وزراء ومحافظون ورجال أعمال ونواب ولواءات ينهبون آلاف الأفدنة..و1.3 مليون فدان بهيئة التعمير.. تحت أمر اللصوص «فيه ناس فاكرة نفسها فوق القانون وفوق الحق.. وأنا أقول مفيش حد فوق القانون إلا القانون نفسه ومفيش حد فوق الحق إلا الحق.. واللى واخد أرض الدولة لص ومغتصب وحرامي، أيا كان هو مين.. ومنبقاش رجالة ولا عندنا مروءة لما نسيب حد يأخد أرض الدولة حتى لو كانت متر.. وطول ما أنا فى منصبى لن أسمح لكائن من كان أن يأخذ شيء ليس من حقه».. هذه العبارات هى نص ما قاله رئيس الدولة عبدالفتاح السيسي، وهو يتحدث عن استرداد أرض الدولة خلال مشاركته فى افتتاح عدد من المشروعات فى دمياط مؤخرًا(الثلاثاء)." ومن يستمع لكلام الرئيس لابد وأن يسأل : من يقصدهم الرئيس؟.. من هؤلاء الذين يتصورون أنفسهم فوق القانون؟.. ومن أين يستمدون القوة التى تجعلهم فوق القانون؟.. ثم لماذا قال الرئيس هذا الكلام الآن تحديدا؟.. ولمن يوجه رسالته؟ إجابة كل هذه الأسئلة تأخذنا إلى حرب تحرير أراضى الدولة، التى أعلنها الرئيس على حيتان الأراضى. وهى الحرب التى أعلنها مكلفًا كل أجهزة الدولة باستعادة أرض مصر من مغتصبيها، قبل نهاية شهر مايو الجاري، أى بعد 6 أيام فقط من اليوم. وعندما يخرج رئيس الدولة ، وسط تلك المعركة، ويقول إن هناك من يتصورون أنفسهم فوق القانون، فهذا معناه ببساطة جدا أن عمليات التحرير، لم تقترب بعد ممن يتصورون أنفسهم فوق القانون، لأنها لو كانت قد طالتهم لما كان الرئيس فى حاجة لأن يقول ما قاله والمؤكد أيضا أن الرئيس لم يكن يقصد برسالته تلك التحدث إلى « اللى فاكرين نفسهم فوق القانون » فقط، فأغلب الظن أنه كان يقصد برسالته أيضا أجهزة الدولة التى تخوض تلك المعركة.. وكأنه يريد أن يقول لهم لا تتردوا ولا تخافوا من أى مغتصب لأرض الدولة، لأنه فى الحقيقة حرامي، ولص، مهما كان اسمه أو رسمه أو منصبه. وعندما يرسل الرئيس رسالة تحمل هذا المعنى لأجهزة الشرطة والجيش والمحليات والمحافظات، فلابد وأن معلومات ما قد وصلته تقول إن تلك الأجهزة تخشى من نفوذ وسطوة وقوة بعض مغتصبى الأراضي، ولهذا لم تقترب بعد من أراضيها. ومن يبحث ويدقق فى بيانات الأراضى المنهوبة فى مصر، فسيجد أمامه حقيقة واضحة وضوح الشمس، تقول إن مغتصبى أراضى الدولة 4 فئات: حيتان كبيرة، ثم حيتان صغيرة، يليهم الأسماك الكبيرة، وأخيرا الأسماك الصغيرة . والفئة الأخيرة تضم أشخاصا عاديين، استغلوا إهمال المسئولين، وثغرات القانون، وفساد الموظفين ووضعوا أيديهم على مساحات صغيرة، ومتناثرة من الأراضي.. وأغلب هؤلاء بنوا فوق تلك الأراضى مباني أو منشآت. أما فئة الأسماك الكبيرة، فتضم مغامرين حالمين بالثراء الكبير والسريع، نظروا حولهم فوجدوا مسئولين كبارًا استولوا على أراضى الدولة، وحققوا منها أرباحًا خيالية، دون أن يمسسهم سوء، فأرادوا أن يسيروا على ذات الدرب، عسى أن ينالوا من الثراء نصيبا، فوضعوا أيديهم على أراضى الدولة التى تديرها الهيئات الحكومية المختلفة وعلى رأسها أراضى الأوقاف وأراضى السكة الحديد.. ومن هؤلاء من استولى على 217 فدانًا من أراضى هيئة السكة الحديد بمنطقة « ابو زعبل » بالقليوبية.. هذه الأراضى كانت تحوى مباني ومزارع تابعة للهيئة إلا أن أشخاصًا