موعد انطلاق المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025    جمال الكشكى: دعوة الوطنية للانتخابات تعكس استقرار الدولة وجدية مؤسساتها    ارتفاع الأسهم الأوروبية بعد قرار «المركزي» تثبيت أسعار الفائدة    "المشاط" تدعو الشركات السويسرية لاستكشاف الإصلاحات وزيادة استثماراتها في مصر    "كان نفسي أقرأ في المصحف".. سيدة أسوانية تودع الأمية في ال 76 من عمرها    الزيارة الثانية خلال يوليو.. الباخرة السياحية "AROYA" ترسو بميناء الإسكندرية -صور    وزير البترول : إرسال طائرتى هليكوبتر من مصر لقبرص لإخماد حرائق غابات ليماسول    وزير الخارجية يؤكد على رغبة مصر في زيادة حجم التبادل التجاري مع مالي    ويتكوف : قررنا إعادة فريقنا من الدوحة لإجراء مشاورات بعد رد حركة حماس "الأنانى"    قالت إن "زوجته وُلدت رجلا وستموت رجلا".. ماكرون يقاضي ناشطة أمريكية    إعلام فلسطيني: استشهاد 19 ألف طفل خلال الحرب على قطاع غزة    مصر تستهجن الدعاية المغرضة التي تستهدف تشويه دورها الداعم للقضية الفلسطينية    الرئيس الإيراني: نواجه أزمة مياه خانقة في طهران    الزمالك يكشف تفاصيل إصابة صلاح الدين مصدق وبنتايك    إندريك أم جونزالو جارسيا.. من يرتدي الرقم 9 في ريال مدريد؟    تطورات صفقة انتقال حامد حمدان للزمالك .. سر وعد جون إدوارد للاعب الفلسطيني (خاص)    "ابن أصول".. الغندور يعلق على رحيل مصطفى شلبي عن الزمالك    وفاة المصارع الأمريكي هوجان    أبو تريكة قدوتي.. أول تعليق لإبراهيم عادل بعد انضمامه للجزيرة الإماراتي    عم الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا: التحقيقات مستمرة والنيابة لم تكشف عن أسباب الوفاة إلى الآن    الأرصاد: طقس شديد الحرارة غدا نهارا حار ليلا والعظمى بالقاهرة 40    بالصور.. إصابة شخصين في تصادم 3 مركبات على طريق حيوي بالمنوفية    الداخلية تضبط 599 قائد دراجة نارية خالفوا ارتداء الخوذة    الأمن يضبط 4 ملايين جنيه من تجار العملة    أول صورة للزوجة ضحية الميراث في الفيوم.. شقيق ينهي حياة أخيه وزوجته    إقبال جماهيري كبير على المتاحف والمواقع الأثرية بالإسكندرية    بعد فتحها مجانًا.. إقبال على المواقع الأثرية في عيد الإسكندرية (صور)    25 يوليو.. "يانغو بلاي" تعرض "ريستارت" بطولة تامر حسني    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    ما كفارة التهرب من دفع تذكرة القطار أو المترو؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يحاسب الإنسان على المحتوى المنشور على السوشيال ميديا؟ أمين الفتوى يجيب    "الصحة" تتخذ خطوات للحد من التكدس في المستشفيات    جولة مفاجئة لوكيل صحة المنوفية.. ماذا وجد فى مستشفى حميات أشمون؟    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي ال17 لمناظير المخ والعمود الفقري (INC 2025)    «خطافة رجالة».. غفران تكشف كواليس مشاركتها في مسلسل فات الميعاد    أحمد سعد يطرح «اتك اتك» من ألحان مدين ضمن أغاني ألبومه الجديد    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: «التأمين الصحى» تبحث تطبيق المنظومة.. و40 طريقة صوفية تحيي الليلة الختامية ل«المرسى أبوالعباس»    «هجرة» و«ملكة القطن» و«رقية».. ثلاثة أفلام عربية تشارك في مهرجان فينيسيا السينمائي بدورته ال82    شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    تشغيل كامل لمجمع مواقف بني سويف الجديد أسفل محور عدلي منصور    وزيرة التضامن تثمن جهود النيابة العامة وزياراتها لدور الرعاية بالجمهورية    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    غدًا.. "شردي" ضيفًا على معرض بورسعيد الثامن للكتاب    27 يوليو.. غلق باب التقدم على 36 مصنعاً بمدينة الجلود بالروبيكي    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    أمين الفتوى: لا يجوز التصرف في اللقطة المحرّمة.. وتسليمها للجهات المختصة واجب شرعي    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    نهاية لمعاناتك.. طرق فعالة للتخلص من الأرق وقلة النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عمرو عبدالسميع يحاور المفكر الإسلامى فهمى هويدى «1»..المجلس العسكرى لم يكن شفافاً بما فيه الكفاية ولو قلنا له مع السلامة فماذا سنفعل بعد ذلك ..؟
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 12 - 2011

البلد كله فى صراع: أحزاب وائتلافات.. إسلاميون وعلمانيون.. يساريون وليبراليون وإخوان.. أصول وانشقاقات.. فلول ومستجدون.
