أعتقد ويشاركني الكثيرون فيما أظن، أن الأوطان تهون على بنيها عندما يتوهون عن معالم أبرز محطات تاريخهم بكل ما تُشير إليه من سلبيات وإيجابيات، أو إنجازات مشهود لها قد تنال منها تراجعات حضارية، أو تشييد صروح عملاقة للبناء الإنساني تقترب من أساساتها معاول التشويه... وجامعة القاهرة من بين أهم هذه الصروح العملاقة على أرض الوطن.. فى عصر محمد على ومن خلفه في حكم مصر، كانت فكرة إنشاء جامعة قد تواترت بين طلاب البعثات المصرية الذين أرسلوا إلى أوروبا، فقد لهجت ألسنتهم عند عودتهم بالحديث عن الجامعات الأوروبية وابنيتها الضخمة، وعدد الكليات التى تحويها كل جامعة، وبيان ما فيها من العلوم والفنون، وأفاضوا فى الحديث عن مزاياها، وبيان فوائدها، وأنه لا غنى عنها لبلاد تريد أن ترقى إلى معارج المدنية الحديثة.. وكانت فكرة الاكتتاب لإنشاء الجامعة بتبرعات مالية، ولاقت رواجا كبيرا بين الأهالى، خاصة بين جماعة الصفوة الاجتماعية، وكان الاجتماع الشهير فى منزل سعد زغلول بك، المستشار فى محكمة الاستئناف الأهلية، ونشروا فى الجرائد دعوة للاجتماع، وحددوا له يوم 12 أكتوبر 1906. وأيد الحاضرون اكتتابهم للجامعة، واتفقوا على عدة قرارات، كان أولها : انتخاب اللجنة التحضيرية التى مثل فيها سعد زغلول بك وكيلاً للرئيس العام، وقاسم أمين بك سكرتيرا للجنة.. انضم سعد زغلول إلى الجناح السياسى لفئة المنار، التي كأنت تضم أزهريين وأدباء وسياسيين ومصلحين اجتماعيين، واشترك في الحملة العامة لإنشاء الجامعة المصرية، وفي عام 1907 كأن أحد المساهمين في وضع حجر الأساس لإنشاء الجامعة المصرية مع كل من : محمد عبده، ومحمد فريد، وقاسم أمين وكانت الجامعة في قصر جانكليس (الجامعة الأمريكية حاليا) وتم تعيين أحمد لطفي السيد كأول رئيس لها. وكان لتلك الجامعة الدور الرائد محلياً وإقليمياً وعربياً، وكانت بيت الخبرة والمؤسسة العلمية والتعليمية الأم الحاضنة لمشاريع إنشاء جامعات مصرية وعربية، وتخريج وتعليم كوادر واستقبال بعثات للتعلم والتدريب، وكان المستوى العلمي للخريج وحتى منتصف القرن الماضي لا يبتعد عن القدرة على منافسة المستويات العالمية في التعليم الجامعي.. ومن بين تلك الأجيال تخرج نخبة رائعة من العلماء وأهل الفكر والإبداع، ومنهم من حصل على جائزة نوبل العالمية.. منْ مِن بين كل هؤلاء كان يمكنه تخيل الحالة التي عليها جامعة القاهرة الآن؟، أما كان ينبغي أن تضم قيادات الجامعة وخريجيها المئات التى تواصل دور رموز التنوير والعلم والإبداع قدمتها الجامعة التي كانت الأم والرائدة والفاعلة والمشاركة بروعة في تقدم الأمة أمثال د. مصطفى مشرفة ود. طه حسين ود. سهير القلماوي ونوال السعداوي ورجاء النقاش وممدوح حمزة ود. نعمات أحمد فؤاد وأمينة السعيد ونعمان عاشور ود. مراد وهبة ود. يحيى الرخاوي ود. هاشم فؤاد ود. مصطفى الفقي ود. أسامة الباز ود. نصر حامد أبوزيد.. أما عن جامعة القاهرة 2011 فسأكتفي بمشهد حدث مؤخراً في مدرج جامعي بجامعة عمرها تجاوز القرن من الزمان.. الحدث تابعته كل الجرائد.. أستأذن القارئ ليشاركني مطالعته.. « وسط أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة وقف الداعية السلفي حازم شومان مفتخرا بوجوده داخل أكبر مدرجات جامعة القاهرة قائلا: «الحمد لله الذي أنعم علينا وجعلني الآن أقف في جامعة القاهرة التي كان من أهم أهداف إنشائها قبل مائة عام تغييب شرع الله ومنع تطبيق شريعته، وهانحن الآن نقف مع شباب الأمة لندافع عن شريعتنا». ويضيف شومان: «أحذر من حملة الإعلام الشرسة للحرب ضد الإسلام مطالبا حشود الندوة بإعطاء أصواتهم في الانتخابات البرلمانية لمن يراعى شرع الله وشريعته، مستطردا قوله للشباب : ستسأل أمام الله يوم القيامة عن شهادتك لمن أعطيتها وعلى أي أساس أعطيت صوتك لهذا المرشح أو ذاك ولماذا أعطيته..