لم يستطع إخفاء سعادته ولهفته أمام جمالها الذى ملأ عينيه افتتانا، فرفع أحد حاجبيه انبهارا وهمس: - كم تبدين جميلة. اتسعت ابتسامتها لتزيدها جمالا، واقتربت أكثر لتنحنى برأسها قليلا نحوه قائلة: - لكننى جميلة دوما يا حبيبي. اومأ برأسه هاتفا وهو يفتح ذراعيه عن آخرهما فى حركة استعراضية: - طبعا. قالها وأشار من طرف خفى لأحد جرسونات ذلك المطعم الفاخر الذى يجلسان به ، فلم تمض دقيقتان حتى كانت الطاولة أمامهما تمتلئ بأشهى أنواع الطعام، فنظر «علاء» نحو زوجته وقال مبتسما: - لقد اوصيتهم بتجهيز كل ما تحبين من أنواع الطعام.. وبعد الانتهاء من العشاء سيبدأ أجمل حفل لعيد ميلادك يا حبيبتى. افتر ثغرها عن ابتسامة حاولت ان تكون رقيقة وقالت: - لكنه حفل بغير مدعوين. هتف: - وهذا أجمل ما فيه ، أن لا أحد فيه سوانا ..انا وانت .. ثم استدرك غامزا بإحدى عينيه: - وأعدك انه سوف يكون أجمل كثيرا من أى عيد احتفلنا به بين الناس. مطت شفتيها بأسف وقالت باقتضاب: - ربما. لم تكد تنهى حروف كلمتها حتى أحاط بالطاولة ما لا يقل عن عشر بنات وسيدات رحن يصرخن فى سعادة ويقبلن «شاهندة» فى مرح طفولى، ويهنئنها بعيد ميلادها، بينما أشارت هى لأحد الجرسونات فأسرع بإحضار عشرة كراسى أحاطت جميعا بالطاولة وجلست صديقاتها يكملن مرحهن الصاخب. وحده كان الصمت مخيما على رأسه وقد أطلت الصدمة من عينيه وتحولت سعادته إلي غضب وهو يجيل البصر بين زوجته وصديقاتها اللائى رحن يثرثرن وكأنهن نسين وجوده بينهن. ازداد غضبه وهو يرى «شاهندة» تنادى أحد الجرسونات، وتطلب منه ان يحضر كل ما تشتهى صديقاتها من طعام. انهمكن فى الطعام والثرثرة وانهمكت معهن زوجته حتى أنها لم تلحظ عدم مشاركته لهن الطعام وشروده المقطب. - كيف أمكنها ان تضعنى فى موقف كهذا.. كيف تدعو صديقاتها دون إذنى وهى تعلم جيدا انى أجهز لحفل يجمعنى بها وحدها.. كيف؟ هكذا دار بعقله وهو يراقب الموقف بغضب وغيظ. ازداد غيظه وهو يرى الجرسون يدفع إحدى الطاولات الصغيرة وعليها ما أوصاهم بتجهيزه من تورتة وحلوى. حتى إذا وضعت أمامهم ورحن يغنين فى مرح ،لم تغادر عيناه التورتة وقد كتب عليها اسم زوجته واسمه، فتملكه قهر ملأ كيانه. نظر إلى فاتورة الحساب وابتسم فى خبث وقد اتخذ قراره. أمسك بالفاتورة ووضعها أمام زوجته ثم نهض فى هدوء قائلا وهو يشيعها بنظرة ساخرة: - هذا هو حساب ما أكلته انت وصديقاتك ..فلتدفعيه يا حبيبتى. وهم بالانصراف ، فنظرت اليه غير مصدقة وصاحت : - «علاء» أنت تمزح بالتأكيد..أليس كذلك؟ استدار إليها وقد ملأ الغضب ملامحه وصاح : - لا .. أنا لا أمزح.. فأنا لم أدع صديقاتك ولم يسعدنى حضورهن.. لذلك فلن أدفع ثمن ما أكلنه. قالها وأسرع بالانصراف كالسهم ، وسط ذهول زوجته ونظرات صديقاتها المتبادلة غير المصدقة. دفنت «شاهندة» رأسها بين كفيها، وكأنها تريد ان تدفن معه ما حدث، حاولت ان تستوعب الموقف.. رفعت عينيها إلى صديقاتها ولم تلبث ان أشاحت بهما بعيدا وهى ترى فى عيونهن نظرات الدهشة والاستنكار وكأنهن يصرخن فى وجهها.. لقد أهانك أمامنا ..كيف تسمحين له. ربتت اقربهن على كفيها فى شفقة هامسة: - لا تحزني. وكأنها بعبارتها قد أعطت إشارة لأن يتكلمن، فقد هتفت إحداهن فى استنكار: - أنا لا أصدق ما فعل زوجك ..لقد اثبت انه بخيل ولا يعرف شيئا عن الذوق. وصاحت أخرى: - فعلا.. فكيف يهينك بتلك الطريقة ويتركك فى هذا الموقف.. أنا لم أر رجلا فى صلفه. عادت لتدفن وجهها بين كفيها صارخة: - كفى.. كفى. صرختها جعلتهن يدركن ما سببنه لها من ألم، فنظرت إحداهن إلى الأخريات نظرة لوم وقالت فى تردد: - «شاهندة» هل عرفت كم يبلغ الحساب؟ أعادها سؤالها إليهن، فأسرعت تمسك بالفاتورة ولم تكد ترى ما بها حتى صرخت صرخة مكتومة، فتناولتها منها إحداهن وصرخت بدورها: - 15 ألف جنيه. فاجأها لدى خروجها من باب الشقة فانتفضت فى فزع وضمت إليها ابنيها، فصاح فيها: - إلى أين تذهبين بولدىّ؟ هتفت فى ثورة: - لا شأن لك بهما ولا بى أيضا.. ثم استطردت وقد انتابتها رعشة: - كيف تفعل بى ذلك.. ألم تفكر للحظة أننى قد أسجن، لأنك تعلم تماما أننى لم يكن معى هذا المبلغ؟ أجابها ساخرا: - لكننى أرى انك لم تسجنى. كتمت غيظها قائلة: - لأننى وصديقاتى اضطررنا لتجميع المبلغ فدفعت كل واحدة كل ما معها. ثم استطردت: - لكنك كيف جرؤت على فعل ذلك معى ..هل تري أن مبلغا كهذا وهو تافه بالنسبة لرجل ثرى مثلك.. هل تراه اغلى لديك من كرامة زوجتك. اقترب من وجهها حتى لفحت أنفاسه الغاضبة ملامحها قائلا ببطء وهو يضغط على اسنانه: - أنت من جرؤت على إهانتى ولم تحترمى رغبتى ودعوت صديقاتك بغير إذن منى..فكان إحساسك بالزهو امام صديقاتك اهم من احترام زوجك. ثم ظننت أننى سأبتلع ذلك بسهولة. قالها وأشار بإصبعه إلى أحد حراسه الذين كانوا يقفون على مقربة منه، فأسرع الحارس يمسك بالصغيرين وينتزعهما من بين يديها بينما راحت تصرخ: - ولداي.. كيف تأخذهما منى؟ أشار إليها بسبابته مهددا: - وإياك ان تحاولى رؤيتهما.. ومنذ تلك اللحظة لم تعودى زوجة لي. قالت بمرارة: - هل ستطلقنى؟ هز رأسه نافيا وقال وقد سكنت عينيه نظرة حقد: - بل سأتركك هكذا معلقة. قالها وأسرع ينصرف وقد حمل رجاله الطفلين، تاركا وراءه قلبا يعتصره القهر والحزن. إلا أن بريقا التمعت عيناها به فجأة وغمغمت: - إذن سوف أخلعك أيها الغبى.