فاطمة أنا أيضاً عندي فاطمة. لكنني كثيراً ما أنساها. وتأبي هي أن تتركني أضيع بالنسيان. فتناديني.. وبدون عتاب تعاتبني. أعتذر.. فتخجل.. تنظر بعيداً وتحمر وجنتاها وتبتسم. أطير فرحاً بابتسامتها.. تمتلئ روحي بهجة.. وتشتد قوتي. عندما أذهب لزيارتها.. أضطر إلي ركوب السيارة لمدة ساعتين علي الأقل، ولأنني مصابة بنوع من دوار الحركة، أصل إليها علي حافة فقدان الوعي. بعد السلام أجلس بجوارها، أشعر بثقل شديد في رأسي، أحاول أن أجد كلمات تعبر عن فرحتي بلقائها فلا أنجح، أتمني أن أريح رأسي علي السرير بجوارها. تضع هي أحد أصابعها علي فتحة الأنبوبة الحنجرية المثبتة في رقبتها تقول «أنا طلبتك عشان أتأكد إنك جاية.. كنت خايفة ترجعي في كلامك». تبتسم.. كل ملامح وجهها تبتسم. فيختفي الدوار في رأسي.. وتدب الطاقة في روحي. وأتذكر أن عندي «فاطمة». ولأن جسد فاطمة بالكامل لا يتحرك، ما عدا جزءاً من إحدي يديها ورأسها، فهي تحتاج دائماً لمن يكتب الامتحان بدلاً منها. في امتحانات الثانوية العامة كانت تكتب بدلاً منها جارتها وزميلتها سماح، أصغر منها بعامين دراسيين. «سماح شاطرة بتكتب حلو وبسرعة وأنا كنت براجع الورقة قبل ما أسلمها»، الإنجليزي والفرنساوي باكتبه أنا علي ورقة خارجية وهي تنقل في ورقة الامتحان. فاطمة الآن في الجامعة. وتؤدي امتحان الترم الأول في مستشفي الجامعة. ويكتب الامتحان بدلاً منها موظفون من كنترول الكلية. ذهبت أمس لزيارتها. المسافة حتي مستشفي الجامعة بعيدة بما يكفي لإصابتي بدوار الحركة أيضاً. لكن ابتسامتها كانت أجمل من كل مرة. «عملت حلو في كل الامتحانات ما عدا الاقتصاد بس كل الدفعة عملت وحش، الامتحان كان صعباً، والبنات قعدوا يعيطوا». ضحكت فاطمة.. ضحكت لأن زميلاتها يبكين بسبب صعوبة الامتحان.. ضعفهن يضحكها. فاطمة تبكي كثيراً.. دموعها جميلة كابتسامتها.. لكنها ليست دموع ضعف.. فاطمة أقوي بنت في الجامعة.. ربما تكون أقوي بنت في مصر. أمس قالت لي أمها: فاطمة بتحكم عليّ أشتري لها «الدستور» كل يوم علشان إنت بتكتبي فيه.. بامشي مشوار بعيد لمحطة المترو.. مع إن فيه بتاع جرايد قريب هنا عنده الأخبار.. تقول لأ عايزة «الدستور»!! تبادلنا «فاطمة وأنا» نظرة وابتسامة خبيثة. قلت لأمها: «اشتري خمسة مرة واحدة عشان ما تمشيش المشوار كل يوم». ضحكت فاطمة.. وقالت الأم «يا سلام وده ينفع، دي عايزاه يوم بيوم». قالت فاطمة: «أمي بتفهم كل حاجة.. دي لفت المستشفي كله وحكت لي علي كل حاجة بتحصل». ويا فاطمة كتبت اليوم فقط لأقول لك «كم أنا سعيدة لأنك تقرئين الدستور».