شوارع يعود تاريخها لمئات الأعوام، فى كل جدار من جدرانها تفاصيل تحكى روايات العصور القديمة، مبان أثرية جار عليها الزمن، نجوم تخرجوا منها فى ظل ظروف حالكة، وكانت بحق منارة للموسيقى العربية، الطابع الأسرى كان يغلب على قاطنيها، إلا أنه مع مرور الزمن تبدلت ملامح هذه الشوارع من حال إلى حال. «الوفد» أجرت جولة ميدانية فى العديد من الشوارع التاريخية مثل «محمد على، قصر الشوق، المعز لدين الله الفاطمى»، لترصد حالها بعد مرور مئات الأعوام، لترى مشاهد مستحدثة قلما تجدها فى العصور القديمة، فى المقابل انقرضت بعض المشاهد القديمة التى كانت علامة مميزة لهذه الشوارع. شارع محمد على أولى جولات «الوفد» كانت من شارع محمد على، الذى يبعد أمتاراً قليلة عن ميدان العتبة، الذى كان قبلة لعشاق الفن والموسيقى، عشرات من نجوم الغناء والسينما تخرجوا فيه، واحترف أهله الطرب والرقص، منذ أن أنشأ حسب الله الأول فرقته مع سنية كسارة وزوبة الكلوباتية. منازل مشيدة على أوتار الفن الجميل، تبدلت مشاهده على مدار العصور، وتغيرت ملامح الشارع لتصبح صاخبة بالمحال التجارية مثل محلات الأثاث، الأدوات الكهربائية، وسمى شارع محمد على بهذا الاسم نسبة لمؤسس مصر الحديثة، وقام بتخطيطه المهندس الفرنسى «هوسمان» الذى خطط شارع ريفولى فى باريس، وظل الشارع لسنوات طويلة معرضاً للراقصات المحترفات، والفرقة الشرقية للعب فى حفل خاص، وأفضل مكان لشراء صك المهنية الموسيقية، أو إصلاح أحدهم. «تلزم خدمة يا أستاذ».. جملة اعتاد المترددين على شارع محمد على سماعها، عشرات من الشباب يتراصون أمام محلاتهم الخاصة بالطباعة، وأعمال الأختام والكروت وغيرها يحاولون جذب المارة لتنشيط حركة البيع والشراء. التقط أطراف الحديث «أحمد جمال»، أحد الزبائن الجالسين على أحد مقاهى الشارع، مشيراً إلى أن الشارع الذى كان أفضل من أى حى راق فى القاهرة، ويسكنه أصحاب الحس المرهف، من فنانين ومغنين وراقصات محترمات، أصبح الآن يسكنه الوافدون من الخارج، واستيقظ كل يوم على صوت مشاجرة. «يااااااه خلاص الشارع راح عليه».. صابر محفوظ، صاحب محل أدوات موسيقية بالشارع، يشير إلى أن تاريخ الشارع يعود لأكثر من 100 سنة، وكان يمتاز بتواجد الفنانين والأدوات الموسيقية، لكن لم تعد المهنة ذات رواج كبير خاصة مع انتشار الدى جى، فالناس ب«تمشى حالها بأى حاجة»، ولا يعرف الجيل الجديد، قيمة الطبل الأصيل. وعن الفنانين الذين كانوا يقطنون الشارع، قال: «فنانين كثير سكنوا الشارع منهم: فيفى عبده وعبدالحليم حافظ وحياة نجفة ولولا البرنس ولوسى وسهير زكى». قصر الشوق ومن شارع محمد على بالعتبة لشارع قصر الشوق بحى الجمالية، حيث يمكنك أن ترى منازل غلب على جدرانها الاصفرار بفعل عامل الزمن، وأخرى آيلة للسقوط، يقطن بداخلها عدد ضئيل من رجال الزمن القديم، رفضوا بيع ذكرياتهم بالمال. فيما فضل غيرهم العشرات شراء شقق فى مناطق راقية، فكلما تتجول داخل المنطقة تجد شوارع ملتوية أشبه بالثعابين، لا يتعدى مساحتها أمتاراً سار بها كبار المؤلفين والكتاب أمثال نجيب محفوظ ليشعرك بحالة من الشجن لزمن الفن الجميل. محال مغلقة، تشهدها فى مدخل الشارع، وأمامها المقاهى يجلس عليها عدد من الشباب، جانبها مسجد يعود تاريخه ل630 هجرية، ل«سيدى مرزوق الأحمدى»، وهو صاحب المقام الشهير بطنطا، ومؤسس الطريقة الأحمدية، قبل أن يتوفى بها، ويضم المسجد ثلاثة مقامات، الأول لسيدى مرزوق الأحمدى، والثانى للسيد محمد شمس الدين، آخر قائد لركب كسوة الكعبة، والأخير لابنة أحمد محمد شمس الدين. ومجرد أن تسير خطوات داخل الشارع تجد مدرسة عمر مكرم الابتدائية، حيث شهدت ساحتها المئات من نجوم المجتمع الحالى، ومن جانبها يتراص المنازل مبنية على الطراز القديم يرجع تاريخها لمئات الأعوام تقابلها كلما ازدادت الخطوات للشوارع الداخلية، وعلى النقيض تجد على بعد أمتار منازل حديثة تم بنيانها على أحدث طراز. «يا بنى ما عدش فيه قصر شوق».. بهذه الكلمات استهل فتحى عبدالله، أحد سكان الشارع القدامى، وقال: «ناس كتير من أهالى قصر الشوق القدام مشيوا من هنا، وده بعد ما بقت بيوتهم آيلة للسقوط». يشير «عبدالله» على المقاهى قائلاً: «المقاهى دى كان بيقعد عليها أدباء ومفكرين، دلوقتى مابقاش عليها إلا العاطلين والشمامين، ومروجى المخدرات». المعز لدين الله الفاطمى ومن شارع قصر الشوق لشارع المعز لدين الله الفاطمى، والذى تبدلت معالمه بشكل كبير، فمجرد أن تطأ قدماك مدخل الشارع تجد مبانى أثرية تشعرك بحالة من الانبهار، فكل أثر منه يروى جانبًا من تاريخ القاهرة، لكن للأسف بعض الآثار يرثى لها. محال مغلقة، وغيرها ما زالت مفتوحة، قرر أصحابها الاستمرار على المثابرة والخضوع لواقع حركة البيع والشراء فى ظل الركود، شعبان عبداللطيف، بائع نحاس قال: «الشارع ده كان مليان بالسياح، ولكن مع بداية ثورة 25 يناير، الوضع أتغير خالص، فدمرت تجارتنا بعدما قلت حركة السياحة، وارتفعت أسعار السلع ما أدى إلى عزوف رواد الشارع عن شراء المنتجات».