وحول تجليات ذلك الصراع وآفاقه حاورت الأستاذ فهمى هويدى فى أول أيام العملية الانتخابية، فقدم فى هذا الحديث رؤيته النقدية لأداء المجلس العسكرى، وأدان التشدد العلمانى والليبرالى غير الديمقراطى ضد الإسلاميين، وسجل ملاحظاته عن جدل القوى السياسية المصرية حول العلمانية، كما قدم اقترابًا بالمقارنة بين تونس ومصر وحالة عبور الانتخابات البرلمانية.
وهذا نص الحوار..
كتبت أنك لم تفهم تلك الدعوة التى أطلقها البعض لرحيل المجلس العسكرى دون أن يقدموا لنا بديلاً معقولاً، علمًا بأن التصويت فى الانتخابات هو خطوة فى الطريق إلى رحيل ذلك المجلس.. ومن ثم دعنا نسألك ما هو سر تلك الدعوة إلى رحيل العسكرى؟
- دعنا نقول - أولاً - إن المجلس العسكرى وقع فى أخطاء، ولم يكن شفافًا ولا صريحًا بما فيه الكفاية، يعنى وضع الناس أمام مجموعة من علامات استفهام أسفرت عن أزمة ثقة تم تعميقها، حين تحدث كوارث يقال إن المتسبب فيها هو «طرف ثالث»، من دون أن نعرفه، وقد قلت إن الطرف الثالث هذا ربما يكون موجودًا، ولكننا لن نصدق وجوده إلا حين يقدم لنا شخص ما أو جهة ما تفترض وجوده الدليل على ذلك.
ومن الصعب قبول بعض التصرفات من دون أن يمارس فيها المجلس العسكرى نقد الذات أو الاعتذار مثل ما حدث فى ماسبيرو، وما حدث فى التحرير، وفى الحدث الثانى لدينا 43 شهيدًا، لم نعرف - حتى اليوم - من الذى أصدر أمر الضرب، ومن الذى ضرب.
معلوماتى أن أمر فض الاعتصام فى ميدان التحرير الذى صدر صبيحة 19 نوفمبر الفائت لم يعلم به وزير الداخلية أو رئيس الوزراء.
الموجودون فى التحرير تلك اللحظة لم يبرحوا أماكنهم منذ أسبوع قبل فض الاعتصام، وبالتالى لم تكن هناك ضرورة للاستعجال.
يعنى كان المشهد وكأنك حملت عود ثقاب وأشعلت الميدان، فى توقيت كانت المشاعر متأججة.
ولم يعتذر أحد، بينما نحن نطالب باعتذار وحساب، ثم اعتذرت بخجل، وقلت: متأسفون، وقلت إن الذين ماتوا: «ضحايا»، ثم قلت: أعتذر وهم شهداء!
أنا أفهم أن التعامل مع الجيش وفى إطار العسكرية غير التعامل مع المجتمع، ففى القوات المسلحة كلمة القادة لا ترد، ولكن المجتمع لا يخضع لآليات الجيش. هؤلاء الناس يفكرون فى الكرامة ولا يفكرون فى السياسة، إذ لو قلنا للمجلس العسكرى مع السلامة، فماذا سنفعل بعد ذلك؟!
لابد أن يبقى المجلس حتى تتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ونحن ننتقد أداءه السياسى فحسب، أما حكاية «مع السلامة» فلا معنى لطرحها الآن.
