دعم الطاقة واحد من أكبر أشكال الظلم الاجتماعى فى توصيل الدعم لمستحقيه، فالدراسات تؤكد أن المستفيد الأول من هذا النوع من الدعم الذى يكلف الدولة 61 مليارًا بعد انخفاض أسعار البترول، يذهب معظمه للأغنياء ورجال الأعمال، حتى أن السفارات الأجنبية البالغ عددها 140 سفارة و70 منظمة إقليمية ودولية تمتلك حوالى 5000 سيارة جميعها تشارك المصريين فى هذا الدعم، وفى الوقت الذى تتحمل ميزانية الدولة هذا العبء لا يستفيد الفقراء منه شيئًا، بينما يستفيد منه الأغنياء والأجانب، ومن ثم وفى إطار بحث الحكومة عن سبل تخفيض عجز الموازنة أصبح التفكير جديًا فى رفع الدعم عن الطاقة، إلا أن الأمر محفوف بالمخاطر لما سيؤدى إليه هذا الإجراء من ارتفاع فى أسعار كافة السلع والخدمات. 100 مليار جنيه كانت تتحملها خزينة الدولة من قبل لدعم الطاقة انخفضت هذا العام لتصل إلى 61 مليارًا فقط بسبب انخفاض أسعار البترول عالميًا، ومن المتوقع ان تنخفض فى الحساب الختامى للموازنة، حيث أنفقت الحكومة 26 مليارًا فى النصف الأول من العام الجارى على دعم الطاقة، رفع أسعار الوقود مؤخرًا بينما كان هذا المبلغ يقدر ب 45 مليارًا فى نفس الفترة من العام الماضى، بانخفاض قدره 42.2%، وطوال هذه الأعوام وحتى يومنا هذا لا يستفيد من دعم الوقود سوى الأغنياء حيث أشارت الدراسات وبيانات مركز معلومات مجلس الوزراء إلى أن الأغنياء أكثر المستفيدين من دعم الطاقة حيث تصل نسبة استفادتهم منه إلى 34% مقابل 17 % فقط للفقراء. وأشارت الدراسات إلى أن توسع الدولة فى دعم الطاقة أدى إلى تحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد كثيف الاستخدام للطاقة، حيث تأتى مصر فى المرتبة الخامسة فى دعم الطاقة وبذلك تسبق العديد من الدول المنتجة للنفط، كما أنه أدى إلى سوء استخدام موارد البلاد غير المتجددة من البترول والغاز، بالإضافة إلى أن انخفاض أسعار الطاقة أدى إلى ظهور أنماط استهلاكية غير اقتصادية، وبالتالى زادت كميات الوقود المستخدمة دون إضافة عائد اقتصادى للبلاد بل زادت أعباء الدولة بسبب الدعم الموجه لها. ففى الوقت الذى يحصل فيه الفلاح على الديزل لتشغيل ماكينات الرى وزراعة الأرض بسعر 110 قروش للتر تحصل فنادق البحر الأحمر عليه بنفس السعر لتشغيل المولدات، وحتى بعد رفع السعر تم رفعه للجميع سواء وفى الوقت الذى يحصل فيه المواطن محدود الدخل الذى اقترض ليشترى سيارة تحميه وأسرته من عذاب المواصلات، أو قام بشراء سيارة بالتقسيط لنفس الغرض أو اشترى سيارة مستعملة متهالكة، فهو يحصل على البنزين بنفس السعر الذى يحصل عليه به صاحب السيارة الفارهة التى يصل سعرها إلى ملايين الجنيهات، أما المواطن الذى لا يمتلك سيارة من الأساس فهو يتحمل أعباء الدعم الموجه لهذا البند دون أى استفادة. الأخطر من ذلك هو أن الدولة تدعم السفارات الأجنبية العاملة فى مصر، فوفقًا لبيانات وزارة الخارجية يوجد لدينا 140 سفارة أجنبية وعربية و70 منظمة إقليمية ودولية، تمتلك حوالى 5 آلاف سيارة دبلوماسية تحصل جميعها على الوقود المدعم، بل إن السيارات التابعة للسفارة الأمريكية والتى دهست المصريين فى أحداث ثورة 25 يناير تستخدم الوقود المدعم، وهو ما يعنى أن الحكومة المصرية الفقيرة تدعم أغنى دول العالم!! و تحدد إدارة شئون المراسم بوزارة الخارجية عدد السيارات المخصصة لكل سفارة وفقًا لعدد العاملين بها ومبدأ المعاملة بالمثل بين الدولتين، وتمنح هذه السيارات إعفاءات جمركية لدخول البلاد، ولها حماية فلا يجوز تفتيشها أو الاقتراب منها. ولأنه لا يوجد قانون فى مصر يفرض على هذه السيارات استخدام البنزين 95 غير المدعم، لذا سنفترض أنها تستخدم البنزين المدعم، وبذلك وبحسبة بسيطة نكتشف أن الدولة تدفع حوالى 38.3 مليون جنيه قيمة دعم البنزين لهذه السيارات، حيث إن قيمة دعم البنزين 92 تصل إلى 210 قروش للتر الواحد، فلو افترضنا أن السيارة تستهلك 10 لترات فقط يوميا فى المتوسط، فإن هذا يعنى أن الدولة تدعمها بمبلغ 21 جنيهًا يوميًا، أى تدفع للسيارات الدبلوماسية حوالى 105 آلاف جنيه فى اليوم، تصل إلى 38.3 مليون جنيه سنويًا. ورغم أن هذه القيمة ستنخفض بعد رفع أسعار المحروقات إلا أن السفارات الأجنبية سيظل لها نصيب من الدعم، حيث مازالت الدول تدعم لتر البنزين 92 بمبلغ 125 قرشًا بعد رفع سعره إلى 350 قرشًا. كذلك تدعم الدولة رجال الأعمال حيث أثبتت الدراسات أن المصانع تستحوذ على الجانب الأكبر من دعم الطاقة حيث تبين أن 40 مصنعًا كثيف الاستخدام للطاقة كانت تحصل فى سنوات ما قبل الثورة على 65% من الدعم الموجه للطاقة سنويا، رغم أن نسبة مساهمتها فى الاقتصاد المصرى لا تزيد علي 20%، والعمالة الموجودة بها تمثل 7% فقط، أما الغاز الطبيعى فحتى الآن ما زالت الدولة تتحمل قيمة دعمه لرجال الأعمال، ففى الوقت الذى ارتفعت فيه تعريفة المحاسبة المنزلية من 40 إلى 75 قرشا للشريحة الأولى التى تستهلك 40 مترا، اما الشريحة الثانية والتى تستهلك من 40 متى إلى 75 مترًا فتحاسب بسعر 150 قرشًا للمتر، أما المنازل التى تستهلك اكثر من ذلك فتدفع جنيهين لكل متر مكعب، أما المصانع فقد قامت الحكومة بتخفيض أسعار الغاز لمصانع الحديد من 7 دولارات إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وهو ما دفع مصانع السيراميك للمطالبة بالمثل، وبذلك أصبحت الحكومة تدعم رجال الأعمال لتحقيق أرباح بالمليارات فى حين لا يستفيد المواطن البسيط الذى يدفع الضرائب من الدعم الموجه لهذا القطاع. وحتى فى التعريفة الجديدة لم تقترب الحكومة من الغاز الموجه للمصانع واكتفت برفع الأسعار على الغاز المنزلى فقط. و فى الوقت الذى اتفقت الحكومة مع المصانع على تحرير أسعار الطاقة خاصة الغاز الطبيعى الموجه لها على مدار خمس سنوات ما زال المواطن المصرى يعانى من ارتفاع أسعار الغاز المنزلى، وأنبوبة