أسوأ الأنواع ليعمل بهم ومعهم على استمرار تمثيلية الاستفتاء على فترات الرئاسة المتتالية.. ثم يدعو إلى تعديلات فى الدستور ويساعده فى الإخراج الفاسد مجلس الشعب ورئيسه الفاسد أيضاً فى ذلك الوقت ولكى يكون ذلك كله بقصد إعداد المسرح لتوريث السلطة لابنه إن لم يكن لزوجته أيضاً !! وكأن مصر أصبحت عزبة أو ضيعة مملوكة له يورثها من يشاء.. ويتذمر الشعب ويرفض تلك الأعمال الإجرامية.. ثم يتحرك الثوارفى ميدان التحرير ومختلف الميادين الرئيسية بالمحافظات أى أن شعب مصر بأكمله رفض الاستمرار تحت حكم الدكتاتور والفساد والمفسدين فى الأرض، ونجحت الثورة والحمد لله الذى نسأله الرحمة وحسن الجزاء لشهدائها والشفاء العاجل للمصابين، وسقط النظام بأكمله غير مأسوف عليه بل ومشيع باللعنات، وننتقل إلى انتخاب برلمان ما بعد الثورة والتى جرت مؤخراً تحت إشراف القضاء، وكانت الانتخابات فى مجملها نظيفة وغير مزورة.. اللهم إلا بعض التجاوزات فى الإجراءات أو الفرز، وهى لا تؤثر فى سلامتها، ويكفى أن نقول إن جرائم التزوير المعتادة فى كل انتخابات منذ عشرات السنين قد ذهبت مع النظام إلى غير رجعة. وقد كنا ومازلنا مع كل أبناء مصر على اختلاف أعمارهم ودرجاتهم نتطلع إلى إعادة بناء مصر الحديثة على أساس ديمقراطى سليم ودستور جديد قويم يكفل للشعب المصرى أن يعيش فى حرية كاملة وفى ظل نظام ديمقراطى كامل وحقيقى لنرى الدولة المدنية السليمة القويمة فى أجمل وأكمل صورة بفضل تضافر جهود أبنائها جميعاً، وفى هذا ضمان لعدم تغول الحاكم أو أى صاحب سلطة على الشعب.. فالسيادة والريادة والقيادة للشعب وصدقت حكمة الوفد الخالدة «الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة». وإن كنا نسجل بكل فخر أننا أول من طالب على صفحات جريدة «الوفد» الغراء بضرورة البدء فى وضع دستور جديد أولاً لأن الشرعية الثورية أسقطت الدستور السابق وفرضت نظاماً جديداً وذلك عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية أو لجنة تأسيسية بالانتخاب الحر المباشر لتتولى وضع الدستور الجديد لأن الدستور هو عماد نظام الحكم فى الدولة ولا نقبل أن يأتى على سبيل المنحة من أى حاكم ولا أى حكومة على الإطلاق ثم بعد الدستور تجرى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المحليات تطبيقاً وتنفيذاً لأحكام الدستور الجديد بعد موافقة الشعب عليه بعد المناقشة فى استفتاء شعبى عام، ولكن المجلس العسكرى رفض وأصر على إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور. وهذا خطأ سيتضح أثره فى المستقبل القريب، وإن كنا نتجاوز هذه الغلطة ونتطلع إلى مصر الحديثة فى بنائها الجديد وثوبها الجديد ودولة مدنية حديثة يقوم الحكم فيها على أساس ديمقراطى سليم وينعم الشعب بالحرية الكاملة والديمقراطية الحقيقية غير المنقوصة والمساواة المطلقة بين أبنائها بغير تفرقة ولا تفريق.. وعندئذ يفرح المصريون بنصر الله ينصر من يشاء وهو القوى العزيز. ----------- محام بالنقض وعضو الهيئة العليا للوفد