استولوا عليها، وأزالوا ما عليها من أشجار ومبانٍ ثم قسموا الأرض إلى قطع وباعوها كأراضى بناء، وبعضهم بنى عمارات، وباع شققها، محققا من وراء ذلك عشرات الملايين من الجنيهات. وآخرون استولوا على 1543 شقة من شقق السكك الحديدية بمناطق أبو زعبل والمرج. كانت مخصصة لتسكين أسر العاملين بهيئة السكك الحديد . أما الحيتان الصغيرة، فانطلقت إلى فضاء أوسع وراحت تضع يدها على أراضى الدولة الممتدة بطول الطرق الجديدة التى تم إنشاؤها خلال العقود الأخيرة، ولأنها لا تزال حيتان صغيرة اكتفت بالحصول على مئات الأفدنة فقط، وبعضهم حاول تقنين وضعه الجديد، مقابل سداد مبالغ زهيدة والبعض الآخر لم يفكر حتى فى التقنين!.. أما الحيتان الكبيرة فلم يشبعها الاستيلاء على المئات، ولكنها وضعت يدها على آلاف الأفدنة، وبعضهم استولى على عشرات الآلاف من الأفدنة، ليس فقط حول الطرق الصحراوية، ولكن أيضا داخل كردونات المدن الجديدة، وفى مناطق الأراضى المستصلحة حديثاً. ومن يتابع بدقة عمليات استعادة أراضى الدولة التى يتم تنفيذها فى كل محافظات مصر، سيكتشف بسهولة أن الغالبية العظمى من الأراضى التى تم تحريرها، كانت من الأراضى التى نهبها مغتصبون من فئات الأسماك الصغيرة والكبيرة، وقليل منها وقعت على أراضى الحيتان الصغيرة، أما الأراضى التى اغتصبها الحيتان الكبيرة، فلم يقربها أحد حتى الآن... ربما فى القريب العاجل عندما تقوى الأيادى المرتعشة.. ولا تخشى الحيتان. ذات الحقيقة وقعت عليها «الوفد» بعد جولة طفت فيها على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وداخل عدد من المدن الجديدة فى محافظاتالقاهرة الكبرى، ومحافظة المنوفية. وكشفت الجولة أن حيتان الأراضى فى مصر، لم يقترب منهم أحد، وكأن لسان حالهم يقول بكل فجور « مين يعادينا.. فى أراضينا». والمؤكد أن ذات الحقيقة علم بها رئيس الدولة ولهذا، قال الثلاثاء الماضى إنه لا أحد فوق القانون، ليحفز كل من يشارك فى تحرير الأرض المغتصبة لتحرير كل الأراضي، من كل الحيتان الصغيرة والكبيرة . والسؤال : ما الذى جعل أجهزة الدولة مترددة وخائفة وعاجزة - حتى الآن - عن تحرير الأراضى المنهوبة من الحيتان؟.. الإجابة لها علاقة بنفوذ هؤلاء الحيتان، وسطوتهم وقوتهم، صحيح أنهم لصوص وحرامية، كما وصفهم رئيس الدولة ذاته، ولكنهم أيضا أصحاب نفوذ وسطوة وقوة وثروات بالمليارات! أغلب ثرواتهم تلك حققوها من الأراضى التى اغتصبوها، أو حصلوا عليها بجنيهات قليلة، لاستصلاحها وزراعتها، ولكنهم لم يستصلحوها أو يزرعونها، وإنما باعوا أجزاء كبيرة منها على أنها أراضي بناء، فحققوا مليارات الجنيهات، وببعض هذه الأموال اشتروا ذمم بعض الموظفين والمسئولين، فداروا فى فلكهم وأصبحوا يأتمرون بأمرهم! وبحسب تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات فإن قائمة حيتان الأراضى فى مصر تضم وزراء سابقين ومحافظين ومسئولين تنفيذيين، ورجال أعمال مشاهير، ونواب برلمان حاليين وسابقين، ورياضيين وفنانين، ولواءات. على رأس القائمة رجل أعمال شهير حصل قبل ثورة يناير على أراضٍ ليس بالفدان وإنما بالكيلو مترات.. فى غرب خليج السويس، وطريق السويس والتجمع الأول، وحتى كتابة هذه السطور لم تقربه حرب التحرير. رجل أعمال آخر