بتخفيضات تصل ل 20%، أسعار السلع الغذائية بالمعرض الدائم في المنصورة    وزير الخارجية يطلع كايا كالاس على جهود مصر لضمان تثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام    بعثة منتخب مصر الثاني تصل مطار القاهرة استعدادا لرحلة قطر (صور)    السيطرة على حريق داخل شقة سكنية ببنها    حودة بندق يحطم الأرقام بأغنية "اللي جي بتاعي" ويتصدر المنصات في وقت قياسي    تعرف على سر أعلى معدلات أعطال السباكة فى الجمعة البنيّة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    الدفاع المدني السوري: عمليات الإنقاذ في بيت جن مستمرة رغم صعوبة الوصول    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري في بداية تعاملات 28 نوفمبر 2025    أحمد الشناوي: مواجهة بيرامديز ل باور ديناموز لن تكون سهلة    اسعار الاسمنت اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    الأرصاد الجوية تكشف توقعات الطقس للأيام المقبلة: خريف مائل للبرودة وانخفاض درجات الحرارة    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    سوريا توجه رسالة لإسرائيل وتخاطب المجتمع الدولي بعد الهجوم على بيت جن    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    «شاشة» الإيطالي يناقش تحكم الهواتف المحمولة في المشاعر الإنسانية    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    تطور جديد بشأن تشكيل عصابي متهم ب غسل 50 مليون جنيه    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الأزهر الشريف (بث مباشر)    الصحة: فحص 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    رئيس فنزويلا يتحدى ترامب ب زي عسكري وسيف.. اعرف ماذا قال؟    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    أبو ريدة: اللجنة الفنية تتمتع باستقلال كامل في اختيار القائمة الدولية للحكام    الذهب يرتفع صباح اليوم الجمعة وهذا العيار يسجل 6365 جنيهًا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيا ويصيب طفلة جنوبي غزة    جنوب الوادي.. "جامعة الأهلية" تشارك بالمؤتمر الرابع لإدارة الصيدلة بقنا    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    الجنيه يحقق ريمونتادا أمام الدولار في البنوك المصرية (آخر تحديث)    مصرع فتاة وإصابة أخرى صدمتهما سيارة ميكروباص بالبدرشين    "من الفرح إلى الفاجعة".. شاب يُنهي حياة زوجته بسلاح أبيض قبل الزفاف في سوهاج    النيابة تستعلم عن حالة 6 مصابين في انقلاب ميكروباص بالمقطم    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    أستراليا.. يعتقد أن ضحيتي هجوم القرش بشمال سيدني مواطنان سويسريان    ستاد المحور: عبد الحفيظ يبلغ ديانج بموعد اجتماع التجديد بعد مباراة الجيش الملكي    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    بعد أزمته الصحية، أحمد سعد يتألق في حفل الكويت تحت شعار كامل العدد (صور)    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    رئيس التصنيع بالصيادلة: استهلاك مصر من بنج الأسنان يصل إلى 600 ألف عبوة سنويًا    طولان: ثقتي كبيرة في اللاعبين خلال كأس العرب.. والجماهير سيكون لها دورا مع منتخبنا    اليوم، ختام مسابقة كاريكاتونس بالفيوم وإعلان أسماء الفائزين    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلنا في العزاء سواء!
نشر في الوفد يوم 14 - 01 - 2012

أكتب اليوم ولون سمائي يذكّرني بجمرات أسلمت روحها وعادت إلى تراب. روحي عابسة مقبوضة، فأنّى ولّيتُ وجهي باحثًا
عن زهرة تنسيني طعم الرماد في الحلق، يصفعني نصل ويدمي جبهتي قرن الزمان الداهم، لا رحمة، لا زفير ولا استراحة محارب.السماء سوداء لا تمطر إلّا بما تتوسّله أكفّ الدعاة المرفوعة إليها، فسماؤنا عليمة رؤوم تستجيب لصلاة القلوب وهي سميعة رحوم لا تعطي إلّا بما تتمتم به شفاه وتنضح فيه منابر وجيوب وإناء.
عدت من يافا، إليها وصلت ومعي صديق آخى وجعه وجعي، وبسمة صبحه تتوأمت مع بسمتي. غايتنا بيت ضحيّة الميلاد، ضحية يافا التي بزّت الخيال وخيّبت فقه التوقع، ضحيّة تضرّجت وذكّرت بنكهة دماء أطفال أبرياء ذبحهم قيصر، يوم كانت يافا عذراء نديّة، كي يدرأ قدوم من أوكل بخلاص البشر من خطاياهم وآثامهم.
حاول قيصر وكان الرب أقوى، فكان الميلاد بلون الصباح أحمر وبلون أحلام الملوك أحمر. لم أتعرّف على اليافي "جابي" قبل العزاء، ولم يعرف عنه رفيقي أكثر ممّا قرأناه وسمعناه عندما تحوّل دمه الأحمر عناوينَ للفاجعة وإبرًا شُكّت في الحلوق سدودًا عطّلت مخارج الحروف وسيل اللغة.
يافا في ساعات المساء كالندم، تبعث على وجع نجس، لا يصرعك ولا يطلق فوهات صراخك في وجه القدر، لكنه "ينقح" عليك برتابة تبقيك على حافة الصبر وبرغبة كرغبة الجرح وعشقه للدم وعنّات الأسى.
