فى شهر رمضان من كل عام يعلنون الحداد ويسدلون الستار على محلاتهم، ففى الوقت الذى تمتلئ فيه الشوارع بالأنوار والزينة للاحتفال بروحانيات الشهر الكريم، تغلق بعض المحال أبوابها ويحاول أصحابها ابتكار أساليب جديدة للحصول على دخل يطعمون منه أسرهم. خسائر بآلاف الجنيهات يتعرضون لها، وكانت فى الصدارة محال الكشرى، والتى عبر أصحابها عن حزنهم الشديد لما يتعرضون له من ديون خلال الشهر، وغيرهم من عمال الفراشة الذين كانوا يعتمدون على تجهيز «موائد الرحمن» لكسب قوت يومهم، ولكن بعد قرار الدولة بضرورة الحصول على ترخيص لعمل المائدة بات عمل محال الفراشة أشبه بالمستحيل، آخر المتضررين هم أصحاب المقاهى الذين أكدوا أن عدد الزبائن انخفض للنصف فى فترات المساء، فضلاً عن غلق مصدر رزقهم طيلة فترات النهار خلال الشهر. البداية من «الكشرى» حالة من الاستياء والضيق سادت بين أصحاب محلات الكشرى بسبب إغلاقها طيلة شهر رمضان، مؤكدين أن الخسائر بلغت آلاف الجنيهات. جاء ذلك خلال جولة «الوفد» الميدانية على عدد من المحال.. قال سامى ظريف، صاحب محل كشرى بمنطقة بولاق الدكرور: إنه فى شهر رمضان من كل عام يغلق محله طيلة ال30 يوماً ويحاول خلالها البحث عن مصدر رزق آخر لتلبية احتياجات منزله. وأشار «ظريف» إلى أن المحل يعمل به 3 أفراد، قام بتسريحهم جميعاً، وبالطبع تضررت أسرهم بشكل كبير، خصوصاً لعجزهم عن البحث عن مصدر رزق آخر. وأضاف: عن نفسى بقلب المحل لبيع الكبدة والسجق، وده يعنى بيبقى شغال شوية بعد الفطار لحد السحور. ويؤكد بائع الكشرى ضرورة عدم الاكتفاء بمصدر رزق واحد ولابد للفرد أن يكون لديه المرونة الكافية والبحث عن مصدر الرزق المناسب لكل وقت. 500 جنيه قيمة دخل «ظريف» من بيع الكبدة فى شهر رمضان، مقارنة بقيمة دخله من بيع الكشرى، الذى لم يكن يقل عن ال5000 جنيه، مشيراً إلى أن ساعات العمل فى بيع الكشرى كانت تصل ل24 ساعة، بثلاثة شيفتات مختلفة، ولكن ساعات العمل فى شهر رمضان محدودة من بعد أذان المغرب حتى السحور. الأمر نفسه يعانى منه مراد حمدى، بائع الكشرى فى أرض اللواء بالمهندسين، والذى أكد ضرورة البحث عن مصدر دخل آخر خلال شهر رمضان حتى يستطيع سد احتياجات منزله، مشيراً إلى أن خسائره تفوق ال7 آلاف جنيه مع كل شهر رمضان. وأضاف: أنا مشغل فى المحل بتاعى 5 عمال، وطبعاً كلهم سرحتهم عشان حولت المحل لبيع الحلويات فقط، وطبعاً عملت كده من باب «الرزق يحب الخفية» وعلشان أقدر أعيش. وأشار إلى أن دخل المحل فى بيع الكشرى أكثر من العمل فى الحلويات، لأن الكشرى أكلة شعبية وبسيطة والإقبال عليها أكثر بكثير من الحلويات، وتقريباً المكسب الضعف من بيع الكشرى. وأضاف: طبعاً الشهر يخلص وأرجع لبيع الكشرى تانى، بس فيه ناس تانى مش بتقدر وتبقى مجبورة تغير نشاطها خالص علشان تكون تعرضت لديون كثيرة خلال الشهر وطبعاً كل تجارة عاوزة فلوس ورأسمال. محال الفراشة نشاطهم يزداد ازدهاراً مع زيادة عدد الأفراح والأعياد، ولكن مع دخول شهر رمضان يكون لعملهم طابع خاص يقتصر على سرادقات العزاء، أو موائد الرحمن، التى قلت بشكل كبير مع اشتراط الحكومة الحصول على ترخيص مسبق لإنشاء مائدة الرحمن. صابر بدوى، عامل الفراشة، قال: إن شهر رمضان فى السنوات الماضية كان مصدر رزق كبير لهم لكثرة عملهم فى إنشاء وتجهيز موائد الرحمن فى الشوارع والميادين، ويزداد النشاط فى المناطق الشعبية، وكان السعر فى المتناول، ما