إذا كان سعد زغلول قد وضع اللبنات الأولي في بناء استقلال مصر السياسي فإن طلعت حرب قد وضع اللبنات الأولي في بناء مستقبل استقلال مصر الاقتصادي بانشائه بنك مصر وافتتاحه رسمياً في 15 نوفمبر 1920 أي بعد عام تقريبا من قيام ثورة 1919 إن كلا من البناءين يكمل بعضهما الآخر. فقد شارك في ثورة 1919 المسلمون والأقباط، وبرزت الوحدة الوطنية في أروع صورها، كما شارك في تأسيس بنك مصر أصحاب الديانات الثلاث من المصريين فكان منهم بجانب اسم طلعت حرب، أحمد مدحت يكن باشا، وعبدالعظيم المصري بك والدكتور فؤاد سلطان، وعبدالحميد السيوفي أفندي، وعباس بسيوني أفندي من المسلمين، وإسكندر مسيحة أفندي من الأقباط، ويوسف أصلان قطاوي ويوسف شيكوريل من اليهود. وهذا برهان ساطع علي أصالة الوحدة الوطنية التي شملت جميع أبناء الأمة. أعود إلي سعد زغلول وطلعت حرب فأذكر ان كلاً منهما كان مولعاً منذ شبابه بحب مصر، وغيوراً علي مصالحها، مضحياً بكل شىء من أجل الارتقاء بهذا الوطن، شاغلا نفسه في كل ميدان سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا خدمة لمواطنيه ونفعا لأمته بهدف الرقي بمصر في كل مجال حتي تقوي علي مواجهة المستعمر الرابض علي صدرها. لقد عمل بنك مصر منذ انشائه علي بث روح العمل والتعاون والتضامن والنظام بين الشباب إنماء ملكة الاقتصاد والتجارة فيهم، والحث علي بناء التربية الاقتصادية العملية في البلاد، كما عمل علي القضاء علي الشركات الأجنبية المسيطرة علي اقتصاديات البلاد. أما سعد زغلول فقد عمل علي تكوين جيل شعاره في الوطنية »مصر للمصريين«، وأن البلاد لأبناء البلاد، وكان يُصر علي تحرير الأمة وتحقيق الاستقلال بكافة أشكاله. لقد نشأ سعد بين الفلاحين واستطاع أن يحس شقاءهم، وهذا ما حدث من طلعت حرب الذي استطاع بأعماله الكبيرة التي نجح فيها أن يعيد الثقة المفقودة بين المصريين بعضهم وبعض حتي تفيأت البلاد بفضلهما ظلال الإحساس بالكبرياء الوطني بعد الشعور بالضعف والهوان. لقد كان سعد زغلول وطلعت حرب من رجال الأفكار الجريئة والأعمال المهمة. لقد ذهب اسم سعد زغلول كما ذهب اسم طلعت حرب في التاريخ بأكبر الأعمال فارتبط اسم سعد بثورة 1919 والنضال من أجل استقلال مصر، وذهب اسم طلعت حرب مقرونا ببنك مصر الذي كان أول بنك مصري يقوم علي اكتتاب الشعب نفسه بلا معونة من الحكومة ولا إشراف أو توجيه. ولو لم تكن عقلية طلعت حرب سياسية لما هدته فطرته إلي أن ثورة 1919 قد هيأت لفكرته الفرصة لإنشاء بنك مصر برءوس أموال مصرية تعمل لمصلحة مصر قبل أي مصلحة سواها حتي أطلق عليه البعض أبو الاستقلال الاقتصادي المصري. لقد اتجه كلاً من سعد وطلعت حرب بعقله، ونفسه إلي الخالق العظيم واسم مصر مرفرف فوق أعلامه الخفاقة في كل مكان تودعهما بأجمل ما سمعت الآذان من نشيد: هذان رجلان أحبا مصر وعملا من أجلها ومصر أعظم الأوطان فقد وضعا نهضة مصر الحديثة في المكان الأول في جوانبها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. لقد ذهب سعد زغلول إلي رحمة الله ولكنه بأعماله الوطنية أصبحت ذكراه جزءا مهما من تاريخ مصر لا يمكن إغفاله، ذهب طلعت حرب إلي رحمة الله، ولكنه ببنك مصر وشركات مصر وبهذه الصروح الشامخة قد أصبحت ذكراه جزءا مهما من حياة كل مصري لا ينساها إلا إذا استطاع أن ينسي وجوده المادي والمعنوي علي السواء. وليست هذه الذكري جزءا مهما من حياة هذا الجيل فحسب ولكنها ستظل منارة لكافة الأجيال التي تعمل من أجل مصر، والارتقاء بمصر.