رغم المهازل الانتخابية التى شابت برلمان الثورة، ورغم الحرب الدينية التى قادها التيار الدينى، متمثلاً فى قائمتى الحرية والعدالة والنور السلفى وقائمة الكتلة المصرية التى تضم حزب المصريين الأحرار لصاحبه نجيب ساويرس.. ورغم الترويج فى الانتخابات بشعارات إسلامية ومسيحية لهذه الفصائل، واعتماد جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين على التأثير دينياً بالشعارات الإسلامية أمام مقار اللجان الانتخابية، وتوجيه الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالحهم، ونفس الطريقة قامت بها قائمة الكتلة المصرية بعد تأييد الكنيسة لها وإعلانها، بل وإصدارها تعليمات صريحة للإخوة المسيحيين بالتصويت لصالح هذه القائمة إرضاءً ل«ساويرس».. رغم كل ذلك حقق الوفد تقدماً كبيراً واقتراب من الحصول على خمسين مقعداً فى البرلمان.. حقق الوفد هذا العدد منفرداً ودون الدخول فى أية مخالفات انتخابية مع أى حزب أو قوى سياسية. ولذلك عندما قال الدكتور السيد البدوى شحاتة رئيس الوفد: إن المقعد الذى يحصل عليه الوفد يساوى عشرة مقاعد، فهذا قول صائب مائة فى المائة... وهذه ليست فزورة.. فمثلاً قائمة الحرية والعدالة تضم حزب جماعة الإخوان وحوالى ثلاثة وأربعين حزباً، وقائمة حزب النور تضم جميع الأحزاب والتحالفات السلفية والتى تتعدى خمسة عشر فصيلاً، وقائمة الكتلة تضم أحزاب التجمع والديمقراطى والمصريين الأحرار.. وقائمة الوفد تضم فقط مرشحى الوفد دون غيرهم، وبحسبة بسيطة يكون فعلاً مقعد الوفد يساوى أكثر من عشرة مقاعد بالبرلمان.. ثم إن الوفد لم يرتكب مخالفة انتخابية واحدة طوال الجولات الثلاث، وكان نموذجاً يحتذى به فى الممارسة الانتخابية، فلم يخالف القانون أو الأعراف الانتخابية على خلاف باقى المرشحين الآخرين الذين تجاوزوا كل القوانين والتقاليد الانتخابية عن عمد، وتجاهلت اللجنة العليا للانتخابات هذه المخالفات الكثيرة خاصة من مرشحى التيار الدينى، بل إن المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس العليا للانتخابات التزم الصمت المريب كما قلت أمس.. فالوفد الذى خاض الانتخابات منفرداً ولم يستغل اللعب بمشاعر المواطنين أو تهييج أحاسيسهم الدينية، أو استغلال عواطف الناس، أو حمل شعارات صكوك الغفران أو استغلال البسطاء فى عملية الجنة والنار وما شابه ذلك،أو انحاز لطائفة دينية دون الأخرى، كان هو النموذج السياسى الرائع والبطل الحقيقى فى هذه الانتخابات. الوفد بتاريخه العريق منذ نشأته عام 1918، كان أكثر من ملتزم فى هذه الانتخابات، لم يخترق الصمت الانتخابى كما فعل الآخرون، لم يقف أنصاره على باب اللجان للتأثير على الناخبين.. لم يحمل شعاراً طائفياً.. لم «يميل» لمسلم دون المسيحى، ولم «يحابى» مسيحياً على مسلم. الوفد يؤمن بمدنية الدولة والمواطنة الحقيقية، لم «ينحاز» لطرف دون الآخر، إنما انحاز لكل المصريين، حمل شعاراً واحداً أنه حزب الوطنية المصرية صاحب التاريخ العريق والمستقبل الآمن.. خاض مرشحو الوفد حاملين على أكتافهم وكاهلهم أن يكونوا خداماً للأمة المصرية دون تمييز، لا فرق بين مسلم ومسيحى، يؤمن فى ثوابته الرئيسية بعدم التفرقة بين هذا وذاك.. الكل مواطن مصرى.. أمام هذا الالتزام من حزب الوفد، وجدنا خروقات كثيرة وتجاوزات بالجملة ارتكبها باقى التحالفات الانتخابية لدرجة بلغت حد التزوير وإدلاء الموتى بأصواتهم، وقيام أنصار مرشحين بالتصويت لآخرين... أمام التزام حزب الوفد وجدنا اللجنة العليا للانتخابات لم تحقق فى وقائع المخالفات التى شابت العملية الانتخابية، مهازل وفوضى فرز الأصوات.. وأمام التزام لأنصار مرشحى الوفد خرجت الجماهير الغاضبة فى عدد من المحافظات تحاصر أماكن الفرز احتجاجاً على فوضى الانتخابات.. من حق حزب الوفد إذن أن يفخر بلا منازع بأنه كان بطلاً حقيقياً فى هذه الانتخابات، وبأنه منفرد، حصد هذه المقاعد في البرلمان دون الدخول فى أية مخالفات انتخابية، ودون ارتكاب مخالفة ودون مخالفة للقانون من جانب مرشحيه الفرسان أو أنصارهم الملتزمين بالقانون، ومن حق حزب الوفد أن يكون المقعد الواحد لديه يساوى عشرة مقاعد قياساً بالآخرين، وأن يكون النائب الوفدى بعشرين نائباً آخر.