مصطلح «قوى الثورة» في مصر أصبح يحتاج إلى تعريف، فقد تابعنا خلال الأيام الماضية عدة مواقف متباينة لتلك القوى بشأن مناسبة 25 يناير، فمن قائل إن العسكر ينبغي أن يسلموا السلطة في ذلك اليوم إلى رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وقائل إن ذلك اليوم ينبغي أن تطلق فيه الثورة مرة ثانية، وقائل بأن الثوار يجب أن يعتصموا في ميدان التحرير حتى يتم تحصيل حق الشهيد، ودعت مجموعة أخرى إلى إعلان «ميثاق التحرير» في ذلك اليوم. لست في مقام مناقشة تلك الأفكار، لكني فقط أردت التدليل بها على حالة تشرذم التي تعاني منها قوى الثورة، التي تكاثرت كالفطر منذ نجاحها وسقوط الرئيس السابق في فبراير من العام الماضي، ولا أعرف بالضبط عدد الائتلافات التي أفرزتها الثورة، لكني أجد إشارات لها في بعض الكتابات تراوحت بين مائة ومائتي ائتلاف، ورغم تعدد الأسباب الموضوعية أو الشخصية التي أدت إلى ذلك التشرذم، إلا أن ذلك ليس أمرا مزعجا إلا في حالة واحدة، هي أن تكون النتيجة إضعاف تلك القوى وإفقادها القدرة على التأثير بما يخدم أهداف الثورة. قبل أن أستطرد أنبه إلى أن قوى الثورة ليست وحدها التي باتت بحاجة إلى تعريف، لأن الساحة المصرية باتت مليئة بالعناوين والمصطلحات التي باتت تفتقد بدورها إلى الضبط والتعريف. فنحن لم نعد نعرف من هم الليبراليون بعدما أصبح بعضهم ضد الديمقراطية ومع الإقصاء، ولا من هم اليساريون بعدما رأينا بعض رموزهم متحالفة مع الاستبداد والأجهزة الأمنية ورافضه لاختيار الجماهير العريضة، كما أننا لم نعد نعرف بالضبط ما هي القوى السياسية في البلد وهل هي كل من رفع لافتة وأقام بعض الهياكل التي أثارت الضجيج من حوله أم أن معيار القوة هو رصيد هذه الفئة أو ذلك «الزعيم» في الشارع، ثم ما هي النخب، وهل هي فقط التي تظهر في البرامج التلفزيونية ولا حضورها الدائم على صفحات الصحف والمجلات. أيضا كيف يصبح المرء فقيها قانونيا أو دستوريا، وهل يكفي في ذلك أن يحمل لقبا علميا أو يتكرر ظهوره في المناسبات العامة وتحمله شلة على أكتافها حيثما ذهبت.. إلخ. في الهرج الذي يحدث عادة عقب التحولات التاريخية والمنعطفات الاجتماعية المهمة تتوزع الألقاب بالمجان، ويستغرق الأمر وقتا لكي يتعرف الناس على ما هو أصيل وما هو منتحل أو دخيل، لكنى وجدت أن مصطلح قوى الثورة له وضع خاص، إذ يفترض أن تلك هي الطليعة التي حملت مبادئ الثورة وفجرتها، وهى التي ينبغي أن تواصل دورها في الدفاع عن تلك المبادئ حتى تحقق الثورة أهدافها. أدرى أنه ساعد على تمييع المصطلح وتفكيكه أن الثورة لم يكن لها من البداية رأس أو تنظيم موحد، وان الفضاء المصري كان مسكونا بالاحتقان وان الزيت كان يملأ كل الساحات، حتى إذا ما إن بلغته إحدى الشرارات حتى اشتعل الحريق وانتشر، وأمسكت النار بتلابيب النظام الذي انهار بسرعة، لكننا وقد شرعنا في إقامة قواعد النظام الجديد، بعد انتخاب مجلس الشعب والإعداد لاستكمال تسليم السلطة إلى المدنيين صرنا نفتقد حضورا فاعلا وقويا لقوى الثورة، التي أراها موزعة بين تحالف الثورة مستمرة وحزب التيار المصري ومجموعة التيار الرئيسي وائتلاف شباب الثورة، وفي حدود علمي فإن تلك الكيانات استوعبت خليطا من العناصر الوطنية النبيلة التي إذا ضمت جهودها جنبا إلى جنب لشكلت قوة سياسية حقيقية تضاف إلى الصف الأول من الجماعة الوطنية المصرية. إننا نرى أفرادا معدودين من قوى الثورة في مجلس الشعب الذي تم انتخابه، ولست أشك في أن اجتماع تلك العناصر في تشكيل واحد كان يمكن أن يحقق لهم حضورا أفضل ودورا أقوى، ولا أعرف ما إذا كانت رموزهم قد استوعبت الدرس أم لا، لكنني أتمنى أن تنجح جهود التئامهم في كيان واحد، لكي يتجاوزوا حالة التشرذم الراهنة، ولكي يخوضوا بتجمعهم انتخابات المجالس المحلية، التي تتيح لهم فرصا اكبر للالتحام مع المجتمع وتجاوز حالة «النخبوية» التي عادة ما تعزل المثقفين عن المواطنين العاديين عن الشارع، ولم يعد سرا أن النجاح الذي حققه السلفيون في الانتخابات له أسباب متعددة، في مقدمتها أنهم كانوا مع الناس في الشارع طول الوقت، فعرفهم الناخبون بأكثر مما عرفوا بقية القوى والأحزاب القاهرية. إن التحدي الذي تواجهه قوى الثورة الآن هو أن تتجاوز الشرذمة وتنجح في الاحتشاد، لكي نسمع لها صوتا واحدا. ولا سبيل إلى إنجاح ذلك الجهد إلا بنبذ الخلافات والطموحات الشخصية والتمسك بشعار الثورة أولا. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية