خرج العميد باقر زادة، أحد قيادات الأركان العامة المسلحة الإيرانية فى بداية الشهر الحالى بتصريح يقول فيه لوكالة فارس للأنباء «إن إيران تسيطر على مضيق هرمز والخليج العربى»، وهو الأمر الذى أثار غضب واعتراض دول الخليج العربى، إلا أن هذا التصريح ليس غريباً على الأنظمة الإيرانية المتعاقبة، حيث إنه يتزامن دائماً مع تهديد أو صدور مزيد من العقوبات الأمريكية على إيران بسبب نشاطاتها النووية. كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما حذر على خامنئى فى عام 2012 عندما هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز بعد إعادة مد العقوبات الاقتصادية ضدها، وقال له: «إن تحققت التهديدات الإيرانية للملاحة العالمية عبر المضيق، فإن الإدارة الأمريكية تعتبر أن ذلك تعد من إيران للخط الأحمر»، وهو ما اعتبره العميد الإيرانى السابق حسن فيروزبادى أنه تمهيد للمواجهة العسكرية الإيرانية ضد مثيلتها الأمريكية فى ذلك الوقت، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن، لماذا تخرج إيران بمثل هذا التصريح فى هذا الوقت تحديداً؟، وهل هذا التصريح ينم على نية مبيتة لإيران لتوجيه رسالة إلى دول الخليج العربى وإدارة دونالد ترامب الأمريكية الجديدة؟. أجابت العديد من الأطراف عن هذه الأسئلة فى إشارة إلى الماضى والحاضر من أحداث متغيرة، حيث خرج تصريح العميد باقر زادة فى اليوم التالى من إعلان مجلس الشيوخ الأمريكى موافقته على مد العقوبات على إيران لمدة عشر سنوات جديدة، وجاء التصويت بالإجماع 99، وذلك فى اليوم الأخير من نوفمبر الماضى، الذى جاء بعد تصويت الكونجرس 1-419 قبلها بيومين، وهو ما يؤكد تزامن نفس التهديد بعد كل إعلان وامتداد للعقوبات. ثانياً: ما لا يعرفه الكثيرون أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة وضعت فى اعتبارها الغدر الإيرانى فى إغلاقها للمضيق منذ فترة الرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون 1969، الذى كان صاحب عقيدة ضرورة إحلال التعاون الثنائى بين السعودية وإيران لردع المواجهة المباشرة، ثم تلاه الرئيس جيمى كارتر، الذى رسخ ضرورة التدخل العسكرى المباشر لتحقيق الحماية وضمان استقرار الأمن، وهو ما حدث بعد 1991، من تدخل القوات الأمريكية فى منطقة الخليج لضمان أمنه وسلامته، والذى يتلخص جزء أساسى منه فى منع إيران من التحكم فى مضيق هرمز. وأكدت دراسة فى معهد الدراسات الأمنية القومى الإسرائيلى أن كل القواعد العسكرية الأمريكية فى منطقة الخليج، إنما هدفها الأساسى هو منع سيطرة إيران على مضيق هرمز وتوجيه الضربات المباشرة الصائبة نحوه فى حالة أية تحركات عسكرية إيرانية نحوه. ووضعت الإدارات الأمريكية منذ 1970 العديد من التصورات للسيناريوهات التى يمكن لإيران أن تتخذها، فعلى سبيل المثال يمكن أن تلجأ إيران إلى غلق المضيق بالموانع الطبيعية، وهو ما يؤدى إلى إغراق السفن المارة عبره، أو إغلاقها له بالموانع العسكرية أو تلغيمه، وهو ما سيدفع القوات الأمريكية إلى استعمال القوة العسكرية، من بينها قذف الصواريخ واستخدام الطيران الحربى، وكاسحات الألغام. إلا أن المحلل عبدالعزيز زايد مرهون فى موقع المونيتور الإعلامى، يؤكد أنه لا سبيل لحل أزمة مضيق هرمز نظراً لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية للدول الغربية والملاحية العالمية بالحل العسكرى فقط، بل لا بد أن يصاحبه الحل السياسى أيضًا الذى يتبلور فى ثلاثة اتجاهات، على المستوى