تهنا، بعض الوقت، في شوارع يافا. بعض البيوت تنتصب كأنثى، وجهها السبعيني يشع بنور خافت يضيء بحزن ما حفر الزمان من شقوق، ويذكرنا بغار سنيّها يوم كانت خبطات أقدامها تشق الأرض أخدودًا على أخدود. بيوت تسيل فواجع وتبكي عروسًا اغتصبت وذبحت في هودجها فتناثر دمها الذي كان تمامًا كدم اليافيين اليوم، أحمر.
يافا أكثر من حزينة، فهناك في الشوارع الضيقة طعم المهانة ما زال طازجًا، كأن إبليس ما انفك ينفث في فراشها وما زال في شوارعها يعيِّر ويقهقه. ظلام يافا لا يشبه الظلام ، ففيه أثر لضوء قناديل اختفت وبلغزٍ يحير ما زال يشع ببهوت، فيزيح بعضًا من عتمة ليبان العهر والرذيلة وذيل خيانة بُتِر وما زال ينتفض في مينائها وفي كل مفرق وزاوية، ورأسها، على ما ذكر في الكتب، ما زال حيّا هناك في الوعد القشيب.
ارتوينا من دمع غصتنا، فدموع يافا دافئة عذبة، كدموع عذراء الليل تنام على شرفات الندى. وبعد تيه قصير وصلنا إلى وجهتنا. دار ملبسة بحجر البلاد الأصلي، تكشف عن ذوق وعن أحلام صاحبها، كانت أحلامه من رخام وورد ونغمات قيثار. البيت يؤثث زاوية من شارع اسمه يكتنز العبث ويسخر من السخرية "محبو إسرائيل". فالحب في هذا السياق عبث وسخرية، وإن سقط "جابي" صريعَ حب فلقد كان ذاك حبه للنجاح وحبّه ليافا ولأهلها ولأهله. فجابي، كما تعلمنا وتحسَّرنا من قصصِ من تواجد في بيته الذي تحول إلى بيت العزاء، كان قصة نجاح شاب يافي قرر أن لا تمتصه حكايا أزقة يافا الدامعة وأصرَّ أن يبقى حفيدًا لعز يافا الحضارة وابنًا لمجد وزّعته يافا التاريخ على أرجاء المعمورة حين تلألأت عروس ثقافة وصناعة وحفلت بأحلام المجد التي بترت تمامًا كما بترت أحلام جابي وأحلام أولاده وزوجته.
في البيت عيون محملقة ودهشة بيضاء كطائر البين يقف في الهواء. على الحائط بعض من أيقونات تزيّن الردهة وتوقظ وجع العشاء الأخير. فجابي كان بين أهله ومحبيه ليلة الميلاد، معهم تناول عشاءه المكلل بالحب ولم يكن عشاءً سريّا. لم يتوقع سكين يهوذا في ظهره كما توقع سيّده يوم تناول عشاءه الأخير مع تلاميذه، لم يخش الفرح العلني، إليه ذهب بصدر يفيض حبًا واستعدادًا للحياة. ذهب وحيّا وعانق وعونق من أهل يافا وهناك، في قلب يافا، غرق بدمه الأحمر دم كدم أطفال فلسطين يوم كتب عليهم قيصر الموت خوفًا من ملك الخلاص والبراءة والمحبة.
صديقي وأنا جلسنا بعضًا من حياة. كانت الدهشة سيّدةً والغضب حارسًا. غضب من العجز وأكثر من الغدر.
عدنا إلى شبه الظلمة، إلى شبح يافا. إلى تلك الشوارع الشاهدة على غدر الإنسان وشماتة الزمان فهناك "وقفت وقلتُ للعينين: قفا نبك/ على أطلال من رحلوا وفاتوها/ وقال القلب: ما فعلت بكِ الأيام يا دار؟ هنا كانوا/ هنا حلموا/ هنا رسموا/ مشاريع الغد الآتي/ فأين الحلم والآتي وأين همو وأين همو؟".
وصلنا إلى جادة عريضة فيها بقايا غنج ودلال. رف من شجر الكينا العريق يفصل مسارَي شارعها، وواجهات مبان احتفظت بأقواس وقناطر صمدت في وجه خيانة فأحنى ظهرها الزمن. "شديروت يروشاليم" اسمها في قاموس هذا العصر، أقول لصديقي وأردف هي "جادة النزهة"، أخي أبو الداهود. جادة العشّاق والذوق الرفيع، زمن كانت يافا مأوى للهوى والحب النبيل. جادة تبختر بفيء أشجارها وكرمها عنترات ذلك الزمن وعبلاواتهم، واليوم لا يشهد على الماضي إلّا جامع النزهة ولافتة في مدخله تعلن صحة الرواية وأن الجادة كانت "جادة النزهة"، ومنها كانت يافا تأخذنا كما تأخذنا اليوم إلى أورشليم، وآهٍ من طمع اللغة والقلب، إلى القدس.
من يافا، من "شديروت يروشليم"، عدنا إلى وجعنا المزمن وإلى شبح يحاصر القدس التي من أختها يافا كانت تغار، واليوم أجدر بها أن تخاف. عدنا إلى عزائنا النازف في القدس فيافا والقدس في العزاء سواء.
نقلا عن صحيفة القدس العربى الفلسطينية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.