البوتجاز التى تدعمها الدولة ولا تصل بسعرها المدعم إلى المواطنين إلا فيما ندر، حيث أشارت الدراسات إلى أن 90% من المواطنين يحصلون عليها بأسعار تتراوح بين 15 إلى 50 جنيها بينما سعرها الرسمى 8 جنيهات فقط، فكيف سيكون الحال بعد رفع السعر رسميًا إلى 15 جنيهًا؟! وبذلك يتضح أن المواطن الفقير لا يستفيد شيئًا من دعم الطاقة فى حين يستفيد منه الأغنياء، وفى حالة إلغائه سيعانى المواطن من ارتفاع أسعار المواصلات والسلع بشكل عام لذلك يطالب محمد الزينى وكيل لجنة الصناعة والطاقة بالبرلمان بمنح المواطن دعمًا نقديًا يعينه على مواجهة هذا الارتفاع فى الأسعار، وهذا الدعم يجب أن يكون متوافقًا مع مدى ارتفاع الأسعار حتى يتمكن المواطن من مواجهة آثار الإصلاح الاقتصادى، وأما الدعم الموجه للمصانع فيطالب الزينى باستمراره لأن هذا الدعم سيؤدى إلى خروج منتج يستطيع المنافسة فى السوق العالمى ويكون سعره تنافسيًا، خاصة أن المصانع تتكلف الكثير الآن بسبب ارتفاع أسعار الدولار لذلك لابد من توفير الطاقة لها بأسعار مناسبة، لأن هذا الدعم سيؤدى إلى الإنتاج وتشغيل المزيد من الأيدى العاملة. وأكد الزينى على ضرورة الفصل بين الدعم الموجه للأفراد الذى سيتم رفعه، والدعم الموجه للصناعة والذى لابد من الإبقاء عليه لأنه سيكون له مردود على الدولة والمصانع والاقتصاد المصرى كله نتيجة لزيادة الإنتاج وما يتبعه من التوسع فى التصدير. أما تامر أبو بكر رئيس غرفة البترول باتحاد الصناعات فيؤكد أنه حتى لو تم رفع الدعم عن الطاقة فالتأثير سيختلف من صناعة إلى أخرى حسب الطاقة المستخدمة فيها، فعلى سبيل المثال الصناعات التقليدية التى تمثل الطاقة ما يتراوح بين 2% إلى 8% من مكوناتها لن تتأثر كثيرا حيث إن نسبة الطاقة بالنسبة للمكونات الأخرى ليست كبيرة وبالتالى فالزيادة فيها لن تكون كبيرة، أما الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الأسمنت والذى تمثل الطاقة 5% من مكوناتها فهذه مشكلتها ستحل بعد استخدام الفحم الرخيص وبالتالى لن تتتأثر، أما مصانع الأسمدة فتخضع لمعادلة جبرية موضوعة، وبالتالى فارتفاع أسعارها لن يكون كبيرًا، اما الصناعات التى ستتأثر فعلًا فهى صناعة السيراميك والبورسلين والحديد، ولكن هذه هى اقتصاديات السوق وتوجيه الدعم للصناعة يخل بها، فكل الدول الصناعية بها صناعات كبرى وتصدر للعالم دون توجيه دعم للمصانع، وإذا أرادت الدولة توجيه دعم للمصانع يمكن أن يتم هذا للصناعات التصديرية فقط أما الصناعات التى توجه للسوق المحلى فلا يتم تدعيمها. وأضاف أبوبكر أن هناك جانبًا ايجابيًا لرفع الدعم عن الطاقة فى مجال الصناعة وهو أن المستثمر سيفكر ألف مرة عند شراء المعدات، فمع وجود الدعم كان المستثمر يشترى الآلات الرخيصة بغض النظر عن استهلاكها للطاقة، أما إذا تم رفع الدعم فسيلجأ إلى شراء الآلات التى توفر فى استهلاك الطاقة وهذا أفضل.