ألا ترى معى أن المجلس العسكرى فى الفترة التى سبقت حدثى «ماسبيرو والتحرير» تحمل - ربما - أكثر مما تطيقه أعصاب هذه المؤسسة؟
- مالناش دعوة.. السياسى حين يتبوأ مقعده فإنه يضع عرضه أمام المجتمع، ولا يوجد شىء اسمه «يتحمل»، فالناس تحملت أكثر، والقول بأنه «تحمل» هو خطاب ينبغى أن يكون بمستوى مسؤوليته، فالجيش مسؤول عن المصير، والناس تخاطبه بشأن مصائرهم. أنا ضد أى تطاول على المجلس، وكتبت مرة محتجّا ضد التجاوز البذىء عليه، وقلت - ذات مرة - إن بقاء المجلس ضرورى ونقده ضرورى.
ولكننا لسنا جنودًا فى القوات المسلحة.. نحن مواطنون لنا حقوق، وإحدى مشكلات المسؤولية العامة أنها تعرض المسؤول لفيض من الانتقادات، ربما يصل إلى حد التجريح، وهذا ثمن لابد أن يدفعه وعليه أن يتحمل.
تدخل!
أستاذ فهمى.. موضوع التدخل الخارجى يبدو جليّا أمامنا فى أنساق عديدة.. ما تقييمك لعامل التدخل الأجنبى فى اللحظة الراهنة؟
- الخارج موجود فى مصر منذ اللحظة الأولى لإندلاع الثورة، وتاريخيّا الخارج يعتبر مصر رمانة ميزان العالم العربى، لا أحد سيترك مصر فى حالها بذلك المعنى، وسيتابعون وضعنا الديمقراطى.
كنت - مؤخرًا - فى تونس، ولكنها تمر بسهولة فى مصر فتونس بلد، ومصر أمة.
هذا غير حساسية علاقة مصر بإسرائيل. وأظن أن الخارج كان ضاغطًا لتسليم السلطة بعد الأحداث الأخيرة، فعلى امتداد الفترة الماضية كان الغرب مبسوطًا جدّا من أداء المجلس العسكرى، وهو ما ظهر بوضوح فى تقارير الصحافة الدولية، وقول مدير المخابرات الإسرائيلية السابق: «إن ما تغير فى مصر هو الحاكم وليس الحكم».
الخارج ليس قلقًا من المجلس العسكرى، ولكنه قلق من أن يصبح المجلس العسكرى مرفوضًا.
المثقفون الذين يحكون حكى الحماية الدولية، أقول بشأنهم إن مصر بلد كبير وفيه كل شىء، ولا ينبغى أن تزعجنا طروحهم، فما وزن أولئك الناس أساسًا؟!.. مصر مليئة بال «يفط» دون أوزان، يعنى فى إمكانك إطلاق محطة إذاعة أو حيازة قناة تليفزيونية، وتشترى ائتلافات، وتشيد منصات فى كل مكان، وتعلى صوتك، ولكن تعال وقل لنا ما مكانك فى الشارع. لدينا لافتات وأصوات عالية من دون وزن. ومن قالوا بالحماية الدولية أفراد.. ولذلك قبل أن نناقش أولئك الناس فلنقل لهم على رأى القذافى «من أنتم؟!».
هذا كله لا يمكن حسمه إلا بحدوث الانتخابات، فالتصويت هو الفيصل؟
- بالضبط.. فى تونس دخل الانتخابات 115 حزبًا، وصفصفت الأمور فى النهاية على خمسة أحزاب، وهكذا عندنا نستمع عن أن فلانًا زعيم حزب، ولكن تسأل: كم عضوًا يحتكم عليهم ميدانيّا. وأحيانًا أقرأ أن فلانًا يجتمع مع القوى السياسية، وأسأل نفسى ما تلك القوى السياسية؟!.. هى قوى سياسية بلا عضلات.. فيها من الغياب أكثر مما فيها من الحضور.. الانتخابات هى التى تحدد الأوزان.
كلمتنى حالاً عن الإعلام والمنصات وشراء القنوات والجرائد.. هل إلى هذا الحد أصبحت النخب السياسية المصرية قابلة للشراء؟!
- إحدى الإشكاليات الكبرى فى مصر الآن أن تعريف النخب صار يحتاج إلى إعادة نظر، ففى وقت من الأوقات كان «الكاتب الكبير» فى مصر واحدًا، اسمه عباس محمود العقاد، والآن لا يوجد شخص يحمل قلمًا إلا وبات «كاتبًا كبيرًا».. التطور الحادث فى الصحافة ووسائل الإعلام جعل من أى مبتدئ نجمًا تليفزيونيّا، والسياسة فى مصر - كلها - تدار بالتليفزيون، وحتى اختيارات صناع القرارات السياسية لشغل الوظائف العامة من وعاء الذين يظهرون على التليفزيون، فى برامج «التوك شو».