الأمريكى الإيرانى فى ظل إدارة دونالد ترامب من ناحية، وعلى المستوى الإيرانى والعربى من ناحية، وعلى المستوى الأمريكى السعودى ودول الخليج العربى من ناحية ثالثة. وتشكل الاعتبارات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية والجغرافية لمنطقة الخليج العربى ومعها مضيق هرمز أهمية قصوى، فهو المسئول عن نقل 17 مليون برميل نفط يومياً من منطقة دول الخليج العربى إلى أوروبا والولاياتالمتحدة من ناحية، كما أنه مسئول عن نقل جزء كبير من الغاز الروسى ودول وسط آسيا منهم إلى المياه الدافئة إلى نفس الاتجاه الغربى، بعد النزاع الروسى الأمريكى والأوروبى على جزيرة القرم، التى كانت تمثل المنفذ والطريق لأنابيب الغاز الروسى عبر تركيا، ثم إلى أوروبا، بالإضافة إلى ربط الخليج العربى لآسيا ومنها إلى بحر العرب والمحيط الهندى وأفريقيا عبر البحر الأحمر، ومنها إلى المياه الدافئة العالمية. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، وضع المؤتمر الثالث لملتقى أبوظبى الاستراتيجى الذى عقد فى معهد الإمارات للسياسات الشهر الماضى رؤيته حول أمن الخليج العربى بصفة عامة وحماية أمن وسلامة حركات التجارة العالمية عبر مياهه ومضايقه التى تتأثر ببعضها البعض، حيث يرى الخبراء أن هناك تأثيراً سلبياً يمكن أن يحل على حركة التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، إذا قابلته تحركات عسكرية أو إغلاق لمضيق هرمز من الناحية الأخرى. وقالت الدكتورة ابتسام القطبى، المنسق والمسئول عن فعاليات المؤتمر فى الكلمة الختامية، التى عرضت فيها خلاصة المناقشات والرؤى التى إستغرقت أكثر من ست جلسات على مدار يومين، أن هناك افتقاداً للثقة وصدق النوايا المتبادل بين الجانب العربى والإيرانى، حيث إن العرب على قناعة تامة برغبة وقيام إيران بالسيطرة على إقليم الشرق الأوسط، وأضافت أنه لن يمكن أن يقام حوار بناء بين الطرفين العربى والإيرانى، إلا بشرط احترام سيادة الدول على أراضيها وحدودها ومبادئ القوانين الدولية. يأتى ذلك مع إثارة مناقشات المؤتمر أنه باتت هناك كيانات بجانب الحكومات والدول الكبرى سواء العربية أو الأمريكية والأوروبية والأسيوية الصاعدة الآن مثل الصين وتحديداً الهند، قد تكون أشخاصاً أو مؤسسات فاعلة ومؤثرة فى القرارات مماثلة للحكومات ولا يمكن إغفالها، ويمكنها ان تلعب دوراً مؤثراً فى القرارات العالمية. واختتم المؤتمر رؤيته بأن العالم والعرب اعتادوا على الخروج الإيرانى المفاجئ من حين لآخر وذلك من أجل استعراض للقوى ولفت الانتباه، وخصوصاً إبان نجاح الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، الذى من المفترض أن يكون لإدارته رد فعل حيال التصريحات الإيرانية الأخيرة، ويتعين على النظام الإيرانى استيعاب أن الخليج العربى إنما سمح للقوات الأمريكية بأن تتواجد فى الخليج كان فى الأصل ناتجاً عن التدخل الإيرانى فى الشئون العربية وتهديدها لاستقرار المنطقة، وليس من أجل الاستعانة بالقوى الأمريكية لحمايتهم، وإنما تحمى الولاياتالمتحدة مصالحها هى وباقى الدول الغربية، وأوضحت الدكتورة ابتسام القطبى أن الدول العربية تمتلك هى الأخرى من الإمكانات بأنواعها التى تؤهلها لحماية أيضًا مصالحها فى الداخل والخارج، وبعثت المناورات العسكرية التى تقوم بها الدول العربية من وقت لآخر، وأخرها مناورات درع الخليج بالقرب من مضيق هرمز، برسالة واضحة إلى الجانب الإيرانى تحديداً بقدرة العرب على درء أية تهديدات تحيط بهم.