زمان.. وكان يا ما كان كان الزمان إنسان دلوقتى ليه يا زمان مبقتش زى زمان طيب.. يا صبر طيب! سنوات مرت على تلك الكلمات التى كتبها «مرسى جميل عزيز» ولحنها كمال الطويل، وما زالت تلك الكلمات تعاتب الزمن، وتهاجم قسوته وجحوده، وتلوم أفعاله، وتدين الصبر الذى يستخدم -أحياناً- كوقود إنسانى نعالج به -نحن البشر- آلام وأوجاع الزمن، على أمل أن نعالج أنفسنا ونحن نعالج الزمن! وسنوات أخرى جاءت وراء الأولى ونحن كثيراً ما نتوقف ونوقف البصر، والسمع والفؤاد عندما نستمع إلى «مناحة» عبدالمنعم مدبولى، التى «ينوح» لنا بها ويصدرها للمعذبين فى الأرض على أنها أغنية حيث يحاول من خلالها وبكل سنوات خبرته، وبكل أدوات موهبته وبكل حالات الصدق بداخله، يحاول أن يوهمنا بأنه يغنى للزمن، محاولاً أن يذكره -أى الزمن- بأنه كان فى يوم ما «إنسان» قبل ما «يخترعوا الأحزان». حاول «مدبولى» بإحساسه الصادق وصوته الحزين، أن يجعل الزمن يستمع -ولو قليلاً- ويوقف آلة اختراع الأحزان التى جعلت من الإنسان شبه إنسان، لكن فيما يبدو باءت المحاولة بالفشل رغم صدقها، وعمقها لكون الزمن، لا يستمع كثيراً إلى الفقراء والضعفاء، والمستضعفين فى الأرض، وبالتالى ليس أمامهم إلا أن يغنوا -كما غنى «مدبولى»- يرحم زمان وليالى زمان والناس يا متهنى يا فرحان.. الدنيا كانت وردة وشمعة ولسة مخترعوش أحزان! وعندما اخترعوها ماتت الوردة وانطفأت الشمعة.. وتراكمت علينا الأحزان. طيب يا صبر طيب! فى سلسلة حوارات «أبى الذى لا يعرفه أحد» ظل يطاردنى فكرياً الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى، وظلت أعماله الفنية سواء بالكتابة أو الترجمة أو التمثيل أو الغناء تضغط على ذهنى، وظلت وجوه الناس على المقاهى، وعلى الأرصفة، وفى وسائل المواصلات تسأل بالصمت ما سأله هو بالقول: «صدقنى يا صاحبى صدقنى.. كان الزمان صاحبى.. دقى يا مزيكا والدنيا فبريكة بتفرم الإنسان.. قصدى اللى كان إنسان.. طيب يا صبر طيب!». فى هذه الحلقة، ذهبت إلى دنيا عبدالمنعم مدبولى وعالمه الإبداعى، ذلك الإبداع الذى تنقل به من المسرح إلى الإذاعة، ثم التليفزيون والسينما، اتصلت بابنه أحمد عبدالمنعم مدبولى.. خيّرنى بين أمرين.. إما نلتقى فى مسكنه، حيث يعيش شرقى القاهرة فى مدينة الشروق، أو نلتقى بعد إنهاء عمله فى وسط القاهرة، فهو يعمل مديراً فى أحد بنوك وسط البلد، وهذا ما اخترته.. وفى الموعد التقينا.. ملامح أبيه مرسومة على وجهه، الوجه المدور، الصغير، البرىء، الابتسامة الخجولة لدرجة الحياء، والصوت الهادئ، والكلام المرتب والمنظم، والروح الخفيفة الحلوة، جلسنا على مقهى من مقاهى المحروسة فى شارع طلعت حرب، يجلس عليه عدد لا بأس به من المثقفين، رواد المقاهى وبدأنا الكلام.. قلت: «أبى الذى لا يعرفه أحد» هل من خلال هذا العنوان نستطيع أن نعرف ما لم نعرفه عن الفنان عبدالمنعم مدبولى؟ رد قائلاً: كان رجلاً خجولاً جداً.. هادئاً بطبعه، لا يتكلم كثيراً.. مشغولاً طول الوقت بفنه، سواء كان هذا الفن كتابة سيكتبها أو إخراجاً أو تمثيلاً.. قلت: كيف كان يقضى يومه طبقاً لتركيبة هذه الشخصية؟ قال: ينام مبكراً إذا لم يكن عنده مسرح.. وإن كان يصحو متأخراً، يتناول إفطاره وأكله كان دائماً بسيطاً، ثم يقرأ الصحف لمدة ساعة، ثم يدخل فى قراءة كتاب أو سيناريو أو مسرحية أو أى شىء متعلق بالتمثيل، وكان مخصصاً له مكان فى المنزل يفعل فيه كل ذلك، بعيداً عنا نحن أولاده حتى لا نزعجه، أو نجعله يفقد تركيزه أو نخرجه عن «مود» الحالة لديه، باقى اليوم كان موزعاً على أعماله الفنية، أيضاً يفعل كل ذلك فى انضباط شديد، فهو يحب النظام جداً، ويحترم المواعيد ويحرص على الوفاء بما يتعهد به، وبما يتفق عليه، ثم سكت قليلاً، وقال: كان أبى شغوفاً بالموسيقى، وكانت لديه مكتبة تسجيلات موسيقية ضخمة. ولد الفنان عبدالمنعم مدبولى فى حى باب الشعرية فى 28 ديسمبر عام 1921 ورحل فى 9 يوليو عام 2006 عن عمر يناهز 85 عاماً بسبب إصابته بالتهاب رئوى أدى إلى هبوط فى الدورة الدموية. توجت قصة حبه القوية بالزواج الذى دام واستمر حتى رحيله، وأنجب ثلاثة أبناء هم: أحمد ومحمد وأمل، وصلت أعماله إلى 28 مسلسلاً تليفزيونياً، و115 فيلماً سينمائياً، أما عن المسرح فلقد قدم له عشرات الأعمال المسرحية منذ أن كان طالباً فى المرحلة الابتدائية فى الثلاثينات من القرن الماضى. كون عدة فرق مسرحية أو شارك فى تكوينها أشهرها فرقته الشهيرة «المدبوليزم» التى يرجع اسمها إلى ذلك اللقب الذى أطلقه جمهور ونقاد فنه على أسلوبه وأفكاره وإبداعه منذ عام 1962، التى تعتمد على التفاعل مع الجمهور بتلقائية شديدة وبشكل طبيعى، بعيداً عن الإسفاف أو التطاول أو التهريج، ليخلق لنفسه مدرسة خاصة عنوانها «فن المدبوليزم». تركت مدرسته الفنية وعدت بالتاريخ قليلاً إلى مدرسته الابتدائية فى باب الشعرية بوسط القاهرة عام 1936. نحن الآن عام 1936، فى هذا العام وفى 26 أغسطس 1936 وقعت مصر وبريطانيا فى لندن المعاهدة البريطانية المصرية، وقد جاءت بعد وفاة الملك فؤاد، ثم تشكيل حزب الوفد للوزارة نظراً لفوزه فى الانتخابات البرلمانية، وكان للوفد تحفظات أربعة أثناء المفاوضات لكن بريطانيا تهربت.. فدبت فى مصر الاضطرابات والمظاهرات فتراجعت بريطانيا، ودخلت فى مفاوضات جديدة انتهت بوضع معاهدة 26 أغسطس 1936 فى لندن، هذه المعاهدة التى قام النحاس باشا فى عام 1950 بإلغائها مع اتفاقيتى السودان واعتبر «الوفد» القوات البريطانية فى منطقة القناة قوات محتلة. في عام 1936 كانت مصر مهمومة بجلاء الإنجليز من خلال المظاهرات والمفاوضات.. وكان هناك طالب لا يتعدى عمره 16 سنة لديهم «هم» آخر.. وهو أن يصبح ممثلاً يقف على خشبة المسرح. الطفل اسمه «عبدالمنعم مدبولى»، عدت للابن، وسألته ماذا تعرف عن هذه الفترة فى حياته؟ قال: دائماً ما كان يجب أن يتذكر هذه الأيام، ويحكى لنا عنها. وأكثر من مرة سمعته يحكى عن هذه المرحلة بسعادة وإحساس طفولى غريب. كان يقول: كنت طفل غاوى تمثيل، فى زمن لم يكن من السهولة بمكان أن تعلن عن هوايتك، خاصة عندما تكون هذه الهواية هى التمثيل، وذات يوم وجدت ناظر المدرسة يقف فى حوش المدرسة، وينادى صوته العالى: فين الولد «مدبولى»؟ فكنت أخرج من طابور الصباح خائفاً، ومرعوباً، ولا أقدر على رفع قدمى من الأرض، وعندما تحاملت على جسدى الضعيف ووقفت أدامه.. وجدته يقول: «يا أولاد زميلكم مدبولى ده.. هيبقى حاجة كويسة خالص، وأنا عارف أنه يحب التمثيل، لذلك أنا أطلب منه يشكل فريق تمثيل للمدرسة.. اتفضل يا ولد على فصلك. قلت للابن: وهل كون الطفل «مدبولى» الفرقة؟ يرد الابن وهو يضحك ويتناول كوب ماء يشربه: نعم كون الفرقة وكان بطلها ومخرجها وكاتبها.. وناظر المدرسة أعطاه مكافأة «قلم» رصاص. قلت «قلم» رصاص فقط؟ رد الابن بعدما غابت الضحكة من على وجهه.. لا ليس هذا فقط.. بل أمر ناظر المدرسة إعفاء ذلك التلميذ المتفوق فى التمثيل من دفع المصروفات الدراسية.. ولم يكن هذا الإعفاء لتميزه فقط، بل لأن أبى كان طفلاً يتيماً، حيث مات أبوه وهو لم يتجاوز الشهور الستة من عمره، فعاش طفلاً يتيماً منذ الصغر، وربما يكون ذلك هو الذى جعله دائماً خجولاً حتى فى الكبر. - ولما أقول شى - الزفة تمشى - ولما أقول هس - كله سمع هس - ودُقى يا مزيكا - صدقنى يا صاحبى - كان الزمان صاحبى - أيام م كان إنسان - طيب يا صبر طيب.. بتلك الكلمات كان «مدبولى» يخاطب الزمن، ويعاتبه على ما فعله فيه.. نسمعها ونحن طوابير على رغيف العيش، ونحن نرى جثثاً على سطح البحر، بعدما يغرق إخواننا وأولادنا فى رحلة بحثهم عن هجرة من أجل -أيضاً- لقمة العيش. صحيح استطاع مدبولى بفنه وإبداعه أن يقدم لنا أعمالاً جميلة، لكن يظل أجمل ما لديه هو إحساسه، وهو يعاتب الزمن، وهو يعاتب الصبر.. فمن منا لم يأت عليه الوقت الذى يريد فيه أن يعاتب الزمن، ويعاتب الصبر..! ومن عند الزمن والصبر عدت للابن وقلت له: هل عاش راضياً بما قدمه لفنه؟ رد: نعم.. عاش راضياً كل الرضا، سعيداً كل السعادة بما قدمه.. فهو لم يكن يريد أخذ حق أحد ليس له.. وفى نفس الوقت كان يجب ألا يأخذ أحد حقه، قلت فى التربية.. كيف تعامل معكم؟ قال: تعامل بمنطق «أنت حر.. فيما تفعل 100٪ شىء واحد، وهو ألا تقترب من التمثيل.. وأذكر أن أخى كان له بعض الميول للموسيقى.. وكانت شقيقتى لديها بعض الميول للمسرح، لكنه رفض ذلك، وقال لنا: ابحثوا لكم عن مهنة غير الفن، واجعلوا الفن هواية، ولا تدخلوا فيه كمهنة واحتراف، وربما هذا سببه ما رآه من تعب وإرهاق على مدار مشوار حياته. قلت له: كيف ذلك؟ ومعظم شباب هذه الأيام لا يريد إلا حاجة من اثنين.. إما يكون ممثلاً أو يكون لاعب كرة؟ رد وهو يضحك.. الزمن تغير.. والتمثيل اليوم ليس مثل زمان.. عندما كان يتذكر أبى كم التعب والإرهاق والحرب، قلت: حرب؟ قال نعم.. فى أى مهنة تجد الحروب الصغيرة والكبيرة ضدك.. خاصة إذا كانت لديك موهبة.. وأبى -رحمة الله عليه- كنت أراه أحياناً يجلس مع نفسه ويراجع مشوار حياته.. فإن وجد عملاً قدمه ونجح، فكان يحمد ربنا.. وكان يحمد ربنا أكثر عندما يفشل أى عمل.. قلت: كيف؟ قال: لأنه كان يقول النجاح والفشل من عند الله، نحن نقدم فقط ما علينا من عمل.. ومن مجهود، أما الباقى كله، فمن عند الله. سنة 1940 يخرج من مدرسة باب الشعرية الثانوية الصناعية، ويتجه إلى مسرح «نجيب الريحانى»، الذى كان يعرض مسرحية بعنوان «الدلوعة» وتبهره الأضواء والديكورات والتمثيل.. ومن هذه اللحظة يأخذ قراره بدراسة التمثيل، فيلتحق مع عبدالمنعم إبراهيم وعدلى كاسب وعلى الزرقانى بمعهد التمثيل بكلية الفنون التطبيقية ليتخرج فيه عام 1945 بتقدير عام جيد، بعدها يلتحق بفرق مسرحية صغيرة، ثم ينضم إلى فرق «جورج أبيض» و«فاطمة رشدى»، ثم ينتقل إلى فرقة «ساعة لقلبك»، ثم يكون فرقة مسرحية مع الراحل صلاح منصور وسعد أردش عام 1952. عدت للابن الذى اعتذرت له بسبب تأخيره معى فى وسط البلد، وهو الذى سيغادر المكان متوجهاً إلى شرق القاهرة، حيث يسكن فى مدينة «الشروق».. تقبل اعتذارى بصدر رحب، وقال: أنا هنا معاك للصبح.. فنحن نتحدث عن أغلى الناس.. يا أخى إحنا بنتكلم عن أبويا.. ثم سكت، وقال: أنت قد لا تعلم ماذا يمثل لى أبى؟.. كان أبى.. وصديقى وكل شىء بالنسبة لى -ولإخوتى طبعاً- فى الحياة. قلت: هل كنت معه فى رحلة علاجه فى لندن التى كان يعانى فيها من مرض خبيث فى الكبد فى الثمانينات؟ قال: كانت هذه مرحلة صعبة فى حياته.. لقد هاجم السرطان الكبد لديه.. وبدأنا رحلة علاج قاسية فى لندن، وعمليات ومتابعات ظلت شهوراً وعندما أراد الله له النجاة، خاصة أن علاج الكبد فى هذه الأيام لم يكن بالتطور اليوم.. تخيل.. لقد تم استئصال أجزاء كبيرة من الكبد لديه، وكانت بفضل الله، يعاد بناؤها من جديد، ويعود الكبد كما كان، وكان يقوم بمتابعة دورية كل فترة.. وسجلت حالته فى مستشفى لندن الذى أجرينا فيه العملية باسمه فى المستشفى باسم «حالة مدبولى» من فرط صعوبتها وغرابة نجاحها.. لكنها إرادة الله. قلت له: لكن وفاته جاءت بعيدة عن هذا المرض؟ قال: نعم.. هذا المرض -بإرادة الله- تعافى منه.. وعاش بعد هذه العملية الصعبة والخطيرة ما لا يقل عن 25 سنة أخرى.. لكن قبل وفاته أصيب بوعكة صحية لها علاقة بالجهاز التنفسى والتهاب رئوى.. أعمار. «كنت أتابع المسلسل وألغى أى ارتباطات لأشاهد مسلسلك (أبنائى الأعزاء شكراً)».. كانت هذه كلمات الرئيس الراحل أنور السادات للفنان عبدالمنعم مدبولى تعليقاً على دوره، «بابا عبده»، فى المسلسل.. حيث التقى السادات به فى حفلة تكريم الدولة له.. عدت للابن وسألته عن مواقفه السياسية.. قال: الفنان فى كل دور يقدمه يضع آراءه السياسية جانباً، وأبى كانت سياسته الأولى والأخيرة هى أن يمتع الجماهير، ويقدم لهم الكلمة.. ويجعلهم فى حالة بهجة وتفكير واختار. قلت له: وما سر الخلاف بينه وبين الراحل فؤاد المهندس فى السنوات الأخيرة؟ رد: لم يكن خلافاً بالصورة التى قد يتصورها البعض.. فأبى كان المهندس بالنسبة له «عِشرة عمر» وليس بالسهل هذه العشرة تضيع بسهولة.. كل ما فى الموضوع أن الفنان الراحل فؤاد المهندس كان يقدم فوازير التليفزيون المصرى «عمو فؤاد».. ثم اختلف مع التليفزيون.. فعرض الأمر على أبى لتقديم فوازير «جدو عبده».. وقتها رفض أبى.. وقال: يجب أن أستأذن «المهندس»، وقتها لم يعترض «المهندس»، وقال له: أنا لن أعمل معهم.. ولك حرية الاختيار.. فاختار أبى التجربة.. ونجحت وقتها بشدة.. وربما هذا النجاح هو الذى شعر معه البعض بأن هناك خلافاً بينهما.. صحيح هذا حدث.. ولكن بصورة مؤقتة وعادت الأمور كما كانت بينهما. قلت: لماذا كان يطلق عليه البعض اسم «نيرون»؟ رد وهو يضحك: لأنه ساعة العمل كان عصبياً جداً.. سريع الغضب.. وفى هذه الحالة كان من الممكن أن يفعل أى شىء.. لكن بعد فترة كان يعود هادئاً ومتسامحاً مع من أخطأ. قلت له: أعرف أنه كان يحب الرسم.. فهل أقام معارض قبل وفاته؟ رد: نعم.. أقام معرضاً لرسوماته وحضره الوزير الأسبق فاروق حسنى، وعدد كبير من الوزراء.. وله لوحات معلقة فى وزارة الثقافة وفى محافظة القاهرة. قلت: والغناء؟ قال: ومن ينس أغانيه للأطفال التى أبدع فيها.. وغيرها من الأغانى. ثم توقف الابن لحظة، ثم قال: أنت الآن عدت بى إلى أغنية كانت سبباً فى إنقاذ حياته. قلت: وما هى؟ رد: أغنية «من غير ليه». سألته: كيف؟ قال: فى رحلة مرضه الأولى مع الكبد، حدث أن أصيب بنزيف داخلى أدى إلى الغيبوبة.. واحتار الأطباء فى سبب النزيف رغم تحسن حالة الكبد، وطلبوا منا أن نتحدث إليه كثيراً، حتى يعود ويرجع من الغيبوبة التى ألمت به.. وقال الأطباء ممكن يسمعكم، وقتها اقترح أحد الحضور تشغيل جهاز كاسيت، وعليه أغنية «من غير ليه»، وبالفعل فعلنا ذلك، وظل هذا الوضع عدة أيام، الأغنية تشدو «من غير ليه»، وهو فى «غيبوبة» وبعدها أفاق من الغيبوبة.. فتعجب الأطباء.. وحمدنا نحن الله. - جايين الدنيا ما نعرف ليه؟ - ولا رايحين فيه؟.. ولا عايزين إيه؟ - مشاوير مرسومة لخطاوينا. - نمشيها فى غربة ليالينا. - يوم تفرحنا.. ويوم تجرحنا. - وإحنا ولا إحنا عارفين ليه. وبعد سنوات من الإبداع والجمال والإمتاع والصدق فى الحياة والفن.. مات عبدالمنعم مدبولى.. وإن كانت كلمات «جايين الدنيا ما نعرف ليه» قد أنقذته ذات يوم من غيبوبة طالت به قبل سنوات من رحيله.. إلا أنه -فيما يبدو- كان يدرك سر مجيئه للحياة وسر حبه لها وسر حرصه عليها.. كان يدرك أنه فنان.. جاء للدنيا.. وللحياة.. وهو يعرف «رايح فين.. وعايز إيه».. وتلك عبقرية الفنان الحقيقى الذى يعرف جيداً.. أن الحياة كما قال مرسى جميل عزيز فى الأغنية قدرها معنا وقدرنا معها.. أنها يوم تفرحنا.. ويوم تجرحنا.. الحياة كده!