ضربات متتالية، نفذتها الرقابة الإدارية ضد مافيا المحليات التى أفسدت البنية الأساسية، وتسببت ولا تزال فى تأخر الوطن اقتصادياً واجتماعياً. آخر فصول المسلسل الذى لا ينتهى، هو قضية الفساد التى كشفتها الأجهزة الرقابية فى منطقة المعصرة بحلوان، فالمبانى المخالفة بلغ ارتفاعها عنان السماء.. والمخالفات الجسيمة ترتكب فى وضح النهار.. والمسئولون غائبون وحى المعصرة فى غيبوبة، لنشاهد آلاف المبانى التى أنشئت على أراضى أملاك الدولة أو بوضع اليد وأخرى بنيت دون ترخيص.. والقانون فى إجازة. شكاوى واستغاثات لا تتوقف بسبب فرض الإتاوات على أصحاب المحال التجارية.. وعمليات ردم لأجزاء كبيرة من نهر النيل فى وضح النهار وأمام الجميع.. والكل لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.. والبلطجة هى سيدة الموقف، مما أعطى الفرصة لظهور كل أنواع المخالفات. وكلها لا تخلو من دفع المعلوم الإجبارى. «الوفد» رصدت شكاوى المواطنين المقيمين بمنطقة المعصرة، التابعة لحى المعصرة فى حلوان، من ابتزاز مادى وانتهاكات بالجملة. نهر النيل فى البداية.. تطل لوادر ضخمة تظهر من بعيد وكأنها تقف فى وسط النيل، وحينما اقتربنا كانت الحقيقة أكثر غرابة، إذ كان يقف لودر على أرض صلبة داخل النيل، ويردم سائقه أجزاء كبيرة من النهر. الكارثة أن إحدى الجرائم النيلية كانت أمام الأعين فى تمام الساعة الواحدة ظهراً فى حين لم تهتم الجهات المسئولة بحماية ثروة مصر المائية. من جانبه، قال مصدر رسمى بحى المعصرة - تحتفظ "الوفد" باسمه - وصف أصحاب تلك المخالفات بمعدومى الضمير وخاصة هؤلاء الذين حصلوا على حق انتفاع للأرض الملاصقة لمحطة الكهرباء من محافظة القاهرة، لاستغلالها فى إقامة قاعات للأفراح، ولأن المساحة التى حصلوا عليها لا ترضيهم استخدموا حيلة شيطانية، بردم النيل إذ وصلت التعديات إلى أكثر من ثلث النيل. الأكثر دهشة أن تلك الجريمة تقع أمام مخزن الحى حيث يمر على المكان موظفو الحى والمسئولون عن ذلك. الإسكان والطامة الكبرى أن إدارة الإسكان بحى المعصرة هى أحد أضلاع مثلث الفساد داخله.. هكذا أكد أهالى المعصرة، وأضافوا أن مخالفات البناء مستمرة بسبب عمليات التلاعب بالقوانين والرشاوى المقدمة من المخالفين إلى أطراف داخل الحى لعدم قيد المخالفات بأسماء الملاك الحقيقيين. كما حصلت «الوفد» على مستندات إدارية تؤكد تلك الاتهامات بالمخالفة للقانون، ليعلم الجميع وعلى رأسهم الأجهزة الرقابية حقيقة ما يواجهه الأهالى من فساد وابتزاز للأهالى داخل رئاسة حى المعصرة.. وقامت محافظة القاهرة بإرسال خطابات لرئاسة الحى لكنها لم تحرك ساكناً، بل وأهملت كافة المخاطبات الرسمية وشكاوى المواطنين التى تؤكد وجود مافيا فساد إدارى ونهب المال العام وابتزاز المواطنين داخل نطاق حى المعصرة، بدءاً من الاتفاق مع أحد أصحاب المبانى المخالفة على مبلغ 5 آلاف جنيه تحصل لصالح موظفين داخل إدارة الإسكان بالحى، نظير تسجيل بياناتهم بأسماء وهمية بمعرفتهم والتخلص من إنذار الهدم الأصلى فى عملية تحايل شيطانية على القانون والاستيلاء على المال العام. وعند مقاضاتهم يتم اكتشاف أنهم لا يملكون شيئاً وتقيد الواقعة على أنها غلطة موظف عند تسجيل بيانات المخالف للبناء، أو أن المخالف للبناء المدرج بياناته على إنذار الهدم قام بالبيع للغير، وهنا