تعددت أنواعهم، لكنهم اتفقوا على حياة مختلفة بقوانين ودساتير موحدة شرعوها لأنفسهم، لتصبح بديلة عن القوانين والدساتير التى سنتها الدولة والمطبقة على باقى المجتمع. «البدو» فئة داخل المجتمع، تكونت مع بدء انقسام الدول العربية وترسيم الحدود بينها، قبل أن تنتشر بعد ذلك إلى داخل حدود العمران. لكنهم ما زالوا يفضلون العيش فى الصحراء وعدم الانخراط مع المجتمع، حيث يصل تعدادهم إلى قرابة 500 مليون شخص بحسب إحصائيات غير رسمية. وعرف عن بعض البدو فرضهم إتاوات والاتجار فى السلاح والمخدرات والاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، والخطف مقابل فدية، ومساندة لجماعات إرهابية. فأغلبهم «خارجين عن القانون»، لكنهم ينتشرون فى مصر عبر حدودها وصحرائها كما نرصدهم عبر هذا التقرير. يتميز بدو القاهرة بتمسكهم بجذورهم العربية، وحياتهم الصحراوية، فضلاً عن اعتبارهم مهنة الزراعة تخصص الفلاحين وهم ملزمون بإطعامهم، والصناع لإمدادهم بما يحتاجون، فضلاً عن علاقتهم السيئة بالسلطة لاختراقهم القانون. ويتركز العرب فى القاهرة فى منطقة معروفة تسمى «العرب»، وأيضًا يتجمع الكثير من القبائل فى حلوان ومحيطه الصحراوى من المعصرة والتبين و15 مايو «عرب راشد» و«عزبة العرب» بمدينة نصر و«عرب الحصن» و«عرب الطوايلة» فى حى المطرية، و«عرب عين شمس» بمناطق جسر السويس و«عرب المعادى بالمعادى» و«عرب المحمدى» فى العباسية. ومن بينهم تخرج عصابات مسلحة ترتكب العديد من الجرائم هناك أبرزها، إشعال الحرب بين المستثمرين الذين يشترون الأراضى من الدولة لإقامة المشروعات عليها حيث يفاجأون بأفراد تلك العصابات يهددونهم ويفرضون عليهم مبالغ مالية طائلة مقابل عدم تهديدهم والسماح لهم بإقامة المشاريع، ومساندة الجماعات الإرهابية وإمدادهم بالأسلحة، فضلاً عن الاستيلاء على أراضى الدولة بأسلوب وضع اليد. يسيطر فى مدينة الفيوم الجديدة مجموعة من هؤلاء، يمارسون أعمال البلطجة والعنف وفرض الإتاوات على الأراضى، وكذلك الشركات الحكومية، بالإضافة إلى عمليات السرقة المتعددة. ويتمركز البدو فى أسيوط عند طريق القاهرة - أسيوط الغربى، وتحديدًا بداية مركز سمسطا ببنى سويف إلى مغاغة بمحافظة المنيا. وكالمعتاد يستولون على مساحات شاسعة من أراضى الدولة ويقومون بتقسيمها وبيعها، ويكسبون مبالغ طائلة، لا يتجرأ أحد على عدم إطاعتهم، حيث يصل الجزاء إلى حد القتل ومركز سمسطا خير شاهد على محاضر ضدهم من جرائم قتل وحمل أسلحة غير مرخصة. أما فى فترة الانقلاب الأمنى فقد استغلوا الأمر على أكمل وجه ونفذوا عمليات سلب وسرقة وخطف مقابل فدية. وتعد الشرقية بحكم كبر رقعتها الصحراوية من أكبر مواقع تجمع البدو، وينتشرون فى مدينة العاشر من رمضان نظرًا لكونها صحراوية فى الأساس، أما باقى المناطق على الطريق بين الشرقية والإسماعيلية، هناك بعض الأراضى يمتلكها المستثمرون وأخرى يمتلكها مواطنون عاديون.. لكن بلطجة العربان حولتها لوكر يؤوى الإرهابيين وجهنم للمستثمرين. وتشهد المحافظة عددًا من عمليات البلطجة باستمرار. كما تشهد مدينة الصالحية الجديدة أيضًا عددًا من عمليات البلطجة وجرائم العربان هناك من إشعال النار والقتل وتجارة المخدرات وتثبيت للمارة. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية أصبحت المدن الجديدة أكثر المناطق تضررًا من إتاوات البدو، وفق شهادات عيان، كان أقربها فى عام 2013 عندما استغلت تلك الجماعات الخارجة عن القانون، غياب الأمن فى عدة مشاريع، من بينها مشروع «ابنى بيتك» بأكتوبر والمنطقة المحيطة به، ومنها «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، و«القرية الكونية»، وأجبروا سكان تلك المناطق على دفع الإتاوات. وفى حالة الرفض كانوا يسرقون مواد البناء والحديد وغيرها بهدف التنكيل والانتقام، ومن يعترض فالسرقة أو خطف أقاربه هو مصيره المحتوم. الأمر