بين 1500 إلى 2000 جنيه لنصب «الصوان» طوال الشهر، ولكن هذا العام قلّ النشاط بشكل كبير بل بات أشبه بالمستحيل، لعدة أسباب منها قرار الحكومة بضرورة الحصول على ترخيص لإنشاء مائدة رحمن وهو ما دفع كثيراً من المواطنين للتكاسل عن إنشاء المائدة، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذى ضرب السوق، وجعل بعض الميسورين نحو مستويات الفقر وعدم القدرة على إنشاء مائدة، والآخرون يحرصون على ما لديهم من أموال، خشية مفاجآت الأيام المقبلة. وقال أحمد فتحى، عامل فراشة: إن سعر إنشاء «الصوان» هذا العام لا يقل عن 3500 جنيه، لتعويض الخسائر التى يتعرضون لها خلال شهر رمضان، مشيراً إلى أن العام الماضى نصبوا ما لا يقل عن 20 مائدة رحمن، ولكن هذا العام لا يتعدى 7 موائد فقط. وأضاف: الحكومة علمت الناس البخل، وكل واحد بقى خايف على الفلوس اللى فى جيبه، واللى عارف لازم يجيب تصريح وفيه اللى بيكسل يتعب نفسه علشان يأكل الغلابة. المقاهى خاوية ساعات طوال يغلقون فيها المقاهى احتراماً لقدسية الشهر الكريم، ومع أذان المغرب يسارعون لفتح مصدر رزقهم، حتى يحاولوا التحصل على بعض الأموال قبل الساعات الأخيرة من فترات السحور، خسائر مالية تعرض لها أصحاب المقاهى مع شهر رمضان، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار وبات المواطنون أقل تردداً على المقاهى لتوفير أموالهم. قال سالم على، صاحب كافيه فى شارع السودان: إنه مع شهر رمضان يتعرض لخسائر فادحة تصل لآلاف الجنيهات، نظراً لقلة عدد ساعات العمل التى تراجعت للنصف، مشيراً إلى أنه فى شهر رمضان يقتصر العمل على الفترة من أذان المغرب حتى الفجر. وأوضح صاحب الكافيه أن عدد الزبائن انخفض للنصف هذا العام، مقارنة برمضان الماضى، بعد حالة الغلاء الفاحش التى سادت فى الفترة الأخيرة، وجعلت المواطنين يحرصون بشكل كبير على أموالهم وباتوا يقتصدون فى صرفهم للمال. وأضاف: اللى كان بيشرب 5 طلبات بقى بيشرب طلبين، واللى كان بيسحب فى القاعدة الواحدة 50 جنيه بقى آخره 20 جنيه، ده غير إن فيه ناس تانى أصلاً بيكتفوا بشرب الشاى فقط وطلب واحد وبيمشوا. وقال أحمد صابر، صاحب مقهى بمنطقة المهندسين: العيشة بقت صعبة جداً والزبائن قلت، ورمضان السنة دى صعب جداً وتقريباً محدش حاسس بيه، زمان كان عدد ساعات العمل بعد الفطار بيكفى مصاريف القهوة دلوقتى مش بيكفى والله، وتقريباً عدد الطلبات اللى بتخرج فى الليلة قلت للنص. وأشار إلى أن دخل المقهى لم يعد يكفى تكاليف التشغيل من كهرباء ومياه، وغيرها لتغطية شراء المستلزمات من السكر والشاى والبن والمشروبات الغازية وغيرها من اللوازم. وقال سعد حواس، صاحب مقهى بأرض اللواء: إن نشاط المقاهى فى شهر رمضان متوقف على الزبائن السودانيين الذين قد يجلسون لساعات طويلة على المقاهى ويطلبون مشاريب قد تغطى بعض الشىء تكاليف المقهى من شراء مستلزماته، ولكن المصريين باتوا يقصرون الإنفاق على شراء مستلزمات شهر رمضان. وأضاف: مشاريب الشخص دلوقتي لا تزيد على ال20 جنيهاً، مقارنة برمضان العام الماضى، فكان رواد المقاهى يجلسون لساعات طويلة تحديداً من بعد صلاة التراويح وحتى السحور، ويصرفون عشرات الجنيهات فى الجلسة الواحدة، ولكن هذا العام ومع الغلاء الشديد الذى ساد الأسواق بات المواطنون أكثر حرصاً فى الإنفاق، والبعض منهم يريد التنفيس عن أنفسهم على المقاهى فقط، ولا تزيد تكاليفه على طلب أو اثنين فقط.