يهدر المال العام فى تحصيل المخالفات الحقيقية لصالح الدولة. وقد رصدنا تداولاً لتلك الأسماء الوهمية وتعدد تكرار تسجيلها على نماذج إنذارات البناء المخالفة الصادرة من حى المعصرة، حتى يتسنى لأصحاب مخالفات البناء الحقيقية التخفى عن القانون. مسئولو البناء والمخالفات فى حى المعصرة دخلوا منطقة محرمة وهى انتهاك حرمات الموتى الذين أصبحوا فى ذمة الله، مستخدمين بطاقاتهم الشخصية فى تحرير محاضر مخالفات بأسماء المتوفين بالاتفاق مع أصحاب الأبراج من رجال المال لحمايتهم من المحاضر وتحريرها بأسماء هؤلاء المتوفين بدلاً منهم، على اعتبار أن هذا المتوفى إذا صدر ضده حكم فى قضية بناء مخالف، فلن يضار فى شىء لأنه أصلاً غير موجود على قيد الحياة. خالد محمود الحفنى توفى منذ عامين، وتم استخدام بطاقته الشخصية فى تحرير محضر مخالفات بناء باسمه فى شهر أكتوبر الماضى، كما تم تحرير المحضر له على أنه هو الذى قام ببناء برج دون رخصة خلف عمارات منتصر فى دائرة حى المعصرة.. والمحضر باسمه وبأسماء آخرين جميعهم ليست لهم أية علاقة بالبناء. أرض الشوك أرض الشوك بمنطقة حدائق حلوان، عبارة عن منطقة سكنية، شملت كل مخالفات البناء. فالشوارع تخالف خطوط التنظيم الذى كان يحدد عرضها ب20 متراً للطريق الهادئ ووصلت الآن إلى ما بين 3 و6 أمتار. فعندما تسير بها تشعر بأنك فى الريف القديم، ولكنها تحولت لأبراج يتراوح ارتفاعها بين 12 و14 طابقاً على شوارع لا يتعدى عرضها 3 أمتار، وكل ذلك بفعل مافيا الاستيلاء على الأراضى فى أعقاب الانفلات الأمنى فى 2011. وترجع ملكية هذه المساحات إلى محافظة القاهرة مع جمعية السلام للإسكان والبناء، وهى إحدى جمعيات الإسكان التعاونى وجمعية العاملين بالخارج، وجزء خاص بشركة المياه والصرف الصحى.. لكنها بفعل «حيتان أملاك الدولة» تحولت إلى أبراج سكنية. وقد صدرت عشرات القرارات منها مخاطبة مأمور قسم شرطة حلوان بمكاتبة رسمية تحمل رقم 963 لإيقاف الأعمال المخالفة والمقدمة دون ترخيص. كما تمت مخاطبة إدارة الكهرباء بحى المعادى فى اليوم نفسه بمكاتبة رسمية أخرى تحمل رقم 968 بعدم السماح بإجراء أى توصيلات أرضية وفرعية للعقارات المخالفة، الإجراء نفسه تم مع مدير عام اشتراكات مرافق المياه بحلوان، إلا أن هذه الشكاوى كانت دون فائدة وباءت بالفشل، ولعل آخر الشكاوى تلك المقدمة لرئيس حى المعصرة كانت فى فبراير 2016 من المواطن أحمد محفوظ حول عدم تنفيذ قرارات لإزالة ووقف الأعمال المخالفة. أرض الشرطة أرض الشرطة أيضاً لم تسلم من التعديات.. وتقع ضمن منطقة المبانى الموجودة على يمين الطريق المتجه إلى حلوان وتبلغ مساحتها 7 آلاف متر، واستولى عليها مقاول شهير لصالح حيتان الأراضى، وذلك بتسهيلات من موظف تحتفظ الجريدة باسمه وترمز له ب(أ. ف)، وقامت محافظة القاهرة بإصدار قرار بالارتفاعات المقررة فى الأرض وتكون الواجهة 7 أدوار والمبانى الخلفية 4 أدوار فقط، وعلى أثر ذلك القرار قام المقاول الشهير ببناء الأرض بارتفاعات مخالفة، وهو ما دعا السيد المحافظ إلى عزل (أ. ف) من منصبه. الغريب أنه عقب القرار وأثناء تأدية نائب المحافظ لواجب التهنئة للإخوة الأقباط، فوجئت بأن ذلك الشخص ما زال يعمل بالحى وهو ما يؤكد أن قرارات المحافظ «حبر على ورق» والمسئولين عن حى المعصرة أقوى من قرارات الدولة.