ملخص ما نشر لم يعد الحب مثلما كان دائما فى الإسكندرية ، مدينة الشعر والثقافة والأحلام والسينما ، ضربتها أمواج من الرمل ، لتكدر أجمل مدينة على البحر ، كانت السبعينات تنسحب ومعها عمر جميل ، ينعى شباب الجامعة ، والشوارع والأرصفة والمقاهى ، أخذ حسن كاريمان و مشيا وحدهما , بعد أن هدد عميد الكلية الجميع بتحويلهم إلى مجلس تأديب , إن لم يكفوا عن الفتنة بينهم . كان حسن وبشر ونادر أكثر من غيرهم يعرفون أن العميد لن يفعل ذلك ، في الوقت الذي لن ينصفهم. - ما رأيك أن نجلس قليلا في أوسع كازينو على الشاطئ . كازينو الشاطبي ؟ لم ترد كاريمان. كانت في غيظ شديد من الطالبين اللذين أمسكا بذراعيها، رغم أنها حين تخلصت منهما صفعت أحدهما على وجهه. قال حسن وهو يشير إلى البحر: - كل هذا الهواء الجميل في الإسكندرية كيف لا يشعر بروعته أحد. لكنها أيضا لم ترد. قال: - إنسي ما حدث يا كاريمان . قالت: - أنت أخذت حقك. - وأنت أيضا صفعتي الولد . - ليس كافيا. أمسك بيدها وقال: - يكفي أنه لا آثار على وجهك. أنا.. إبتسمت ثم قالت: - لكن أنت أيضا ضربتهم كثيرا. - دعينا ننظر إلى البحر.. كانا قد اقتربا من الكازينو. الموج يضرب الأعمدة الخرسانية التي تحمله، والتي يظهر حولها فوق الماء العشب الأخضر والطحالب التي نمت فوقها مع الزمن . قطعا الممر المؤدي إلى الكازينو الجميل القائم وسط الماء . إتساع فائق بالداخل , ومقاعد وثيرة ومناضد عريضة , وجوانب زجاجية تتيح الرؤية من كل إتجاه , ودفء وصمت.. ليس في كل هذا الفراغ غير ثلاثة شباب وثلاث فتيات، يجلس كل زوج منهم على منضدة بعيدة كثيرا عن الأخري ، وكلها جوار النوافذ ، حيث يمتد خلفها البحر الأزرق وأمواجه الهادرة والأفق البعيد. عاد الأسى إلى وجه كاريمان. أمسك حسن بيدها وقال: - أرجوك إنس الأمرهنا يا كاريمان . لا تفسدي بهاء المنظر . الولد أيضا اعتذر لك. قالت منفعلة: - وهل كان له أن يمسك بذراعي هو وزميله المتخلف. سكت قليلا وابتسم ابتسامته التي لا تكتمل وهز رأسه , ثم قال عاجزا أن يثنيها عن الحديث : - حكاية غريبة . يبدو أن الحرب بدأت بالفعل. قالت في غضب: - ما يغيظني هو موقف العميد . ما معنى أن يعتذروا لنا . المفروض أن يحولوا إلى مجلس تأديب ويعاقبوا. - مغلوب على أمره يا كاريمان . اجهزة أمنية كبيرة في البلد تفعل ذلك. ليست الجماعات الإسلامية ولا الإخوان المسلمين وحدهم . قالت في حدة: - كان ينظر إليهم كأنه يقول لهم لماذا لم تقضوا عليهم. لماذا أتيتم مهزومين. ربت على يدها وقال محاولا أن يبعدها عن المسألة من جديد : - كاريمان. إهدأي. أنت معي الآن. البحر أمامنا . مارأيك أن ندخل سينما ؟ مارأيك أن نرى"باري ليندونBarry Lindon" في سينما رويال ؟ فيلم رائع لرايان أونيل، ومخرجه ستانلي كوبريك. طبعا تعرفين رايان أونيل . - لا. - أه. كنت صغيرة. وأنا أيضا. لكن أنا رأيت فيلمه الشهير في سينما درجة ثانية في المنصورة. فيلم قديم لكن مشهور جدا. قصة حب"Love Story".. - أعرف الموسيقى فقط. سمعتها آخر مرة عند يارا.. وسكتت لحظة ثم قالت باسمة : - دعنا نجلس هنا أطول وقت. البحر جميل.معك حق . لا تلمني . إبتسم سعيدا , ونظرت إليه نظرة عميقة. اتسعت عيناها الخضراوان، لكن رفت على شفتيها ابتسامة مكسورة، فأمسك بيديها من جديد خائفا أن تعود إلي نفس الحديث , لكنها قالت : - نفسي أسافر. نفسي أعدي البحر. - أنا أيضا. ما رأيك نجعله مشروعنا بعد التخرج. - والكتابة. القصة والمسرح ؟ - سأكتب هناك وأراسل الصحف والمجلات العربية. هناك في أوربا أيضا صحف ومجلات عربية. ومن يدري ربما أتقن لغة البلد التي نسافر إليها وأكتب بها. راحت تنظر إلى الفضاء البعيد وتحلم ، وأشار حسن إلى الجرسون الشاب الذي تقدم مسرعا . طلب حسن كابتشينو له ولكاريمان . بدا أن كاريمان ذاهلة عنه تماما. قال: - وحشتيني. ابتسمت وقالت: - معك منذ الصباح ودخلنا معركة ووحشتك!؟ ضحك ضحكته التي لا تكتمل مثل ابتسامته ثم قال: - ما رأيك تسهري معي الليلة في نوال بوط؟ - أسهر في ملهى ليلي ؟تريد أن يقتلني زوج أمي؟ - سوف تحبينها جدا. - نوال أم البوط ؟ ضحك هذه المرة بصوت عال. قال: - نوال طبعا. قالت: - أنتم الرجال آخذين حقكم في الدنيا. ثم عادت تنظر إلى البحر. قال: - طيب ما رأيك اعزمك على الغداء عند محمد أحمد . ضحكت وبدت مندهشة جدا. قالت: - معركة وفول في يوم واحد ! هذا ظلم. ضحكا من جديد فقال: - الساندويتش الآن صار بقرشين صاغ. تضاعف يعني. لكنها عادت تنظر إلى البحر من جديد. قال: - نفسي آخدك في حضني. قالت ضاحكة: - وماذا يمنعك؟ إرتبك لحظة ثم تلفت حوله ووقف قائلا: - إذن سأفعلها هنا في الكازينو. وأمسك بيديها يوقفها وهي تتملص منه في دهشة وتقول"يا مجنون" , لكنها كانت قد وقفت , فأخذها إلى صدره وقبلها على خدها بسرعة لأنها انحرفت بفمها عن فمه، وتركها وعاد يجلس ويقول ضاحكا بلا صوت : - يوم بدأ بمعركة يمكن أن ينتهي في قسم البوليس . لا مشكلة. كانت هي قد أطرقت , ووضعت رأسها بين يديها كأنها تخفي نفسها عن انظار الجالسين , والجرسونات الثلاثة الواقفين بعيدا جدا. قالت هامسة: - لازم نمشي فورا. لكن الدفء الذي سرى من صدرها إلى صدره ، وطراوة صدرها , كانا لا يزالان يهدهدان روحه. كذلك كان طعم القبلة الناعم على شفتيه. قال: - لا تخافي. ونظر إلى الجرسونات الثلاثة بعيدا, فوجدهم ينظرون إليهما , لكن لا يتحدثون. قالت: - أنا خائفة جدا. - انتظري حتى نشرب الكابتشينو. شملهما الصمت حتى وصل الجرسون حاملا الكابتشينو. وضع كل شيء أمامهما علي المنضدة صامتا وأنصرف. قالت: - إدفع الحساب ودعنا نمشي. ليس مهما أن نشرب الكابتشينو. قال: - أمام تصميمك وخوفك سأفعل ذالك رغم أن أحدا لم يعترض على ما فعلنا. لي شرط واحد . أن تأتي معي الآن إلى الشقة. لا تخذليني هذه المرة أيضا .لماذا حقا دائما ترفضين ؟ سكتت لحظات كتم هو فيها أنفاسه منتظرا ، ثم قالت في لا مبالاة: - لا مانع. المهم أن لا نتأخر. ---------
