الشعار المرفوع على المشهد المصرى خلال الأيام العشرة الماضية هو إنه لا تراجع ولا استسلام..وهو شعار يرفعه شباب الثورة من ناحية وترفعه قوة الدولة من الناحية الأخرى ...وفى هده الحالة تبدو عودة الامور الى طبيعتها أمراً بعيدا حتى وان حدث مايوحى بذلك من مظاهر مثل انسحاب الشباب من ميدان التحرير أو باستجابة الدولة لكل مطالبهم ! . والمؤكد إن هناك من يعمل على استمرار هده الحالة من الجانبين ، والدلائل على ذلك كثيرة ، وقبلها فإن الصورة تقول إن الرئيس مبارك أقدم على قبول الكثير مما كان يرفض مجرد مناقشته مثل تعيين نائب للرئيس ، كما أعلن إنه لا ينوى الترشح لفترة رئاسة قادمة وعزز ذلك بتأكيد من النائب عمر سليمان بأن لا الرئيس و لا أى أحد من أفراد اسرته سوف يترشح فى الانتخابات المقبلة ، وهو مايعنى انتصار شباب الثورة الدين نالوا شرف القيام بالثورة وتحملوا بصمود مذهل كل محاولات اجهاضها وتصفيتها بداية من العنف المفزع لقوات الامن المركزى بكل ما تملكه من أدوات العنف التى بدأتها بخراطيم الماء وانهتها بالرصاص الحى وبينهما القنابل المسيلة للدموع والعصى الكهربائية ، ثم التصدى لحملات الترويع والتجويع..الترويع بالبلطجية والهاربين من السجون وعصابات الحمير فوق ظهور الخيل والجمال ، والتجويع بإنعدام السيولة فى ظل بنوك مغلقة ومتاجر إما منهوبة أو مغلقة من الخوف. وهنا كان يمكن مع ما قدمه الرئس أن تكون هناك نقطة توقف يتدخل عندها العقل والعقلاء من أجل مستقبل مصر..ولكن كان هناك - ومازال - من يقاتلون بمبدأ لا تراجع ولا استسلام ولا فرصة واحدة للعقل لكى يتدخل ، ولكل منهما اسبابه وحساباته ، فعلى جانب الرئيس كان هناك ومازال رجال- ولست واثقا من أنهم يستحقون وصفهم بالرجال- يقاتلون فى سبيل البقاء الذى يرتبط فقط باستمرار الرئيس ومن بعده نجله ، فقد استثمروا فى سبيل ذلك الكثير وحققوا من الثروة الحرام الكثير جدا ، وهم لا يتصورون مصر جديدة ولا يقبلون بها لأنهم أول من يدرك عن يقين أن ما ينتظرهم هو الحساب ثم العقاب ، وإدا كان فى رصيد الرئيس ما يحميه ويشفع له وهو ما بدا واضحا عاطفيا بعد بيانه الاخير ، فإن كل ما فى رصيد الاخرين يرشحهم وبعدل ربنا للإعدام بالخوازيق وهم يرون بأعينهم البشائر ..فهاهى بعض رموزهم تتهاوى..رموز الثروة من أمثال المغربى وجرانة ورشيد ورموز السلطة مثل حبيب العادلى ورمز الثروة والسلطة معا مثل أحمد عز وقد بدأ معهم مشوار الحساب وبعده بالضروره سوف يأتى العقاب.. وإذا كانت هده هى البداية .. فإن الباقيين يدركون تماما مادا ينتظرهم وهم لذلك يقاتلون يكل شراسة ، وهم أحرص على استمرار الرئيس أكثر من الرئيس نفسه ، ومن هنا شعارهم أنه لاتراجع ولا استسلام . أما على الجانب الآخر حيث يقف شباب الثورة .. فإن شعار لا تراجع ولا استسلام يستند فى الاساس على شعور يرقى إلى درجة اليقين بفقدان الثقة فى كل ما يقال لهم وأن خطوة واحدة للوراء سوف تكون الخطوة الاخيرة و ليس بعدها سوى ضياع كل شيء بداية من مستقبلهم شخصيا وانتهاء بالثورة وما تحقق ، وهم يرون على أرض الواقع ما يؤكد هذا اليقين من وعود لا تتحقق ومن محاولات للتصفية واعلام حكومى يسعى لتلويث ثورتهم النبيلة ، ومن حول ذلك ضغوط من قوى كثيرة تسبب بطء النظام فى وصولها إلى كتلة الشباب تسعى لتحقيق أهدافها ..وهى قوى تمثل أحزاباً كرتونيه هزيلة تعيش على ما كان يقدمه لها الحزب الحاكم من فضلات وتعلم أنها لا تملك أى وجود على الساحة السياسية أو الشارع فى مصر وأنها مجرد ديكور من قماش ملون يتجمل به النظام حتى يبدو وكأنه نظام ديمقراطى ، وجاءت ثورة الشباب ووقوف مصر الشارع معهم فرصة جبارة عليهم انتهازها ، وبجانب هده الاحزاب الهزيله تقف جماعة الاخوان المسلمين التى كانت محظورة ثم اصبحت بعد أيام من ثورة الشباب مشروعة و غير محظورة ، بل وأصبحت مدعوة للحوار!! وبعد أن كانت المحظوره سابقا تحلم بمجرد أن يسمعها النظام اصبحت اليوم تدعى للحوار فتتمنع ثم ترفض.. وفى المشهد شخصيات ورموز تبحث عن دور وتحلم بمكان على المسرح وتتلهف على شعاع من الاضواء ، والمؤكد أن كل هؤلاء بداية من الاحزاب الكرتونية إلى الجماعة التى لم نعد نعرف هل هى شرعية أم محظورة ومعهما كل الشخصيات الباحثة عن دور على أكتاف الشباب يلوثون تلك الحركة الشبابية النبيلة وهم عبء عليها يأخدون من رصيدها ويسيئون إليها.. ولكن السؤال هو : هل من مصلحة هذه المحظورة أو تلك الاحزاب الكرتونية أو هذه الشخصيات الباحثة عن دور وضوء أن يتراجع شباب الثورة أو يعطون فرصة لحوار عاقل وهادىء؟؟ فما بالك بمن يطلب منهم ان يعودوا إلى منازلهم وهو بالنسبة لهم معناه الاستسلام.... وبذلك نحن أمام مشهد يرفع فيه الكل شعار لا تراجع ولا استسلام..وعندما يكون شعار كل طرف هو لا تراجع ولا استسلام وهناك حول كل طرف من يشجعه على ذلك يصبح السؤال هو : ثم ماذا بعد ؟؟؟؟؟ نكمل غداً .. لبيب السباعى