فكيف تحدثنى عن النخبة فى الوقت الذى لم يشكل فيه البعض حضورًا سياسيّا إلا من خلال ظهورهم فى برامج التليفزيون.
السياسة عندنا أصبحت تليفزيونًا، والتليفزيون يجعلك تطير فى الفضاء فى حين أن الناس تقف على الأرض، والسياسى ينخدع - أحيانًا - بالتحليق فى الفضاء، ولكنه يصدم حين يقترب من الأرض.
ائتلافات
كيف تقيم الضغط الذى مارسته بعض ائتلافات الشباب على رئيس الوزراء المكلف لاختيار عناصر من بينهم لعضوية الحكومة.. وكيف تنظر للحكومة التى شكلها التحرير كبديل عن حكومة الجنزورى، وأخيرًا ما رأيك فى مطالبات الإخوان المسلمين بنظام برلمانى بدلاً من النظام «الرئاسى/البرلمانى»؟
- حين طالت مدة المرحلة الانتقالية، ترهلت صيغة الحكم، وظن الناس أنهم صناع سياسة وصناع قرار، ولم يعد أحد يملأ عيونهم. ومما شهدت من عجائب حكاية تشكيل حكومة من الميدان، وكنت سمعت قبلها أحد النشطاء ينادى بكتابة دستور فى الميدان وغير ذلك من التخاريف... ومشكلة الثورة عندنا - حتى الآن - أنها ظلت جسمًا بلا رأس، وتصور أى شخص أنه يستطيع فعل أى شىء أو التفوه بأى كلام، وخصوصًا بعد الفراغ السياسى الحاصل، حيث زايد بعض السياسيين على الميدان، فهناك من رشحهم الميدان ورصيدهم لا يجاوز أنهم كانوا فى الميدان، طيب.. أنا لم أكن هناك مثلاً، ومرة ذهبت إلى التحرير أيام الثورة، وسألنى بعض شباب الثورة: «إنت مابتجيش ليه؟» فقلت لهم أنا منذ خمسين عامًا أراوح مكانى فى طروحى الرافضة، فيما أنتم لم تبدأوا إلا منذ أسبوعين.
التاريخ لم يبدأ من ميدان التحرير، وإنما صاغه مثقفون وسياسيون وأعلام وناس كافحت، وناس سُجنت.. «مش كده يا إخواننا»، ولكن لأن أحدًا لم يملأ عيون أولئك الشباب من الرموز الذين فرضوا أنفسهم، ولأنهم وجدوا أن هناك من أتى بفلوسه يقيم منصة وينشئ جريدة أو فضائية، فاستسهلوا أن يحلوا الرموز المخلقة والمصنعة الجديدة مكان أى من الرؤوس الكبيرة، وصرت تسمع من الشباب من يقول: «أنا لا يعجبى فلان وأريد فلانًا»، من أنت؟ ومن تطلع حضرتك - ولا مؤاخذة؟ ومن تمثل؟
فى ظل غياب إدراك الأحجام الحقيقية للقوى السياسية عنّ لكثيرين أن يتصدروا المشهد، فممدوح حمزة - مثلاً - أطلق كيانًا اسمه المجلس الوطنى، واختار أناسًا لعضويته، ويكتب على الخطابات أنه «أمين عام المجلس الوطنى».. ما هو ذلك المجلس الوطنى؟ ومن الذين يمثلهم؟ وكيف جاءت تلك الحكاية وراحت؟ لا أحد يعرف.
الفراغ السياسى أغرى كثيرين بالتقدم فى الخلاء الحاصل، وحين يكون الملعب فارغًا، فإن أى واحد يستطيع الادعاء أنه الكابتن. تأخرت الانتخابات البرلمانية لأن الساحة عجت بالكباتن الذين يريدون رئاسة الفريق.. المجلس العسكرى حدد الفترة الانتقالية فى البداية بستة أشهر على أن تجرى الانتخابات فى يونيو الماضى كما قدرت لجنة تعديل الدستور، وفى ذلك الوقت كان هناك - ومازال - قدر من الاحتشام فى العلاقة مع السلطة، ولكن حين استطالت الشهور الستة إلى تسعة أو عشرة.
