سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    الأوقاف تعلن مواعيد المقابلات الشفوية للراغبين في استخراج تصريح خطابة    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    حبس طرفي مشاجرة نشبت بينهما بسبب معاكسة فتاة في المطرية    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    فيروس ماربورغ.. القاتل الخفي الذي يعيد ذكريات الإيبولا    مصرع شخص في حادث انقلاب سيارة بطريق سيوة مطروح    المديريات التعليمية تبدأ الاستعداد لاختبارات شهر نوفمبر لصفوف النقل    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا للاطمئنان على حالتهم    مركز التجارة الدولي: 195 مليون دولار صادرات مصر من الشيكولاته في 2024    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    مصر وتشاد تبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    فرنسا يلتقي أذربيجان في مواجهة تحصيل حاصل بتصفيات مونديال 2026    الري: التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء أحد أدوات التعامل مستقبلا مع محدودية المياه وتحقيق الأمن الغذائي    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    اليوم .. بدء القيد بالنقابة العامة لأطباء الأسنان لخريجى الكليات دفعة 2024    مادورو: المناورات العسكرية الأمريكية مع ترينيداد وتوباجو غير مسئولة    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    ضبط شخصين تعديا بالضرب بالشوم على شاب في الشارع بالمنيا    الأرصاد الجوية : الطقس اليوم مائل للبرودة وشبورة وأمطار والعظمى بالقاهرة 25 والصغرى 17    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    110 جنيهات زيادة في أسعار الذهب محلياً خلال أسبوع    البث المباشر لمباراة نيجيريا والكونغو الديمقراطية.. قمة نارية لحسم بطاقة الملحق العالمي لمونديال 2026    متي ينضم محمد صلاح لمعسكر الفراعنة قبل أمم أفريقيا ؟ ليفربول يحدد الموعد    أمام كاب فيردي .. عمر مرموش يحل أزمة الجبهة اليسرى فى منتخب مصر    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    «حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    نجم مسلسل "الهيبة" السوري يعتنق الديانة المسيحية (فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    تنفيذ مداهمات ضد الهجرة غير الشرعية في مدينة شارلوت الأمريكية    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    استقرار أسعار اللحوم في الأسواق المصرية اليوم الأحد    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    أدم محمد صبري: والدي رفض دخولنا نادي الزمالك ب "الواسطة".. وهذه وصيته لنا    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    يومًا للتضامن.. شهادات صادمة تكشف حجم الانتهاكات في الفاشر    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    الدفاع الروسية: إسقاط 36 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    البنك الأهلي المصري يقود تحالفاً مصرفياً لتمويل «مشارق للاستثمار العقاري» بمليار جنيه    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمم العربية..... والنفس العربية المنكسرة؟
نشر في الوفد يوم 25 - 01 - 2011

يموج المشهد العربي بالعديد من الكوارث ويعيش المواطن العربي حالة غير مسبوقة من الإحباط عبر عنها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، في كلمته أمام القمة الاقتصادية الثانية التي انعقدت يوم التاسع عشر من يناير 2011 في شرم الشيخ ،حين أوضح أن النفس العربية منكسرة بالفقر وبالبطالة والتراجع العام في المؤشرات العربية للتنمية، كما أشار إلى المشاكل السياسية التي لم نستطع حلها!
وكان انعقاد تلك القمة العربية الاقتصادية بعد خمسة أيام فقط من انتفاضة الشعب التونسي وهروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أحد أعضاء القمم العربية السابقين، ومع ذلك يصرح أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري بأن القمة لم تتعرض للشأن التونسي لأنها قمة اقتصادية لا تتطرق إلى الشئون السياسية، وأن القمة القادمة التي ستنعقد ببغداد في مارس القادم ستتناول بالتأكيد الشأن التونسي
ولم يكن الشأن التونسي هو الموضوع العربي الوحيد الذي لم تتطرق إليه القمة الاقتصادية بشرم الشيخ، بل كان هناك الانفصال المؤكد لجنوب السودان بعد انتهاء الاستفتاء والذي تشير كل المؤشرات إلي أن الجنوبيين قد اختاروا الانفصال، والذي يبدو أيضاً أن حكومة السودان في الخرطوم ترحب به بل وتستعجله. وهناك الأوضاع المتردية في لبنان واحتمالات الصدام السياسي والتي قد تنفلت إلى صدام عسكري يعود بلبنان إلى أجواء الحرب الأهلية. واليمن يغلي بالمعارضة المتزايدة لحكم الرئيس على عبد الله صالح الذي كان يسعى إلى تعديل الدستور ليحكم مدى الحياة ثم جاءت الأنباء أنه قد تراجع عن هذا المشروع بعد انتفاضة الشعب التونسي. كذلك تتصاعد المطالب لانفصال جنوب اليمن مرة أخرى عن اليمن الموحد. والعراق لا يزال يرزح تحت ضغط الانفلات الأمني وتتوالى أعمال العنف والقتل والتدمير بحيث لا يتوقع أبداً أن يأمن الرؤساء والملوك العرب على أنفسهم ويغامروا بعقد القمة العربية القادمة في بغداد.
