إن أمريكا تدعي حماية أمن منطقة الخليج الفارسي، إن أمن الخليج الفارسي مرتبط بدول هذه المنطقة التي لديها مصالح مشتركة ولا علاقة له بأمريكا، ولذا فإن ضمان أمن منطقة الخليج الفارسي ينبغي ان يكون بيد دولها، إن أمريكا غير مؤهلة لإبداء رأيها في هذا المجال، إن أمن منطقة الخليج الفارسي يخدم جميع بلدان المنطقة وإن زعزعة أمنه ستزعزع أمن جميع المنطقة. كانت هذه تصريحات مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، خلال استقباله منذ أيام عددًا من المسؤولين الإيرانيين وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة المبعث النبوي، وتتزامن تصريحات خامنئي هذه مع المناوشات التي تحدث من حين لآخر عن مضيق هرمز والخليج العربي، فعلى مدار الأسابيع الماضية، شهدت منطقة الخليج مضايقات من جانب البواخر التابعة للقوات البحرية للحرس الثوري الإيراني باتجاه السفن التجارية في المضيق، واعتبرت بعض وسائل الإعلام خطاب خامنئي عن زعزعة أمن المنطقة تهديدًا جديدًا يضاف إلى سجل التهديدات المتعلقة بغلق مضيق هرمز، إلا أن التهديد الآن يتزامن مع تطورات إقليمية هامة، مما يزيد من احتمالية تنفيذه مع تطور الأحداث. ماذا يحدث حاليًا عند مضيق هرمز؟
منذ بداية الحرب على اليمن، شهد الخليج العربي ومضيق هرمز مناوشات ومضايقات من جانب إيران تجاه السفن التجارية المارة بشكل متزايد عن المألوف، ففي أواخر أبريل الماضي، قامت 4 زوارق تتبع الحرس الثوري الإيراني بالإحاطة بسفينة البضائع “ميرسك كينجستون” الأمريكية في مضيق هرمز وتتبعوها عن كثب لبعض الوقت، حيث قام الأسطول الخامس الأمريكي بإصدار إشعار للبحارة. وفي 28 أبريل الماضي، قامت زوارق من قوات الحرس الثوري الإيراني البحرية بالاقتراب من السفينة “ميرسك تايغرس”، وهي سفينة بضائع من طراز جديد، تستطيع حمل أكثر من 5,400 من حاويات الشحن القياسية، كانت تتجه غربًا في المضيق تحديدًا في المياه الإيرانية الإقليمية، بعد ذلك تم الاتصال بقبطان السفينة وتوجيهه للمضي أكثر في المياه الإيرانية الإقليمية”، “عندما رفض القبطان الانصياع قامت مركبة تابعة للحرس الثوري الإيراني بإطلاق طلقات أمام غرفة قيادة “ميرسك تايغرس”، بعد هذا انصاع القبطان للطلب الإيراني ومضى في المياه الإيرانية بالقرب من جزيرة لاراك”، وترف سفينة “ميرسك تايغرس” علم جزر مارشال التي وضعت نفسها تحت حماية الولاياتالمتحدة أعقاب الحرب العالمية الثانية. وعدت هذه الواقعة هي الأولى من نوعها في مضيق هرمز. يمكنك التعرف على التفاصيل من هنا. نتيجة للمضايقات الإيرانية، صرحت وزارة الدفاع الأمريكية في 4 مايو، أن سفنًا حربية أمريكية بدأت مرافقة حاويات تجارية بريطانية عبر مضيق هرمز، كما بدأت البحرية الأمريكية “مرافقة” السفن التجارية التي تحمل علمًا أمريكيًّا في مضيق هرمز، في ظل وجود مناقشات مع بلدان أخرى ليشمل الأمر سفنها أيضًا، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أسماء تلك الدول، وأشارت لوكالة روتيرز أن هذه المرافقة لا تتطلب زيادة في الوجود البحري الأمريكي في المنطقة، لأنه يوجد ما يكفي من السفن الأمريكية في المنطقة. لم يقف الأمر عند هذا، ففي 14 مايو الماضي، ساعد حرس السواحل الإماراتي، سفينة ترفع علم سنغافورة، بعد تعرضها لإطلاق نار من البحرية الإيرانية، حيث قال حرس السواحل الإماراتي إن سفينة الشحن تعرضت لإطلاق نار من 4 زوارق إيرانية في المياه الدولية بالخليج، وأضاف البيان الذي أصدره حرس السواحل الإماراتي: “أرسلت السفينة نداء استغاثة إلى قوات حرس السواحل الإماراتية التي استجابت للنداء وساعدت السفينة في الوصول إلى ميناء جبل علي”. ما الذي تريد إيران إيصاله للعالم؟ تدريبات للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني– وكالة فارس بسبب المعركة الدائرة حاليًا بين الائتلاف العربي بقيادة السعودية ضد النفوذ الإيراني في اليمن الممثل في الحوثيين، والذي بدأ في التقلص نتيجة الغارات الجوية المكثفة، وتزامنًا مع المفاوضات النووية الدائرة حاليًا بين الدول 5+1 وإيران، والتي سوف تؤدي في حال الوصول إلى اتفاق نووي نهائي مع الغرب إلى تحجيم الطموحات الإيرانية النووية، تسعى إيران إلى إظهار قوتها الإقليمية وقدرتها في أي وقت على تنفيذ تهديدها الدائم بإغلاق مضيق هرمز. وفي تصريحات لمسؤول إيراني خلال مايو الماضي، رفض الإفصاح عن اسمه لوكالة رويترز، قال: “إن نشاطات إيران في مضيق هرمز مؤخرًا لها رسالة واحدة للسعودية، وهي أنه لا أحد يستطيع تجاهل دور إيران الرئيسي”، وأضاف المسؤول: “سواء إصلاحيين أو محافظيين، فإن القادة الإيرانيين لديهم إجماع حول نفوذ إيران الأمني في المنطقة”، وحول إرسال سفينة مساعدات إيرانية لليمن، قال المسؤول: “يجب أن لا يتوقعوا (أمريكا ودول الخليج)، أن قوى إقليمية مثل إيران ستظل صامتة في حالة منع سفينة المساعدات من الوصول إلى اليمن”. وطالما ما هددت إيران بغلق مضيق هرمز أمام السفن المارة، فعلى مدار الخمس سنوات الماضية، خرجت تهديدات كثيرة على لسان الكثير من القادة الإيرانيين، وكانت آخر مرة قيل صراحة، على لسان قائد القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية، الأميرال «علي فدوي» في مارس الماضي، والذي أشار إلى قدرة الحرس الثوري على إغلاق مضيق هرمز إذا تطلب الأمر، وحمّل الولاياتالمتحدةالأمريكية مسئولية أى خلل فى أمن منطقة مضيق هرمز، قائلًا: إن “مضيق هرمز إذا تم إغلاقه فإن السبب هم الأمريكان”. كيف تستطيع إيران غلق المضيق؟ منذ الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، عكفت إيران على تطوير إمكانياتها العسكرية البحرية لمواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية، حيث تستطيع الآن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلحاق الضرر بالقوات الأمريكية من خلال مئات الزوارق العسكرية الصغيرة والسريعة، البعض منها مجهز بأجهزة معقدة مضادة للسفن الحاملة لصواريخ الكروز، فهذه الزوارق الصغيرة تستطيع الوصول إلى السفن الأمريكية الكبيرة واختراق دفاعاتها حتى لو لم تتمكن من تدمير السفن الضخمة، كذلك بإمكان إيران أيضًا أن تطلق صواريخ من ساحلها المطل على الخليج والبالغ ألف ميل، كما يمكن لإيران أن تعيق أي تحرك في المضيق من خلال نثر الألغام البحرية في المضيق. وشهد مضيق هرمز مواجهات بحرية بين الولاياتالمتحدةوإيران، وأكثر حادثة مثيرة، كانت معركة بحرية استمرت يومًا كاملًا في عام 1988، قامت فيها الولاياتالمتحدة بالانتقام من حادثة تلغيم إيران لسفينة “USS Samuel B. Roberts” من خلال إغراق سفينتين حربيتين إيرانيتين وإلحاق الضرر بأصول أخرى. زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني– وكالة فارس قامت إيران بعد هذه الحادثة بتبديل استراتيجيتها العسكرية البحرية في مضيق هرمز والخليج، فبدلًا من الاعتماد على المدمرات الضخمة، تم الشروع في استخدام زوارق صغيرة وسريعة، حيث وضعت إيران في المقام الأول، مهمة مواجهة الأسطول البحري الأمريكي القابع في البحرين، في حالة اندلاع أي معركة. هل تستطيع إيران الإقدام على هذه الخطوة؟ حتى لو قامت إيران بغلق المضيق، فإن القوات البحرية الإيرانية لا تستطيع أن تغلقه بشكل دائم، إن الولاياتالمتحدة بإمكانياتها العسكرية الساحقة مقارنة بالإيرانية، قادرة على تدمير الأصول العسكرية الإيرانية، ولن تتمكن البحرية الإيرانية التقليدية حينها بدعم القوات البحرية للحرس الثوري، بسبب أن السلاح البحري التابع للجيش الإيراني والمكون من فرقاطات وطرادات قديمة يعود إلى أيام الشاه، سيمثل هدفًا سهلًا للمقاتلات الأمريكية، كما أن الغواصات الإيرانية المسماه ب “كيلو” والتي تم جلبها من روسيا، يسهل رصدها وإغراقها من جانب الجيش الأمريكي. المفتاح في يد إيران لكسب أي معركة في المضيق البحري، يكمن في خلط الانتصارات النفسية بالسياسة، مثل ضرب السفن أو حاملات الطائرات الأمريكية حتى لو يتم تدميرها، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر النفط وزيادة الضغط الدولي، الذي بدوره سيشكل حملًا على كاهل الولاياتالمتحدة يدفعها لوقف هجماتها العسكرية ضد إيران. الجيش الأمريكي لكن في المقابل، ستدفع القوات الإيرانية ثمنًا باهظًا للقتال في الخليج، حيث من الممكن أن تدمر قواتها بدون أن يتم إلحاق ضرر أولي ضخم بالقوات المقابلة، مما سيعرض النظام الإيراني لنوع من الإهانة، فعلى الرغم من الخطاب العسكري الناري للقيادات الإيرانية، فإن القوات البحرية الإيرانية فقيرة إذا تم مقارنتها بالأسطول الخامس الأمريكي. كما أن إيران، تعتمد على المضيق في حرية الملاحة وتصدير نفطها أكثر من جيرانها، الذين استطاعوا إيجاد حلول أخرى لتصدير نفطهم من خلال بناء خطوط أنابيب لتجاوز عقبة غلق الممر المائي الاستراتيجي، في حين معظم الصادرات والواردات الإيرانية تمر من المضيق. ما هي تداعيات إغلاق المضيق؟ مضيق هرمز هو واحد من أهم نقاط الاختناق البحرية الكبرى في العالم، حيث يمر حوالي 20% من المؤن السنوية من النفط الخام من خلال هذا المضيق البالغ عرضه 6 أميال، وفي عام 2008، بمجرد أن شعر العالم أن تهديد إيران بغلق مضيق هرمز من الممكن أن يصبح واقعًا، قفزت أسعار النفط ليصل البرميل الواحد لمستوى قياسي بلغ 147$ للبرميل الواحد، لكن بعد أن افتتحت الإمارات خطوط الأنابيب البالغ طولها 240 ميلًا منذ سنتين، والذي استطاع أن يصل بين أكبر الحقول الإماراتية ببحر العرب، قد خفف من مخاوف غلق المضيق، إلا أن المضيق رغم ذلك يظل وسيلة أساسية لمرور شحنات النفط حول العالم. ومن المعلوم أن دول الخليج تصدر ما يقرب من (90٪) من نفطها بواسطة الناقلات التي تعبر ذلك المضيق، ليس هذا وحسب، بل إن أغلب دول الخليج تمر مستورداتها عبره خصوصًا تلك القادمة من دول الشرق مثل الصين واليابان وكوريا وغيرها. وبما أن مضيق هرمز هو الشريان الحيوي الذي يمد العالم بالطاقة ويعود بالازدهار والثراء على كل الدول المطلة عليه، فإن نتائجه بلا شك ستكون كارثية على الجميع، أما أكثر الدول المتأثرة بإغلاق مضيق هرمز عالميًّا فهي: الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأول والأكبر مع إيران على مستوى العالم، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين إيرانوالصين 45 مليار دولار عام 2011م، بزيادة بلغت 55% عن عام 2010م. وتستورد الصين نحو 21% من إجمالي صادرات النفط الإيرانية بمعدّل 2.2 مليون برميل نفط، وتحاول اليوم إحلال السلام في المنطقة حرصًا على مصالحها الاقتصادية. وتعتبر إيطاليا، وإسبانيا، واليونان من أكثر الدول الأوروبية المتضرّرة من إغلاق مضيق هرمز، لأنها تستورد النفط الإيراني بالائتمان، بعد أن توقّفت روسيا عن تصديره إليها بسبب تجميد اتفاق تعاون عسكري بين البلدين (اليونان وروسيا)، ويبلغ إجمالي ما تستورده الدول الأوروبية من النفط الإيراني 450 ألف برميل نفط يوميًّا، أي بنسبة 18% من إجمالي الصادرات الإيرانية البالغة 2.7 مليون برميل نفط يوميًّا. خط حبشان الفجيرة بالإمارات وبخصوص دول الخليج العربية، فالمملكة العربية السعودية ستتضرّر صادراتها من النفط الخام المحمول بحرًا بنسبة 88% إلا أن لها منافذ أخرى تستطيع التعويض عبرها وهي على بحر العرب والبحر الأحمر، أمّا الأكثر تضرّرًا فهي دولة الكويت وقطر والبحرين، أما الإمارات العربية المتحدة فبادرت بعد انتهاء خط الأنابيب الذي افتتحته (خط حبشان الفجيرة) بضخّ نفطها عبره، إلا أنها ما زالت تحتاج لمياه المضيق.