لم ينته عند ذلك الحد، فقد عمدت تلك العصابات إلى فرض الإتاوات على تلك الشركات التى لم ترضخ فى البداية، لكن أمام التعديات والسرقات اضطرت إلى دفع «إتاوة شهرية»، حتى أن المستثمرين الذين يتعاقدون مع تلك الشركات اضطروا لدفع إتاوات لهم فيما يتراوح بين 50 و70 ألف جنيه شهريًا. العاشر من رمضان وتأتى مدينة العاشر من رمضان، هى الأخرى من المدن التى تستوطنها تلك العصابات، فمنذ أيام قليلة ماضية وبالتحديد فى الخامس عشر من الشهر الحالى، فجرت حادثة قتل عبدالله سامح الحديدى ابن الخمسة عشر ربيعًا على أيدى مجهولين، بركانًا من الغضب عند أهالى المدينة، حيث كانت بداية الواقعة عندما كان «عبدالله» يجلس بمحل بيع مواد البناء الخاص بوالده، فدخل عليه ثلاثة مجهولين فأسقطوه جثةً هامدة، بسبب الاختلاف على الإتاوة المفروضة على المحل. وبالنظر فى أبعاد تلك الواقعة، سنجد قبلها بيومٍ واحد أوقف ثلاثة أفراد من عصابة فرض الإتاوات أحد السائقين قبل الحادث، وكانت سيارته محملة بمواد البناء وطلبوا من سائقها إتاوة فاتصل السائق بوالد المجنى عليه وأبلغه بالموقف، واتصل الأخير بقسم شرطة ثاني العاشر من رمضان.. لكن الأمر لم ينته إلى ذلك فرد عليه شيخ العرب تهكمًا عليه قائلاً: «خلى الشرطة تنفعك» وفى اليوم التالى توجه ثلاثة مجهولين يستقلون دراجة بخارية إلى هناك وأخذوا الثأر من ابنه. القاهرة الجديدة فى أغسطس الماضى أضيفت جريمة جديدة إلى سجل الجرائم التى يُشار بإصبع الاتهام فيها لعصابات البدو، والتى تتعلق بتجارة المخدرات والأسلحة ووضع اليد على أراضى الدولة، وهو ما تجلى فى حاث اغتيال وكيل نيابة الظاهر المستشار محمد يحيى، أثناء التفاوض معهم لإخراجهم من قطعة أرض استولوا عليها بوضع اليد. وأفادت أقوال الشهود بأن أشخاصًا ينتمون لبدو العرب اعتادوا فرض الإتاوات على أصحاب الأراضى للحصول على مبالغ شهرية مقابل الابتعاد عنهم والسماح لهم ببناء الأراضى، وإلا تهديدهم بوضع اليد على تلك الأراضى بالسلاح. وكانت البداية عندما تقدم المجنى عليه بمذكرة لنيابة القاهرة الجديدة يفيد بتضرره من بعض الأشخاص الذين ينتمون للعربان بفرض الإتاوات والبلطجة على عاملي بناء، ومنعهم من أداء عملهم فى بناء قطعة أرض يملكها المجنى عليه بشارع التسعين بمنطقة القاهرة الجديدة، وذلك لرفضه دفع إتاوة لهم، وأعطت نيابة القاهرة الجديدة أمرًا للشرطة بضبط المتهمين الذين يفرضون الإتاوات. عقب ذلك توجهت حملة أمنية برفقة الضابط المصاب ووكيل النيابة المجنى عليه لإخراج المعتدين على الأرض، ورغم إظهار هويتهم للمتهمين إلا أنهم فتحوا عليهم النار، ما أدى إلى مقتل وكيل النيابة والضابط رافعين شعارهم بأنهم هم الحكومة. جبل الجلالة وسيطرت العصابات المنتمية للبدو لا تقتصر فقط على المناطق الهامة بالقرب من قلب العاصمة، بل امتدت سيطرتهم إلى عدد كبير من المشروعات التنموية، بمنطقة جبل الجلالة، وهناك كان بعض المواطنين يعانون من فرض إتاوات من قبل البدو الموجودين بالمنطقة، ليسمحوا بالمرور إلى مناطق العمل. ويستغل البدو المقيمون بهذه المنطقة طبيعتها الجبلية، ومعرفتهم بدروبها فى فرض نفوذهم، خصوصًا فى ظل معرفتهم بأماكن الدوريات والأكمنة الأمنية، ويجرى فرض تسعيرة محددة على السائقين الذين يمرون عليها من أجل الوصول إلى مقار أعمالهم، حيث يفرض البدو سيطرتهم الكاملة عليها، ويقطعون الطرق شاهرين الأسلحة فى وجوههم، إذ تصل الإتاوة إلى 200 جنيه، وحال الاعتراض تزيد إلى 400 جنيه. وعلى غرار ما يحدث فى منطقة جبل الجلالة تشهد منطقة شرق التفريعة أيضًا محاولات فرض سيطرة من قبل بعض البدو، خاصة أن هذه المنطقة يتم بها الآن إنشاء عدد من المشروعات الضخمة، حيث اشتكى عدد من أصحاب الشركات من فرض هؤلاء شروطا عليهم متمثلة فى دفع مبالغ شهرية لهم مقابل حمايتهم لهم، أو أن يستأجروا المعدات التى يتم استخدامها منهم.