كان قريبًا من نظام مبارك يضع يده على 34 ألف فدان فى مناطق متقربة فى مصر.. رجل أعمال آخر قريب من نظام مبارك حصل على على 10 آلاف فدان وثالث حصل على 17 ألف فدان.. وثلاثتهم لم تقربهم حرب التحرير. حرب التحرير لم تقترب أيضا من قائمة طويلة من حيتان الأراضى تضم رجل أعمال شهيرًا جدا يضع يده على 10 آلاف أفدنة فى محافظة الجيزة وحدها، وآخر حصل على 2045 فدانًا فى مدينة أكتوبر وحدها، و3 رجال أعمال كل منهم يضع يده على 20 مليون متر مربع من أراضى شمال غرب خليج السويس، ومسئولًا سابقًا استولى على 2755 فدانًا، ووزيرًا سابقًا حصل على 922 فدانًا فلم تكفه، وبنفوذه حصل على 200 فدان أخرى، فلم تكفه، فحصل للمرة الثالثة على 190 فدانًا، فلم يشبع وحصل على 310 فدادين، وكانت هذه هى آخر ما حصل عليه، ليس لأنه ارتضى بما معه ولكن لأن ثورة يناير اندلعت فلم يعد يملك نفوذا يسمح له بالحصول على المزيد! قائمة الحيتان التى لم تقربها حرب تحرير الأرض تضم أيضا عضو برلمان حاليًا حصل على 5 آلاف فدان من أراضى قرية المراشدة التى شهدت قرار الرئيس السيسى بإعلان حرب تحرير الأرض المنهوبة، وفى ذات القرية حصل نائب برلمانى حالى على 10 آلاف فدان ونائب آخر حصل على 20 ألف فدان.. ولم تصل أراضيهم حرب التحرير حتى الآن! حتى لاعبو الكرة استهوتهم لعبة الأراضي.. لاعب معتزل منذ سنوات طويلة، وعدد من أصدقائه حصلوا على 1500 فدان بطريق مصر إسكندرية الصحراوي. نائب برلمانى حالى أيضا يضع يده على مئات الأفدنة على طريق مصر إسماعيلية الصحراوى ولم تقربه حرب التحرير. وحتى ندرك حجم الأراضى التى يستولى عليها الحيتان يكفى أن نشير إلى أن المساحات التابعة للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، والمتاح التصرف فيها، تبلغ3,4 مليون فدان، وتم التصرف فى 2,1 مليون فدان بنسبة 68,8% والباقى ومساحته 1,3 مليون فدان متروك نهبا للحيتان الصغيرة والكبيرة! وفى الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر تم توزيع 2009 فدان على وزراء سابقين وبرلمانيين، سابقين ورجال أعمال، على أساس أن كل تلك المساحة أراضٍ زراعية، ولكن ما تم زراعته حتى الآن يزيد قليلا على 1% من تلك الأراضى. نفس الحال تكرر فى أغلب المدن الجديدة، التى تم بيع حزامها الأخضر على أنه أرض بناء، ولكن المشترين حولوها لأراضى بناء تحت سمع وبصر جميع المسئولين! وفى مدينة السادات الجديدة كانت الكارثة كبيرة لدرجة أن 70 ألف فدان من أراضى المدينة تم الاستيلاء عليها - بحسب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات- هذه المساحة تعادل 57,4% من إجمالى مساحة المدينة، وقيمتها حاليا تتجاوز 161,5 مليار جنيه. وفى مدينة العبور الجديدة تم اغتصاب 16 ألفًا و9 أفدنة، فيما تم الاستيلاء على أراضٍ قيمتها 10 مليارات جنيه فى المنيا الجديدة، و5 مليارات جنيه فى القاهرة الجديدة و3,8 مليار جنيه فى أسيوط الجديدة. .. ورغم هذه المليارات الضائعة، ورغم أن قائمة حيتان الأراضى معروفة، ومحددة، استنادا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات.. ورغم أن حرب تحرير الأرض لم يعد يتبقى منها سوى 6 أيام فقط.. إلا أن الحيتان مازالوا فى أمان. مجدى سلامة تصوير : أحمد حمدى