وشهدت الأسابيع الماضية تواتر إعلان عدة دول في أمريكا اللاتينية اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، كما يتردد أن دولاً أوروبية في طريقها إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن أن روسيا قد أكدت اعترافها وتمسكها بما سبق إعلانه أيام الاتحاد السوفييتي السابق. ورغم ذلك التأييد الدولي المتصاعد للقضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، لم يجد القادة العرب في قمتهم بشرم الشيخ ما يدعوهم لمناقشة قضية فلسطين السليبة والأرض العربية المنهوبة والاستعلاء الإسرائيلي ورفض الصهاينة كل محاولات الاستجداء العربي من أجل قبول المبادرة العربية التي أطلقها القادة العرب في قمة بيروت عام 2002. وأشك أن السلطة الفلسطينية ذاتها، والذي غاب رئيسها عن تلك القمة، لا تبدي حماساً لذلك التأييد الدولي وتخشى إعلان قيام الدولة الفلسطينية خوفاً من تهديد إسرائيل وأمريكا أن إعلان تلك الدولة من طرف واحد سيترتب عليه عقاب شديد!
وقد انعقدت القمة الاقتصادية في شرم الشيخ ومصر لم تتعاف بعد من آثار حادث التفجير بكنيسة القديسين بالإسكندرية وما ترتب عليه من إطلاق حالة غير مسبوقة من الغضب من جانب مسيحيي مصر ومسلميها الذين يرفضون كل أشكال التمييز التي أنتجت حالة من الاحتقان الطائفي تهدد بفتنة طائفية تغذيها وتنفخ فيها كل أسباب الاحتقان المجتمعي الناتج من غياب الديمقراطية وتزوير الانتخابات وإقصاء الحزب الحاكم لجميع معارضيه وانفراده بالسيطرة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع تراكم مشكلات الفقر والبطالة وتردي الأحوال المعيشية لملايين المصريين مسلمين ومسيحيين وتغوًل الفساد وانتشاره.
والغريب أن المجتمعين في قمة شرم الشيخ "الاقتصادية" من رؤساء وملوك وقادة عرب قد فاتهم أن ما يتباحثون فيه من مشكلات "اقتصادية" تعود بالدرجة الأولى إلى أسباب سياسية تتعلق بنظم الحكم في الوطن العربي التي هي أبعد ما تكون عن تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وعدالة توزيع الدخول والثروات بين المواطنين. إن انشغال النظم الحاكمة في الوطن العربي بتأمين الحكم وتأكيد الاستمرار في السلطة والعزوف عن التطبيق الحقيقي للديمقراطية القائمة على تداول السلطة وحرية المواطنين في اختيار من يمثلهم ومن يحكمهم هي أهم أسباب مشكلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون في القرن الواحد والعشرين.
ومن العجيب في أمر القمم العربية أنها على مدى السنوات منذ 1946 تاريخ انعقاد القمة الأولى التي دعا إليها ملك مصر السابق فاروق ، عقد القادة العرب 33 قمة عربية، بينها 22 قمة عادية و11 قمة طارئة، إلى جانب قمة اقتصادية واحدة بالكويت في يناير 2009 والقمة الاقتصادية الثانية التي انعقدت في شرم الشيخ منذ أيام. وتبنت هذه القمم 300 قرار أتحدى أن يكون أياً منها قد دخل حيز التنفيذ أو كان له تأثير ملموس في أوضاع الوطن العربي وحياة العرب. بل على العكس، أكرر مرة أخرى قول عمرو موسى وهو يعدد ما أنجز من قرارات القمة الاقتصادية الأولى التي عقدت في الكويت " أنني ولو كنت أركز على الجزء الممتلئ من الكوب فلست أتجاهل ولا أقلل من خطورة الجزء الفارغ منه وخاصة بالنسبة لصالح الأغلبية التي تطحنها عجلات الفقر والبطالة والتهميش". ولست أدري ماذا كان رد فعل القادة العرب وهم يستمعون إلى تلك الكلمات تنطلق كالرصاص من فم أمين عام الجامعة العربية، كما أتساءل كم من السنوات يحتاجها القادة العرب وكم قمة يحتاجون لعقدها حتى تصلهم الرسالة ويفهمون حالة أوطانهم ومواطنيهم ويجنبون أنفسهم وشعوبهم المصير التونسي ؟
لقد عقد القادة العرب العديد من القمم وصفت جميعها بأنها " تاريخية"، يقال في بعضها أنها تهدف إلى تنقية الأجواء العربية، وتوصف قمم أخرى بأنها تبحث في الشأن العربي وإزالة أسباب الخلافات العربية ذ العربية، وقمم أخرى صدرت عنها مبادرات لحل القضية الفلسطينية ، ومع ذلك فإن المشهد العربي يزداد سوءاً والخلافات العربية ذ العربية تتصاعد وتتأزم العلاقات بين الدول العربية بحيث يقاطع بعض الزعماء العرب تلك القمم. وفي القمة الأخيرة في شرم الشيخ غاب عنها أقدم الرؤساء العرب معمر القذافي ربما لأن باقي الزعماء لم يشاركوه ذ صراحة على الأقل ذ حزنه البالغ على إقصاء الرئيس التونسي الهارب ولم يؤيدوا لومه للشعب التونسي أنهم لم يصبروا ثلاثة أعوام كان بن علي سيغادر قصر قرطاج بعدها كما أعلن في خطابه الأخير قبل هروبه بيومين.
