بارقة أمل بدأت تلوح في أفق العلاقات المصرية السودانية، التي بدأت منذ نحو 60 عامًا، من خلال اللقاء الذي جمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونظيره السوداني عمرو البشير، في زيارة خاصة قام بها الأخير للقاهرة، صباح اليوم الخميس، لتكون بمثابة مُسكنًا للتوتر الذي شاب هذه العلاقة خلال الفترة الأخيرة. بالتدقيق في تاريخ العلاقة التي جمعت مصر بالشقيقة السودان، نجد أنها رغم قوتها إلا أنها تعرضت في بعض مراحلها لبعدد من الأزمات التي لم تؤثر تأثيرا قويًا على المصير المشترك للشعبين المصري والسوداني. "حلايب وشلاتين" تعد واحدة من القضايا الجدلية، التي خاضت غمارها كلًا من مصر والسودان، فمنذ عام 1958 وهناك معركة سيادة على مثلث حلايب وشلاتين، بعدما قررت سلطة الاحتلال البريطاني التي كانت مصر والسودان واقعتان تحت حكمها آنذاك، ضم حلايب إلى الأراضي السودانية بسبب قربها من الخرطوم عنها من القاهرة. ولكن عقب ثورة 23 يوليو، وإعلان مصر جمهورية عربية، آراد الرئيس جمال عبدالناصر إعادة السيادة المصرية عليها، وقام بإرسال قوات إلى المنطقة للسيطرة عليها، وكاد الخلاف الناشب حينها أن يتحول إلى نزاع حدودي مسلح بين البلدين، لكنهما تمكنا من تغليب منطق التعايش وحسن الجوار على الاشتباك. ومنذ ذلك الوقت خضعت حلايب للسيادة المزدوجة والحكم الثنائي بين مصر والسودان، إلا أن الحروب الكلامية بين الرؤساء المتعاقبين عليهما ظلت مشتعلة، وأثرت بدورها شدًا وجذبًا على العلاقة بينهما. وظلت السودان تطالب وتحاول جر مصر إلى التحكيم الدولي إلا أن الرفض المصري كان يقابلها دومًا، لكن لايمكن اللجوء إلى المحكمة الدولية إلا برضا الطرفين وفقًا للقانون الدولي، وهو ما لم يحدث. وقد أعلن السودان تقديمه شكوى ضد مصر لدى مجلس الأمن الدولي بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية عام 2015 في حلايب وشلاتين، وأعيد فتح الملف بعد ذلك حين وقعت مصر مع السعودية اتفاقية ترسيم الحدود. وتتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية لدى الجانبين، حيث تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًا هامًا لها، وتنظر لها السودان بأنها عاملًا هامًا في الحفاظ على وحدتها واستقرارها السياسي. "اغتيال مبارك" وضربت أزمة كبرى العلاقات بين البلدين خلال عام 1995، حينما تعرض الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك إلى محاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حينما كان يحضر قمة إفريقية. واقعة الاغتيال بدأت مع إغلاق مسلحين الطريق أمام موكبه، وإطلاقهم النار على سيارته ولكنه لم يصب بأذى بعد أن تمكن حراسه من التصدي لمنفذي الاعتداء، في حين قتل عدد من منفذي العملية. واشتعلت حرب الاتهامات بعد ذلك بين الجانبين، حيث اتهمت الحكومة المصرية النظام السوداني بقيادة عمر البشير بالتخطيط لمحاولة اغتيال مبارك، وذلك باستضافته قيادات جماعة الإخوان. "سد النهضة" أما أزمة سد النهضة، فبالرغم من أنها بين مصر وإثيوبيا بشكل كبير، إلا أن السودان تعد طرف أساسي بها، بعدما شاب موقفه الانحياز إلى الجانب الأثيوبي، فقد ظل الجانبين ملتزمين باتفاقية 1959، التي تعتبر دستورًا لأعمال الهيئة الفنية الدائمة المشتركة بين دول النهر، أظهرا خلال تلك السنوات تعاونًا مثاليًا بإنشاء المشاريع على النهر. إلا أنه بعد مرور سنوات عدة، باتت الإتفاقية نقطة خلاف بين مصر ودول حوض النيل، التي طالبت بضرورة مراجعة الإتفاقية وحصص المياه وفق لتطوارت الأوضاع داخل البلاد، وأكدت وقتها السودان وإثيوبيا أنهام يحتاجان حصص أكبر من مصر. حتى جاءت فكرة سد النهضة، وأخذت كلًا من مصر والسودان مواقف غير موحدة من سد النهضة، فتهتم مصر الخرطوم بدعم إثيوبيا، وترى الأخيرة أن للسد فوائد عظيمة وأنه ليس له أي أضرار أو مخاطر، وأن موقف مصر ظالم. "مقتل سودانيين" وحين قتل 6 سودانيين خلال عام 2015، في شبه جزيرة سيناء على الحدود مع إسرائيل، كان الخلاف وصل بين الجانبين إلى مرحلة غير مسبوقة، لاسيما أنه تلاها حادث أخر بمقتل نحو 15 أفريقيًا بينهم سودانيين برصاص مجهولين في منطقة رفح. كانت تلك الحوادث بمثابة جذوة اشعلت النيران، فأعلنت أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة إرسال "بعثة قنصلية" إلى مدينة العريش لتقصي الحقائق حول مقتل السودانيين في الحادثة، مؤكدة احتجاجها على إساءة معاملة السودانيين في مصر. وطالب حزب "المؤتمر الوطني"، الذي يرأسه عمر البشير، بالتحقيق بشأن وقائع تعذيب مواطنين سودانيين في مصر، لكن أجهزة أمن الأخيرة، نفت استهدافهم وقالت إن الإجراءات تُتخذ ضد جميع الخارجين عن القانون. "الصادرات المصرية" وآخر تلك الأزمات، كان القرار المفاجىء الذي خرجت به السودان، بفرض رسوم جمركية على واردات السيراميك المصري بالمخالفة لاتفاقيتي "الكوميسا والتيسير العربية"، دون إعلان أي أسباب وذلك في يوينو الماضي. وفي الشهر الماضي، قررت الحكومة السودانية وقف استيراد جميع أنواع الخضر والفاكهة والأسماك من مصر، بدعوى اكتمال الفحوصات المعملية والمخبرية التي تُجرى لضمان السلامة العامة.