أعطه لمن يعيد النور إلى حياتك ويضىء طريقك إلى الله سواء كان ذلك في انتخابات الاتحادات الطلابية أو رئاسة الجامعة أو مجلس الشعب وستسأل يوم القيامة عن نصرة دينك كما ستسأل عن الصوم والصلاة، وستسأل إن كنت وقفت ضد من يحاربون شريعة الله أم لا «..الداعية السلفى الذى بدأ لقاءه بمجموعة من القصص والحكايات عن سوء خاتمة رموز الفن والسياسة الغربية شن هجمة شرسة ضد الحفلات الغنائية ومواقع الإنترنت الإباحية وقنوات الإعلام وبرامج التوك، قائلا «إن كل هؤلاء يحاولون إبعاد الناس عن ربهم ويخافون من معرفتهم بربهم، وأن بودى جاردات حفل هشام عباس الغنائي الذى ذهب إليه ليقول كلمة الحق بالحكمة والموعظة الحسنة جاءت توبتهم على يده ويتواصلون معه الآن»، ساخرا ممن وصفوه بإقتحام الحفل بقوله « لم أحمل قنبلة أو أركب دبابة ولكني دخلت بكل هدوء لأقول كلمة الحق والشرع واستجاب كثيرون». اللقاء الذى استمر لما يزيد علي ساعتين كان قد بدأ بأنشودة حزب النور السلفى، ولم يوضح المنظمون الهدف من توزيع منشور على جميع الموجودين باللقاء، شبهوا فيه المطالبين بالدولة المدنية بأصحاب الفيل الذين حاولوا هدم الكعبة ويحثون شباب الجامعات علي الدفاع عن شرع الله وتطبيقها فى مصر، وأطرح هنا على الرأي العام علامات الاستفهام التالية لعلنا نتشارك في الإجابة عنها.. لماذا اختارت الجامعة وهي المؤسسة العريقة الانحياز لحزب بمرجعية دينية أثناء معركة انتخابية ساخنة؟! وإذا كان الأمر يمثل مخالفة خطيرة من جانب مؤسسة تعليمية، لماذا لم تبادر الجامعة بالاعتذار، من يحاسب رئيس الجامعة وعميد كلية التجارة على السماح لهذا الانحياز الفاضح لصالح حزب على حساب أحزاب منافسة؟! إذا كان هناك اعتماد من قبل الجامعة لفكرة الانحياز، أما كان أشرف وأجدى الانحياز لحزب الوفد العريق الذي يتبنى رسالة متوازنة، ويرفع شعاراً داعماً للوحدة الوطنية من جامعة شارك في وضع حجر أساسها الزعيم الوفدي العظيم سعد زغلول؟! أما كان المفروض من قبل قيادات الجامعة الأم أن تُكلف مؤسساتها وكياناتها البحثية أن تقدم دراسات مجتمعية ونفسية وسياسية واستطلاعات رأي جماهيرية لتفسير ظاهرة الانتخابات على أساس الهوية الدينية، ولماذا كان تدخل رجال تم حسابهم على الكنيسة والمسجد في تفاصيل حدث سياسي، وبعد قيام ثورة تجاهلوا فيها دماء شهداء تم سفكها في ميادين التحرير ؟! ألا يعلم من وافقوا على تنظيم تلك الندوة الدينية أن مكانها هو أحد مساجد الجامعة، أم أن الأمر مقصود لإثارة مشاعر جموع الشباب ممن قد لاينتمون إلى ذلك التيار، وأن الموافقة على تنظيم الندوة يُعد دعماً من قبل الجامعة لفكر وتوجهات ذلك التيار، ومع سبق الإصرار حيث كان للداعية موقف مُعلن في جامعة المنصورة، وكانت مواجهة من قبل طلابها وخروجه من الحرم الجامعي، أم أن جامعة القاهرة أرادت تقديم اعتذار للرجل بالنيابة عن جامعة المنصورةالشابة المتهورة؟! أين أشاوس جماعة 9 مارس من الحدث وإهانة الجامعة ودورها التنويري في مدرج جامعي (لعل المانع خير) وهي التي حشدت قواها في مواجهة عميد كلية الإعلام المسكين حتى غادر موقعة، بينما تركت فلول الحزب الوطني في كليات أخرى، ومنهم من شرعوا ومنهم من مرروا سياسات اقتصادية وإعلامية ضد مصالح البلاد والعباد، ومنهم من كان في موقع المسئولية في حريق بني سويف، وأتى آخرون بصفر المونديال، وجميعهم يدخلون بجرأة يُحسدون عليها مدرجات التعليم، ويتم غض الطرف من قبل قيادات تلك الجماعة الوطنية المعارضة.. أبحث عنهم فمن يجدهم في ذلك الظرف التاريخي أم أنهم في زمن الحصاد مشغولون بغنائم الثورة المباركة؟!!!!