صار بشر زهران جالسا بين روائح وغادة . لم يطل الوقت حتي وصل اليهما . دقائق بعد انصرافهم من غرفة عميد الكلية , وترك الجميع مسرعا إلى الشقة . هو هكذا لا يطفئ غيظه غير امرأة , وما أسهل ذلك. كان بسرعة قد غير ملابسه , وصار يرتدي بيجامة شتوية . ينتظرهما بعد أن طرق عليهما باب شقتهما، وأخبرهما أن يصعدا إليه. كانتا قد أعدتا اليوم غداء. صينية بطاطس باللحم وأرز. صعدتا بعد قليل يحملان ما أعدتاه هدية لهم . لقد تعودتا أن تفعلا ذلك من وقت إلي آخر. وضعت كل منهما ما تحمله على ترابيزة السفرة وقالت روايح: - قبل أي شيء أريدك أن تكتب لي خطابا. إبتسم بشر في غيظ وقال: - إنتظري نادر هو المتخصص في خطاباتك. - أريده الآن . هذا هو الشرط . - حاضر. لمن ؟ - لحبيبي طبعا. هل نسيت؟ كانت غادة لا تكف عن الإبتسام. قال بشر: - يا روايح أنا بشر ولست نادر. أنا حتى قصير ونادر طويل . قالت: - لا تفرق. قال وقد شعر باشتداد رغبته : - طيب. ما رأيك أن ندخل الغرفة ننتهي من الواجب ، ونعود نأكل , ثم نكتب الخطاب بمزاج. قالت: - أنا عندي الدورة الشهرية . - إذن أدخل مع غادة. قالت غادة ضاحكة : - بعد أن تكتب خطاب روايح . ضرب كفيه ببعضهما وقال يهز رأسه: - الأمر لله . وسحب كراسة وقلما من فوق ترابيزة السفرة التي عادة يذاكرون عليها. فتح الكراسة وقال: - املي عليّ يا ستي . - أكتب. قالت روايح ذلك ثم أملته : "حبيبي علي . واحشني خالص. مش عارفة أمتى ترجع من سوريا... نظر إيها متوقفا عن الكتابة وقال: - أنا اعرف إنه في ليبيا. سمعتك آخر مرة وأنتي تملين الرسالة على نادر. قالت: - أكتب وانت ساكت. نظر إلى غادة التي لا تكف عن الابتسام وعاد يكتب ما تمليه عليه : "سوريا صحيح حلوة لكن مافيش أحلى من مصر. أنا شفت نسوان كتير حلوة من الشام في اسكندرية , لكن برضه مافيش أحلى من نسوان مصر. صحيح نسوان سوريا فيهم شقر كتير وعنيهم زرقا وخضرا، لكن أنا ممكن أصبغ شعري أصفر والعيون السوداء مفيش أحلى منها...." كان يكتب ويهز رأسه , ويترك يده اليسرى تمشي على فخذها , وهي بين لحظه وأخرى ترفعها عنها. "وبعدين أنت مش بترد عليا رغم أني بعت لك جوابين. الأيام بتمرعليا وحشة أوي من غيرك.. سنه كاملة كتير أوي.." - منذ سنه وهو في سوريا؟ - أجل. زعق بصوت عالي : - طيب. من هو الذي في ليبيا؟ نظرت إليه مغتاظة وقالت: - خلاص يكفي هذا. هات الجواب. سأرسله غدا. أنا نازلة الشقة .