وحتى حين يدخل الإخوان فى موضوع مثل النظام البرلمانى فإن انزعاجًا يداخلنى، فذلك موضوع قانونى ودستورى، وكان ينبغى عليهم ترك أمور كتلك للمختصين.
هناك محدودية فى الخبرة السياسية لم تسمح للجماعة بتحديد ما الذى يُطرح، والذى لا يطُرح.
وأقول للإخوان أو غيرهم: ادخلوا الانتخابات، وتحدثوا حديثًا محترمًا.. تونس «10 ملايين» فتعلموا منها، الناس اشتغلوا وعقدوا انتخابات، وعرفنا ما هى القوى التونسية الحقيقية، وبدأت تلك القوى الحقيقية مباشرة السلطة وتضع الدستور.
ضمن حملات التخوين من الإسلاميين هناك من يقول إن تجربة حزب «النهضة فى تونس غير قابلة للتكرار فى مصر» وإن ما نراه هناك هو استيلاء حالة سياسية من رحم ثقافة أخرى تلاقحت مع العالم الأوروبى والفرنسى.. أنظر ماذا ترى؟!
- هناك من يقول إن السياسيين التوانسة حين هاجروا إلى أوروبا نظفوا عقولهم، وهذا غير صحيح، لأنهم قبل أن يهاجروا تعال وانظر إلى ما كتبه راشد الغنوشى فى الثمانينيات، وهو - بالضبط - ما يقوله الآن، ولكننى أعتقد - وتلك مسألة لم أتأكد منها بعد ولكنها فى بالى على أية حال - أن الحركة الإسلامية فى مصر أو المشرقية عمومًا متأثرة كثيرًا بالحركة السلفية الوهابية السعودية، وهذا التأثير لم يصل إلى المغرب.
السلفية كلمة واسعة ولكنها تختزل الإسلام فى مجموعة مظاهر بمعنى الالتحاء وتقصير الجلباب، واستعمال السواك، وبعدها يحمل الإنسان ختمًا بأنه صار سلفيّا.
الحركة الإسلامية فى المغرب لم يبلغها هذا التأثير، بسبب البعد أو لأن السلفية السعودية وجدت فى مصر فراغًا هائلاً أيام عبدالناصر، إذ لم تكن هناك حركة إسلامية، باستثناء الإخوان المسلمين، الذى عانوا من السجن والإبعاد البدنى عن حركة المجتمع، فلم نر منذ 1952 وعاء إسلاميّا لحركة مشروعة تربى الناس، فأصبح لديك محيط قلق من الناس يتمدد فيه - الآن - كل ما يخطر ببالك من أفكار، وضمنها السلفية.. فضلاً على أن السعودية رحبت بعدد من الإسلاميين، ولهذا فإننى أرى أن التوانسة أنضح منا سياسيّا وفكريّا، لأننا متأثرون بالسلفية الوهابية السعودية، التى وفقت وازدهرت فى مصر، ولم تصل إلى المغرب.
يعنى حضرتك تقصد أننا كنا ساحة تلاقحت فيها المذاهب والأفكار من المشرق والمغرب إلى أن ضعفت مصر وأزهرها فصرنا ساحة خلاء سمحت للوهابية بأن تتقدم فى لحظات بعينها؟
- بالضبط.. الساحة عندنا مدمرة وليس فيها شىء، ومن ثم بتنا نهبًا لكل من يريد.
ومثلاً، هى جماعة «التبليغ فى الهند»؟ وماذا تفعل فى مصر؟.. أشياء غريبة.. ما أردت قوله هو أن هناك فراغًا أو خلاء كبيرًا فى البلد.
المجتمع محافظ ومتدين والناس مسلمون ملتزمون ولكنّ هناك ظمأ لإشباع تلك المشاعر، ولم يتم ذلك الإشباع، فجاء الآخرون وقرروا أن يملؤوه ويلعبوا فى البلد، وصارت مصر تعج بأطراف تريد استباحتها فكريّا وسياسيّا.