والسؤال المنطقي الذي يدور في ذهن كل عربي، بعد أن أنهى الزعماء قمتهم الرابعة والثلاثين، هو ما الذي ينتظر تحقيقه على أرض الواقع لتحسين أحوال الشعوب، بخلاف الشعب الكويتي فقط الذي حصل على مكرمة أميرية سخية لا يحلم بها باقي شعوب العالم العربي، ؟ والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى مراجعة سريعة لما أنتجته تلك القمة التي وصفت ب"الاقتصادية". لقد اقتصر الأمر على ما أطلق عليه "إعلان شرم الشيخ" والذي تضمن مجموعة من الأمنيات وترديد لشعارات وأقوال مرسلة من نوع "الالتزام الكامل بالاستراتيجيات التنموية والفكر الاقتصادي المتطور الذي تم إقراره في قمة الكويت 2009". وكذلك أشار إعلان شرم الشيخ إلى" أهمية الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي"، والالتزام بإتاحة الفرص أمام الشباب العربي لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع وتوفير فرص العمل لهم بما يمكن أن يسهم في خفض معدلات الفقر، ومستويات البطالة.."، وشعارات أخرى كثيرة من دون أن يتطرق الإعلان إلى قرارات اتخذها القادة لتفعيل تلك النوايا التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
فالقادة العرب في قمتهم الاقتصادية الثانية، وبينما أوطانهم تغلي وتفور بانتفاضات المعارضين وفي مقدمتهم الشباب، لم يتخذوا قراراً بتفعيل السوق العربية المشتركة، ولم يقرروا إنشاء منطقة نقدية موحدة وإطلاق العملة العربية الموحدة، ولم يتخذوا إجراءات حقيقية لإلغاء نظام الكفيل وفتح أبواب العمل للقوى العاملة العربية في دول الخليج وإحلالهم محل العمالة الآسيوية، أو على الأقل إعطاؤهم الأفضلية، كذلك لم يتخذ القادة قراراً بإلغاء تأشيرات الدخول إلى دولهم لمواطني الدول العربية، ولا اتخذ القادة قراراً بتخصيص عدة مليارات من الدولارات لتكوين شركات عربية مشتركة لاستثمار وزراعة ملايين الأفدنة القابلة للزراعة في السودان وإتاحة فرص العمل لملايين العمال الزراعيين من مصر وغيرها من الدول العربية المصدرة للقوى العاملة.
ونعود للقضية التي حرص المجتمعون في شرم الشيخ على تفادي الحديث عنها، ولو في العلن على الأقل، وهي انتفاضة الشعب التونسي ومدى قابليتها للتكرار في أوطان عربية أخرى، ونقول: إن المشهد التونسي قد فرض نفسه على الواقع العربي وعلى القادة العرب تدارك أسباب الاحتقان الشعبي في بلدانهم والإعلان عن برامج حقيقية للإصلاح السياسي والدستوري ودعم شبكات الضمان الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية قبل فوات الأوان.. إن القادة العرب مدعوون لتأمل كلمات أمين جامعتهم والعمل بسرعة لإزالة أسباب الفقر والبطالة والتهميش، حتى تجبر النفوس العربية المنكسرة.
وعلى القادة العرب عدم الانتظار لحين انعقاد القمة القادمة في مارس حتى لا يكون عليهم ليس فقط مناقشة الشأن التونسي وإنما مناقشة شئون كثير من الدول العربية التي ستحذو شعوبها حذو الشعب التونسي البطل.
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.