عندك الأكل بالهنا والشفا . المهم لا تنس أصحابك. وقفت معها غادة ومشت خلفها وهي تقول : - أنا أيضا عندي الدورة مثل روايح . ........... في كازينو بترو بجليم ، البعيد كثيرا عن الكلية ، جلس نادر ويارا. قال: - ما رأيك في هذا المكان؟ - جميل لكن لا أحد غيرنا. كان الجرسون قد تقدم منهما , وطلبا كوبين من الشاي. - أنا أدخله لأول مرة. أكيد خالي اليوم بسبب البرد والشتاء. لكن هنا في الصيف يجلس عادة نجيب محفوظ وتوفيق حكيم. قالت مبتسمه: - آه. فهمت. هل قابلتهما هنا؟ - لا. كل ما أردته أن أجلس معك في أبعد مكان عن الكلية حتى ننسى ما جرى اليوم . كان الجرسون قد عاد ووضع الشاي أمامهما، ثم إختفى من الصالة كلها. قالت: - خفت جدا عليك.. - لا تخافي. مدت يدها تضعها على جبهته حيث أثار اللكمه واضحة عليها. أمسك بيدها وقال: - لا شيء . لا تنزعجي . إبتسمت. قال: - كنت مره أجلس في مقهى السلطان حسين. رأيت نجيب محفوظ يمشي على الرصيف المقابل . كان يمشي في إتجاه محطة الرمل في شارع صفية زغلول. كان ينظر إلى الأمام كأن لا أحد غيره في الطريق . كان يتأمل في الفضاء. كان يرتدي بدلة صيفية. وقفت أتطلع إليه غير مصدق . كانت نظاره على عينيه. كدت أمشي وراءه. لكني لم أتحرك. ظللت واقفا أمام المقهى أتابعه بالنظر حتى إختفى . آه والله . بالمناسبة هل قرأتي رواية خان الخليلي التي أعطيتها لك؟ - قرأتها وبكيت حين مات رشدي. سكت قليلا وقال: - لو كنت اكتب القصة مثل حسن لكتبت رواية عن الحرب العالمية الثانية وأعطيت أحد أبطالها إسم رشدي. قالت مبتسمه : - ونوال أيضا؟ - يارا هذه المرة. ضحكت وأستمر يتحدث: - المهم أن أعيد إليه الحياة. وسكت قليلا ثم قال: - من يدري. ربما أكتب الرواية أيضا يوما ما.. مدت يديها ووضعتهما فوق يده وقالت: - أنت شاعر جميل يا حبيبي , وستكون أشهر من صلاح عبدالصبور ومن نجيب محفوظ أيضا . وتألقت عيناها العسليتان وهي تنظر إليه. أمسك بيديها، ووجد نفسه يقترب بوجهه من وجهها , فاتسعت عيناها أكثر. زاد اقترابه فأغمضت عينيها، وهو يضع شفتيه على شفتيها، وأحاطها بيده اليسرى بينما يده اليمنى تضغط على يدها. طالت القبلة , وحين انفصلت شفاههما وجدا الجرسون يقف أمامهما. ارتبكت يارا وامتقع وجهها وهي تضع رأسها بين كفيها وتطرق إلى أسفل في خجل وخوف ، بينما نظر هو حائرا إلى الجرسون لا يدري ماذا يقول ، لكن الجرسون قال: - آسف. حضرتك ناديتني؟ - لا. - آسف مرة أخرى. تخيلت أني أسمع صوتا . وأبتعد الجرسون إلى الخلف حتى إختفى من الصالة من جديد. قال وهو يبعد يديها عن رأسها ويرفع وجهها ليراه. - ماذا أفعل يا يارا ؟ لم أستطع المقاومة. لا تريدين أبدا أن تأتي معي إلى الشقة. أريد مره مكانا يخلو من الناس. قالت وهي تنظر إلى المنضدة في خجل: - سآتي معك. هتف: - اليوم. قالت: - لا . لكن في أقرب وقت