إسلاميات
«موزاييك» القوى الإسلامية والعلمانية واليسارية - اللحظة الراهنة - يحتاج منك إلى قراءة لأننا لا نستطيع مضاهاته بأوضاع إقليمية نظيره وقد كشف عن ذلك خلاف العلمانية بين الإسلاميين المصريين والدولة التركية وتغلب المخالفين لتيار النهضة التونسى على ذواتهم والانخراط معه فى عملية بناء الدولة بعد انتخاب الهيئة التأسيسية على الرغم من تواصل الانتقادات فيما يبدو الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين المصريين «هرمجدون» أو معركة فاصلة ينبغى أن تنتهى بانتصار طرف واندحار آخر؟
- هناك عدة مشاكل.. فالعلمانية لم تعد كلمة واحدة وإنما هى مصطلح فضفاض، فهناك علمانية مخاصمة للدين كما فى فرنسا، وعلمانية متصالحة مع الدين فى بريطانيا، أما هنا فلا يوضح المنادى بالعلمانية أية علمانية يقصد.
وفى تونس كانوا يقولون - صراحة - نحن نريد التخلص من التأثير والتراث الفرنسى المؤثر على العلمانية التونسية، ودعونا نصوغ علمانية متصالحة يمكن أن تلتقى بما يسمى - فى المغرب العربى - «فقه المقاصد».. وأرى - فى الحقيقة - أن الصراع الإسلامى العلمانى هو دليل على عدم الفهم السياسى.
فى مصر لدينا عدة قضايا هى: «الديمقراطية - العدل الاجتماعى - الاستقلال الوطنى - والحريات العامة» لا يوجد اختلاف عليها، ولكن أن يأتى من يفتعل أو يصطنع صخبًا حول المادة الثانية فى الدستور، وذلك الجدل السخيف حول المادة الثانية، نحن بلد 94 ٪ منه مسلمون، والتليفزيون المصرى قال منذ أيام إن الأقباط من 10 إلى 15 مليونًا، وهذا كلام غير مضبوط وتقديرات جهاز الإحصاء تشير إلى أقل من هذا، ومع ذلك فإن العدد ليس معيارًا، ولو كان الأقباط عشرة أنفار فى هذا البلد فحقهم فى الكرامة محفوظ.
ما هذه المشكلة؟ ماذا عطلت المادة الثانية فى مصر؟ ما حضورها؟ وما الذى خصمته؟
يا إخواننا لابد أن نهتم بمواجهة تحديات اللحظة «نريد عدالة اجتماعية - ديمقراطية - حقوق إنسان»، أما أن تفرض على جدول أعمال الوطن سؤالاً مثل: «دولة مدنية أو دولة دينية» فلنجعلها دولة ديمقراطية أولاً ثم دع الناس تختار.
هناك خلل فى طريقة تناول الأشياء، وهناك سوقية أو ما يسمونه شعبوية غوغائية، ودغدغة لمشاعر الجمهور بصرف النظر عن الحقيقة.
التوانسة عملوا شيئًا مهمّا وقت بن على، إذ جلس اليساريون مع الإسلاميين مع العلمانيين، وقالوا هناك ثلاثة أنساق رئيسية نتفق فيها وهى: «المساواة بين الرجل والمرأة»، «والحريات العامة»، و«علاقة الدين بالدولة».
وهناك وثائق صادقت عليها الأطراف فى ذلك السياق.
لماذا كان جلوس الأضداد إلى بعضهم فى تونس ممكنًا، فيما صار الأمر فى مصر وكأنه الموقعة الفاصلة بين ما يعتبره البعض خيرًا، وما يعتبره البعض شرّا؟
- منذ الخمسينيات هناك إقصاء كامل للإسلاميين، وهو ما دفعهم للعزوف عن الحوار، إذ كانت وسائل التأثير كلها فى يد فصيل واحد «الإعلام - والجرائد القومية - والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للصحافة» وبعد الثورة اختلف الأمر، حين اكتشف الجميع جسمًا موجودًا فى المجتمع وينمو فى كل يوم هو الإسلاميون.
يعنى: اليساريون والعلمانيون اعتبروا - قبل الثورة - أنهم الأصل وغيرهم الاستثناء، فلما ظهر ذلك الجسم رأوا أنه سيجعل منهم الاستثناء فيما يصبح - هو - الأصل، وهو بالطبع ما يمثل جسم المجتمع العام.
صراعهم مع الإسلاميين وجودى ومسألة حياة أو موت وهم لا يريدون العيش مع من يخالفهم، وفى هذا تفسير للهيستريا التى اعترت البعض حين ضمت لجنة تعديل الدستور صبحى صالح، ورأسها طارق البشرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.