عندما صمدت الجماهير الثائرة فى ميدان التحرير وفى المنشية وحول مسجد القائد إبراهيم وفى ميدان الأربعين خلال الفترة ما بعد 2/2/2011 وحتى 11/2/2011 عندما تنحى الرئيس المخلوع.. تحسست القيادات السياسية لدى القوى التقليدية خطواتها ما بين مباحثات عمر سليمان ومفاوضات أحمد شفيق ثم صياح «نائب الرئيس الجديد» الحوار أو الانقلاب.. وماذا سوف يحدث وكيف ستسير البلاد.. ولكن الجماهير الثائرة فى الميادين كانت تهتف وتصر «ارحل.. ارحل»، هكذا هتفت وأصرت وصمدت فكان لها ما أرادت، وها هو 25 يناير الثانى يأتى كأقوى ما يكون فى مواجهة كل المشككين فى حدوث كوارث واشتباكات لتخرج جماهير مصر الثائرة المسالمة كعادتها وكحضارتها، لتعلن أن ثورتها لم تستكمل فصولها وأنها لم تزل فى افتتاح المشهد.. ولتصيح بأعلى صوتها لا للعسكر.. لا للعسكر. الجميع يتساءل وما البديل.. كيف المرور لتسليم السلطة للمدنيين!! الجماهير الثائرة الهادرة خرجت بأعدادها الغفيرة لتملأ ميادين مصر وليحتل قاهرة التحرير ما يقارب أو يتجاوز الاثنين مليون مواطن خرجوا جميعاً على مختلف مشاربهم وفئاتهم لهدف واحد فقط هو بناء مصر الجديدة.. مصر التى يقتسمها ويمتلكها الجميع.. دولة مدنية ديمقراطية عادلة.. خرج ثوار مصر ومعها رصيدها من الخبرة والتاريخ فيما فعله العسكر منذ ستين عاماً وما فعلته جماعة الإخوان المسلمون فى تحالفها مع العسكر فى أزمة مارس 54 الشهيرة، حين تحالفوا مع الضباط الأحرار فى مواجهة كل القوى السياسية ليتم وأد الديمقراطية لستة عقود خلت.. المشهد يتكرر ولكن للزمان غير الزمان.. والدنيا غير الدنيا.. يعلم ثوار مصر هذا جيداً ويعلمون أيضاً أن صمودهم واستمرارهم هو ورقة الضغط والقوة الناجزة فى أيديهم لا فى أيدى كل المتعثرين والمترددين والمتهافتين والراغبين فى أشياء كثيرة يودون اقتناصها بنفس الطريقة التى اعتادوا عليها ستين عاماً من اللعب غير النظيف مع نظام عسكرى متبولس قاهر لإرادة شعبه. عام من التعثر والتخبط فى دهاليز تحالفات غير معلنة ورمادية لا تحمل الخير لهذا الشعب.. لجنة للتعديلات الدستورية تكونت بتشكيلها المنحاز لصالح فصيل بعينه خرجت بتعديلات عرجاء وضعت العربة أمام الحصان لتتعثر خطا الثورة وبناء الوطن الجديد بين الانتخابات أولاً أو الدستور أولاً.. ثم الترويج بين البسطاء أنهم يريدون إلغاء المادة الثانية للدستور وهى لم تكن محل نظر على الإطلاق.. أثاروا فتنة واستقطاباً استمرت آثاره إلى الانتخابات التشريعية.. تشكلت لجنة عليا للانتخابات لم تر شيئاً ولم تفعل شيئاً ولم تضع سقفاً للإنفاق المالى وتركت الحبل على الغارب.. أثاروا لغطاً وشقاقاً بين شباب الثورة.. أراقوا دماء بغير معنى سوى إثارة الفزع والإحباط وعرقلة القلوب والعقول الحاملة للأمل لوطن جديد.. قتلوا الشهداء فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وتحدثوا عن مثيرى الشغب ومعطلى مسيرة الرخاء.. نفس الأحاديث ونفس النغمات المستخدمة عبر عقود ستة من القهر والاستبداد.. وفيما انشغل الثوار فى الدفاع عن وجودهم وثورتهم وحق المصريين فى أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.. انشغل آخرون بالتجهيز والإعداد وإغراق البسطاء بالزيت والسكر والإعداد اللوجستى للمقاعد والكراسى.. ألم تكن دماء الشهداء وعيون الضحايا والمصابين هى التى عبدت الطريق إلى البرلمان؟!! الثورة مستمرة صيحة أطلقتها مصر وشعب مصر. أرجفوا وأثاروا ذعر الطبقة المتوسطة الصغيرة والبسطاء والصنايعية حتى ينقلبوا على حلمهم وثورتهم.. ولكن لكل ثورة آثارها وتداعياتها.. الجميع يعلم أنها ساعات القلق والمحنة، وأيام توتر وحركة ومد وجزر ولكنها العاصفة المحملة بالنور والنهضة والتحرر لهذا الوطن.. الثوار اتخذوا أماكنهم فى شوارع الوطن وميادينه ورفعوا شعاراتهم والمرجفون أتوا بفرق الميليشيات ليحموا منصاتهم وإذاعتها المرددة بلهجة ليست حقيقية والسادرة فى تحالف الظلام ضد إرادة الشعب المصرى.. ولكن الثورة ماضية.. والشعب المصرى سوف يصل بإرادته الثورة إلى أهدافها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». ملاحظات ضرورية: تابعت جريدة «الأهرام» المؤتمر الصحفى للجنة العليا للانتخابات عن مجلس الشورى وكانت متابعتها هى التعبير عن استعدادات الحرية والعدالة لتلك الانتخابات وقوائمه فى مختلف المحافظات وأبرز أسماء مرشحيه!!، هكذا ببساطة وذلك ب«أهرام» 28/1.. وكذا فى تغطية أحداث 25/1 فى عددى الخميس والجمعة كان رصدها لتحركات الحرية والعدالة هو الأوفر والأكثر إبرازاً وعنونة.. والحقيقة أن «الأهرام» فى هذا يحافظ على نهجه فى تبنى وعرض وجهة نظر الحائز على السلطة دائماً واليوم هو يجاوز المستقبل مراهناً فى توجيه اهتمامه إلى من سيحوزها خلال البضعة أشهر المقبلة.. وكما هو معلوم للقارئ أن «الأهرام» جريدة قومية مملوكة للشعب وليست لسان حال فصيل بعينه. أفهم أن تتجاهل الصحف القومية كعادتها متابعة النشاط والتواجد الوفدى فى تظاهرات 25 يناير وصولاً إلى 27 يناير، ولكن أن تكون المتابعة الخاصة بجريدة «الوفد» قاصرة غير ملمة بمتابعة جميع الفعاليات تصويراً وتفصيلاً فهذا هو غير المفهوم.. فلم أستطع تفهم عدم نشر صور اللافتات الوفدية المعلقة والبيان الصادر من شباب الوفد وعدم رصد منصة الوفد والمتحدثين عليها ولقد تكررت هذه المتابعة القاصرة عبر المليونيات المتعددة الماضية ولا أجد بالطبع سبباً وجيهاً لهذا!!!