المتابع للنظم البرلمانية فى العالم، يجد أن بعض الدول تفضل أن يكون البرلمان الخاص بها مكوناً من مجلس واحد، توفيراً للنفقات ومنعاً من التضارب. بينما تفضل دول أخرى اتباع نظام المجلسين، حتى تأتى القوانين مدروسة بعناية، وأيضاً حتى إذا سيطرت فئة ذات اتجاه معين على أحد المجلسين، فإن المجلس الآخر يُحدث التوازن المطلوب، ويُحد من اندفاعات المجلس الآخر. أما عن مصر فقد تم إنشاء مجلس الشورى عام 1980 بناء على الاستفتاء الشعبى الذى دعا إليه الرئيس الراحل السادات فى 22/5/1980، لكن معظم المصريين يرون أن مجلس الشورى بوضعه الحالى لم يقدم لمصر الفائدة المرجوة، ولذا فإنه من الأفضل أن يتم إلغاؤه، على الأقل توفيراً للنفقات فى الظروف الراهنة. ومن جانبنا فإننا سوف نسعى إلى تفكيك مجلس الشورى المصرى، ونحلله إلى عناصره الأولية، ثم نعيد هيكلته وتشكيله مرة أخرى، لإنشاء مجلس شورى على نحو مختلف، هذا فيما يتعلق بالشكل. أما فيما يتعلق بالموضوع فإننا سوف نعيد دراسة وظائف هذا المجلس واختصاصاته، ثم نقترح التغيرات الأساسية التى نرى إدخالها عليه، والهدف من كل ذلك أن نصل إلى منظور جديد لمجلس الشورى: بشكل جديد وبوظائف جديدة، ونرى أنه إن تم ذلك فلسوف يقدم تجربة مصرية رائدة، وقد يساهم فى مواجهة حالة الخطورة التى تمر بها مصر حالياً. نبدأ بالحديث عن شكل مجلس الشورى: فقد تضمنت المادة (196) من الدستور النص على أن يشكل مجلس الشورى من عدد من الأعضاء يحدده القانون على ألا يقل عن 132 عضواً. وينتخب ثلثا أعضاء المجلس ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقى ومدة العضوية ست سنوات. وقد بلغ عدد أعضاء مجلس الشورى قبل ثورة 25 يناير 256 عضواً. أما بالنسبة للتعديلات التى صدرت بعد ثورة 25 يناير، فقد جاءت مختلفة عدداً، وإن كنا نأمل أن يزداد عددهم وبصفة خاصة عدد المعينين منهم. واقتراحنا، وهو قابل للتنفيذ والتطبيق الفورى حتى بدون أية تعديلات تشريعية حالياً للمحافظة على استقرار الأوضاع فسوف يتركز وينصب على ثلث الأعضاء الذين سيتم تعيينهم أى 130 عضواً وبالنسبة لهم فإننا نرى أن يتم تعيينهم على النحو التالى: عدد مناسب من شباب الثورة. رؤساء الأحزاب التى تضم فى عضويتها ما لا يقل عن 20 ألف عضو. رؤساء أكبر النقابات عدداً وهم ممن يتم انتخابهم انتخاباً حراً مباشراً (الأطباء، المهندسين، المحامين، المعلمين، الصحفيين، التجاريين، والزراعيين) على أن يتم تمثيل كل نقابة بعدد من أعضاء مجلسها يتكافأ مع عدد أعضائها. رؤساء الجامعات المصرية ورؤساء مراكز البحوث الرسمية. رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير الصحف التى مر على إصدارها أكثر من 15 سنة ممن يمارسون العمل الصحفى مدة لا تقل عن 20 عاماً. رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان ونائبه. رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية ونائبه. عدد من رؤساء الهيئات القضائية السابقين ونوابهم (يتم انتخابهم بمعرفة النوادى الخاصة بهم). عدد من أقدم السفراء بوزارة الخارجية (حاليين وسابقين) يتم انتخابهم بمعرفة النادى الدبلوماسى. عدد من أساتذة القانون بكليات الحقوق بالجامعات الرسمية المصرية يتم انتخابهم من هيئات التدريس. عدد من ضباط القوات المسلحة والشرطة السابقين المتقاعدين، يتم انتخابهم بمعرفة النوادى الخاصة بهم. عدد 5 من رؤساء أكبر النادى الرياضية عدداً فى مصر. بعض الشخصيات العامة من ذوى الكفاءات المتميزة وأيضاً المرأة والطوائف والفئات الأخرى والمصريين فى الخارج إذا سمحت ظروفهم بالمشاركة. هذا عن تشكيل المجلس، أما عن الأمانة العامة فهى تضم عدد 25 من الحاصلين على درجة الدكتوراه فى القانون وعليهم التفرغ، ولهم حق حضور الجلسات دون أن يكون لهم صوت معدود. وعموماً فإن الجهات ونسب عدد الأعضاء من كل جهة، فسوف يتم تحديده تفصيلاً فيما بعد ويخضع للنقاش الوطنى العام. هذا مع أهمية التنويه إلى أن هذه القوى الفاعلة تضم عناصر سبق انتخابها، أى أنها سبق وأن حصلت على ثقة الملايين من المصريين فى كل المجالات. وهم خلاصة عقول أبناء الوطن، والملاحظ أن كلاً منهم يعمل حتى الآن بشكل فردى منعزل مستقل، بلا ترابط ولا تنسيق ولا خطة ولا هدف أو منهج مشترك. فإن تم تجميع هذه القوى وتكتيل جهودها، فلسوف تدور الآلة الديمقراطية فى مصر بأجهزتها النيابية، وتدب الحياة فى الجسد المصرى وتندفع به مصر إلى الأمام وتقضى بذلك على شيوع حالة من اللاترابط والتفكك والتشرذم وغياب الأفكار الإبداعية وهى الحالة التى تحياها مصر حالياً، ووقتئذ سوف تتحقق القيادة الجماعية فى أسمى معانيها، أخذاً فى الاعتبار أن الآخر لمجلس الشورى (200 عضو) سوف يتم انتخابهم انتخاباً حراً مباشراً من الشعب. والآن فإننا ننتقل فى عجالة إلى تصورنا لاختصاصات هذا المجلس، وفى هذا الشأن فإننا نكتفى الآن بالإشارة إلى أمرين نرى أهميتهما: أولهما: أن جميع اختصاصات مجلس الشورى سوف تُصبح إلزامية، وذلك خلافاً للوضع الحالى، الذى يجعل بعضها وجوبياً والبعض الآخر استشارياً. ثانيهماً: هو أننا نقترح إيجاد قناة مباشرة للاتصال بين الشعب وبين هذا المجلس، فيكون من حق الشعب المصرى مخاطبة المجلس لإلزامه ببحث موضوع أو قانون معين، وإعلان نتيجته للشعب، ويكون ذلك من خلال ما يمكن أن نسميه ب«العرائض الشعبية» فإن تم تجميع 50 ألف طلب من خلال وسائل الاتصال الحديثة أو غيرها. حول موضوع معين فإن الأمانة العامة للمجلس تلتزم بعرضه على المجلس ليتولى دراسته وإعلان نتيجته على الرأى العام فى مصر. وهذا الأمر غير مسبوق فى مصر، لأن الذى له الحق فى عرض الموضوعات على مجلس الشورى هو رئيس الجمهورية، أو ما يحال إليه من مجلس الشعب. وبتنفيذ كل ما تقدم يكون مجلس الشورى مؤهلاً لقيادة الحياة السياسية والبرلمانية فى مصر. --------- -بقلم - المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة