«تطوير مناهج التعليم»: تدريس 4 لغات أجنبية جديدة في المرحلة الإعدادية    تصل إلى 260 ألف جنيه.. أسعار الحج البري 2024    نقيب الزراعيين: مشروع زراعة نبات الجوجوبا يوفر العديد من فرص العمل    خسائر الاحتلال الإسرائيلي تتوالى.. تفعيل صافرات الإنذار في تل أبيب ومقتل جندي بغزة    لاعبا التجديف ببورسعيد يحصدان البرونزية في كأس العالم البارالمبي بسويسرا    منتخب الساق الواحدة يتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026    سقوط أمطار على مناطق متفرقة من القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية»: الجنازات أخلاق نبوية وليست مجاملة اجتماعية (فيديو)    وكيل صحة مطروح يتابع جاهزية مستشفى رأس الحكمة لبدء تنفيذ خطة التأمين الطبي    معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية يكشف نتائج تجربة دمج الذرة الرفيعة مع القمح في إنتاج الخبز    مصطفى كامل يكرم نقيب موسيقيين لبنان    شيماء سيف تحكي عن موقف كوميدي بسبب تعرضها للمعاكسة    عاجل.. رومانو يكشف موعد الإعلان عن مدرب برشلونة الجديد    ما هو سِنّ الأضحية المقررة شرعًا؟.. الأزهر للفتوى يوضح    تعرف مواعيد برنامج إبراهيم فايق الجديد والقناة الناقلة    رئيس «الرقابة والاعتماد» يبحث مع محافظ الغربية سبل اعتماد المنشآت الصحية    للحفاظ على سلامتهم.. القومي للتغذية يقدم نصائح للحجاج أثناء أداء مناسك الحج    «كاف» يحسم جدل 3 لقطات تحكيمية مثيرة في مباراة الأهلي والترجي    رئيس مدينة الأقصر يشهد تكريم الأطباء المثاليين    مراسل إكسترا نيوز: شاحنات المواد الغذائية المقدمة لغزة مساعدات مصرية خالصة    تصل ل9 أيام متتابعة.. موعد إجازة عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024    «شاب المصريين»: الرئيس السيسي أعاد الأمل لملايين المواطنين بالخارج بعد سنوات من التهميش    الجامعة العربية تشارك في حفل تنصيب رئيس جمهورية القمر المتحدة    أيهما أفضل الاستثمار في الذهب أم الشهادات؟.. خبير يوضح    هل يجوز الدعاء بالزواج من شخص محدد؟ أمين الفتوى يرد    وزير الخارجية يشدد على ضرورة وقف اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالضفة    أفضل طرق التعبير عن حبك للطرف الآخر على حسب برجه الفلكي    تراجع إيرادات فيلم "Kingdom of the Planet of the Apes"    رئيس الوزراء الباكستاني يشيد بقوات الأمن بعد نجاح عملية ضد إرهابيين    في ذكرى وفاتها.. تعرف على أعمال فايزة كمال    وزارتا الصحة المصرية والكوبية تناقشان مستجدات التعاون فى تصنيع الأدوية    وحدات السكان بشمال سيناء تعقد ندوات توعوية تحت مظلة مبادرة «تحدث معه»    غرق شاب بشاطئ بورسعيد    عمرو دياب يرصد تطور شكل الموسيقى التي يقدمها في "جديد×جديد"    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    دعوة للتمرد على قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي.. ما علاقة نجل نتنياهو؟    عميد الدراسات الأفريقية: "البريكس وأفريقيا" يبحث دور مصر المحوري في التكتل الدولي    أطعمة تحميك من انسداد الشرايين- تناولها بانتظام    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    محطات مهمة بواقعة دهس عصام صاصا لعامل بسيارته بعد إحالته للجنايات    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    علاء خليل: ما حققته مصر بالرقعة الزراعية الآن لم يحدث منذ 200 سنة    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    سعر الريال السعودى اليوم الأحد 26-5-2024 أمام الجنيه المصرى    النائب أيمن محسب: الدفاع عن القضية الفلسطينية جزء من العقيدة المصرية الراسخة    شاومينج ينشر أسئلة وإجابات امتحانات الدبلومات الفنية على تليجرام.. والتعليم تحقق    الرئيس الفرنسي يتوجه إلى ألمانيا في زيارة دولة نادرة    مصطفى شوبير: لا توجد مشكلة مع الشناوي.. وكولر حذرنا مما فعلناه ضد الوداد    أول تعليق من مدرب الترجي بعد الخسارة أمام الأهلي في نهائي دوري أبطال أفريقيا    مروان عطية: هدف رامي ربيعة «ريحنا».. وتفاجأت بنزول ديانج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق شوشة: لغتنا لم تعد جميلة
نشر في الوفد يوم 16 - 08 - 2016

إذا كان لابد من وصف لهذا الحوار، فهو الحوار ذو الشرط المسبق.. لأنه عند اتصالى بالشاعر الكبير والإذاعى القدير، وأحد حراس لغتنا الجميلة، فاروق شوشة لتحديد موعد لإجراء هذا الحوار، وافق مشترطًا أن يكون موضوع الحوار جديدًا، وغير مكرر وذا قيمة، حتى يجيب عن أسئلة الحوار، بل ويستكمله حتى النهاية، وأكمل «شوشة» قائلًا: لأنه أجاب فى حواراته الصحفية السابقة عن أكثر من أربعمائة سؤال معاد ومكرر، وليس فيها جديد، مما أصابه بالملل من إجراء الحوارات.
ومع أننا لم نعتد فى «الوفد» على الشروط المسبقة للحوارات، إلا أننى ضحكت وقلت للشاعر الكبير: بالطبع الحوار معكم سيكون ذا قيمة، ونحن فى «الوفد» نعرف قيمة الشخصية التى نستضيفها على صفحات الجريدة، ولهذا دائمًا لدينا الجديد.
فقال ضيفنا الكبير إذن سنرى وحدد الزمان والمكان وتم اللقاء.
سألته: ما الذى حدث للغتنا الجميلة؟
قال: لغتنا الجميلة بخير، ولكن أصحاب هذه اللغة ليسوا بخير، لأن اللغة لن تنطلق أو تعيش بعيدًا من مستخدميها، كالكاتب والشاعر والمتصل بالناس، وعندما ننظر إلى اللغة نراها فى انحدار، فيكون لنا ملاحظات ليست على اللغة وإنما على من يستعلمون هذه اللغة.
وما الذى أوصل اللغة إلى هذا الانحدار؟
هذا الانحدار راجع إلى التعليم الذى لم نستطع أن نضع له منهجًا عصريًا يجعل اللغة العربية مادة محبوبة، ويجعل كتابها هو الكتاب المفضل لدى النشء المتعلم يدفعه هذا الكتاب إلى المزيد من القراءة والتكوين، لكن بكل أسف تعليم اللغة العربية متدنٍ، والتعليم بشكل عام لا يرضينا، والمفترض أن التعليم يعطى معلومات مضافًا إليها أفق ثقافى أو بلغة الدكتور زكي نجيب محمود الثقافة هي ثقف والتعليم لا يكون هذا السقف الثقافى.
وما مشاكل اللغة العربية وأزماتها؟
مشاكل اللغة العربية كثيرة ومتعددة تبدأ من المدرسة ثم البيت الذى لم يعد يحرص على القراءة، كما كان يحرص فى الماضى على أن يكون هناك مكتبة صغيرة بها بعض الكتب والمجلات، ثم أصبح المجتمع نفسه لا يحافظ على اللغة، خاصة عندما ينحدر رموز المجتمع إذا استخدموا اللغة العربية جعلوها مهمشة، أو استخدموا العامية بديلًا لها، لذلك ظلت اللغة العربية لأن أصحابها تخلفوا عنها وأصبحوا لا يستحقونها من حيث القدر والجمال والمكانة.
هل انحدار اللغة العربية يرتبط بالانحدار السياسى الذى تمر به المجتمعات؟
انحدار اللغة يبدأ من التعليم ويتصل بحركة الترجمة والنشاط والمجالات التى تستخدم فيها اللغة خاصة المجالات الاعلامية والاتصالية والسياسية، ووصلت اللغة العربية إلى مستوى أن الذين يستخدمون اللغة لا يستحقونها.
هل أثر هذا التدهور على عدم وجود مشروع تنويرى؟
بالطبع لها تأثير الآن اللغة تشجع على القراءة والاتصال والانفتاح على الاخرين، ولكن قصور مستخدمى اللغة عن متابعة ما فى العصر، فهذا ليس ضعفًا من اللغة، إنما هو ضعف منهم، ثم عجزنا عن الترجمة والتعليم والتواصل عن حضور الملتقيات، وهذا هو الذى يصنع التنوير.
.. وماذا يعنى التنوير؟
التنوير أن أعيش عصرى بعصر جديد منفتح لا يخضع للبنية السلفية فى العلم أو الخبرة أو التكوين، إنما يكون عقلًا عصريًا يؤمن بالعلم وينفتح على عالم المعرفة،. وحينها يحدث التنوير.
وكيف نضع خطواتنا على طريق النهضة والتنوير؟
نضع منظومة جديدة للتعليم وللأجهزة المسئولة عن تثقيف المجتمع وتهذيبه وتطويره مثل أجهزة الاعلان بدءًا بالصحافة والاذاعة والتليفزيون ووسائل الاتصال الالكترونية، ولك هذه الوسائل محصلة لاحداث هذا التنوير لدى الفرد ثم المجتمع، وعند ذلك يصبح المجتمع مؤهلًا دون عقبات أو مشاكل للتنوير، لأن التنوير يقتضى التغيير، وإخراجه من عقلية سلفية مغلقة ترتد دائمًا إلى الماضى وإلى الوراء، ولا تبصر ما أمامها حتى لو كان على بعد شبر واحد، والتنوير يقضى بأن تنتهى هذه العقلية وتبدأ عقلية أخرى تنفتح على عالم المعرفة كله.
وما هى تابوهات التنوير فى المجتمع المصرى؟
كلمة تنوير عندما تلقى تفهم خطأ نتيجة لأن بعض مغلقى العقول يعادونها وأصبح معناها التكفير، وأصبح مرادف المتنور يعنى الملحد، الكافر الخارج على الدين وهذه مفاهيم خاطئة لأن الدين الحقيقى تنوير، والفهم الحقيقى لما يريده الدين بدون كهنوت أو مفتين فى الفضائيات معظمهم جهلاء، مع أن الدين نفسه تنوير بشرط أن يقرأ قراءة سليمة، ويفهم على الوجه الصحيح حينها سيكون إحدى ركائز التنوير فى عصرنا الحاضر.
وما هى معايير وأسس المشروع التنويرى الحضارى؟
هذا يرتبط بالهوية المعرفية والثقافية، وماذا نريد لثقافتنا وهويتنا وفى وقت معين كان «طه حسين» يحلم بثقافة البحر الأبيض المتوسط، وكان فى ذهنه فرنسا على وجه الخصوص وآخرون كان فى ذهنهم العودة للماضي معتقدين أن هذا يحقق الهوية الاسلامية، ويعيد عصر الخلافة الاسلامية، والبعض الآخر يرفض هذا وذاك ويريد هوية علمية هى صورة لما لدى الغرب فى أوربا وأمريكا ونضع هوية منفصلة عن تراثنا من ناحية، وعن حاضرنا من ناحية أخرى.
وما هى الهوية المصرية التى تطبع المشروع التنويرى الذى نسعى إليه؟
الهوية الحقيقية لمصر أنها دولة ذات تراث عريق، ونحن نتحدث عن حضارة 7 آلاف سنة ثم نكتشف أنها 7 آلاف سنة من التخلف!! نتيجة لما نعيشه والقذارة الموجودة فى مصر تتنافى مع كون هذا البلد له 7 آلاف سنة حضارة، وكيف نجاهر بهذه الدعوة، ونحن على هذا القدر من التخلف ومن القذارة التى تملأ حياتنا فى كل مكان؟ ومن العقول المتخلفة التى تعيش فى القرون الأولى من الزمان؟
وهذا كله ضد الثقافة والمعرفة الفكرية والدينية التى نريدها لمصر الآن، لأننا نريد هوية تفهم الدين على حقيقته وتعتبره من المكونات الاساسية للمواطنة وللشخصية المصرية أيا ما يكون هذا الدين ، لكن علينا أن نفهمه على وجهه الحقيقى باعتباره دعوة إلى القراءة والتقدم والبناء والسلام. ودعوة إلى التعارف على الآخرين والانفتاح على ما حولنا، وهذا هو معنى الهوية التى نريدها لمصر وللعالم العربى.
.. وهل المشروع التنويرى لابد له من مرجعية؟
أى إنسان بطبعه محكوم بتكوينه، وعندما أفكر وأجيب عن أسئلتك لا تتوقع منى أن أكون منفصلًا عن تكوينى منذ الطفولة وحتى الآن، وبالتالى أى مشروع يبدأ من واقع ثم يطمح إلى تجاوز هذا الواقع، ومصر فى مشروعها الجديد لم تقطع صلتها بكل ما عاشته من حضارات وثقافات، ومؤثرات وتكوينات، ونحن نقول: مصر هزمت الغزاة وطردت المستعمرين وتبنى على أساس منذ الفراعنة، وهذه المكونات أيا ما كان تسميتها، فهى قاعدة انطلاق لتحقيق شيء جديد لا يبدأ من فراغ، بل يبدأ من واقع يراد إصلاحه، وإذا لم يصلح بالطريقة العادية التى تستغرق 100 سنة فلابد من ثورة ثقافية حقيقية لتغيير المعايير التى يتطلبها هذا التغيير.
.. وما كيفية التغيير الأمنى الذى لا يؤدى إلى الانفجار أو الانهيار؟
أحيانًا ينصح بتغيير هادئ، لأن هذه المسألة حساسة وشائكة، وقد نطرحها بعد 10 سنوات، وأحيانا هناك داء عضال يجب استئصاله فورًا، ومصر حاليا فى مرحلة هذا الداء العضال الذى ينبغى استئصاله دون انتظار.
.. وما هو هذا الداء العضال الذى يقتضى استئصاله؟
هو جميع قضايا الفساد التى تتغلغل فى كل مكان وهذا الفساد يمس ضمير الوطن وحياة الناس، مثل الفساد فى شونات القمح، وهذا يقتضى قطع الرقاب فى 24 ساعة. وليس قضاء نعيش فيه سنوات، والمفسد لا يترك بل تقطع رقبته فى اليوم التالى مادام قد ثبتت عليه الجريمة، بإفساده فى طعام الناس والأمن القومى للوطن، وأنا أشعر بالعار لأن قضية مثل قضية «كرداسة» مازالت تتداول فى المحاكم دون أحكام نهائية، ودون أن يشعر أسر هؤلاء الشهداء الذين قتلوا وجردوا، ووضع فى أفواههم ماء النار، واستعرضوا فى البلدة على أنه موكب انتصار من هذه الجماعة الفاسدة، فهذا عار أشعر به كمصري، ولهذا الفساد لابد أن يكون موقف الدولة منه حاسمًا واليد المرتعشة آن لها أن تصبح يدًا أخرى فى مواجهة الأمور.
.. وهل يمكن مواجهة الفساد بعيدًا عن القضاء؟
لماذا لا ننشيء مكتبًا متخصصا فى أى جهة رسمية يتابع ويجمع ما تنشره الصحافة اليومية من فساد وخيانة واعتداءات وإرهاب، وسرقات ونصب واحتيال وترويع للآمنين، ليتم تحويله على عجل إلى القضاء؟، ولكن يبدو لنا أنه لا يوجد أحد يقرأ هذا الفساد ولا يتابعه ليطالب بالقضاء عليه.
.. ولماذا انتصر المشروع الحضارى الأوروبى على المشروع الإسلامي؟
لأنه لم يكن لدينا مشروع بالمعنى العصرى العلمي، والمشروع الذى كان لدينا هو مشروع للعودة إلى التخلف وتمكينه لكى يستمر، والمشروع الغربى انتصر ليس لأنه مشروع مادي، بل لأنه كان مشروعًا حياتيًا يعرف ما هى المادة وما غير المادة، وكيف يسير المشروع فى طريقه، إذن كان العلم لديهم وكان الجهل لدينا، وكأنه الإيمان الحقيقى لديهم، وكان التخلف لدينا، وكان الصدق لديهم، والكذب لدينا، فأصبح العمل الذى يظهر فى رائعة النهار على انه انجاز حقيقى لديهم، وأصبح التخلف الذى يحكمنا ويسود ما نفعله لدينا، فكيف ننجح وهم يفشلون، أو نقارن بما فعلوا ويفعلون، أو بما وصلوا إليه، وما سوف يصلون.
إذن كيف نبنى مشروعًا تنويريًا يجمع بين التصورات الدينية وبين التطورات المدنية؟
نحن نريد بناء كيان معرفي واحد يقوم على الإيمان بالمقدسات، وعلى ضرورة الانفتاح على العلم والمعرفة، واللحاق بالأمم المتقدمة، ونقوم بدراسة تجربتهم لنعرف لماذا هم تقدموا، ونفعل الصواب نحو العمل العلمي، مع أنى أسمع منذ عصر «مبارك» عن مؤتمرات لإصلاح التعليم، وهذه المؤتمرات كانت أكاذيب وأضحوكات، لأن المؤتمر كان يحضر فيه ألف شخص، ثم يلقى فيه رئيس الجمهورية خطابًا، فيعتقد الجميع اننا أصلحنا حال التعليم وانتهى الأمر، وما هكذا يعالج التعليم.
.. وكيف يكون مؤتمر إصلاح التعليم؟
مؤتمر التعليم يستمر على الأقل لمدة سنة ويشارك فيه المتخصصون فى شتى مجالات العلم والمعرفة من رجال الاقتصاد والسياسة والانتاج وباقى المجالات ويقدمون أبحاثهم ورؤيتهم ودراساتهم لتطوير التعليم لأن التعليم أكبر وأعظم وأقدس من أن يترك لوزارة التعليم وحدها لأن التعليم هو القاعدة التى تبنى فوقها المجتمعات وبدون تعليم راقٍ فاهم يدرك ما يحيط به وما يراد منه لن تجد مجتمعات بمعناها الحقيقي.
كيفية حماية الدين حتى لا يتحول إلى مرجعية سياسية كما حدث مع الجماعات المتطرفة؟
الذين يحولون الدين إلى مرجعية سياسية هم الجماعات الشاذة الأبقة والتى تسعى لأغراض خاصة بها وهى التى شوهت الاسلام فى كل مكان ولو بذل أعداؤنا المليارات للإساءة إلى الاسلام ما كانوا نجحوا، كما نجح هؤلاء الشواذ فى هذا التشويه ومع هذا ترفض المؤسسات الدينية أن تعتبرهم غير مسلمين مع كل ما يفعلونه من قتل وذبح واغتيالات وحرق وتدمير إلا انهم يرونهم بعيدين عن الكفر وأسألهم من هو المسلم إذن إذا كنتم لا تعتبرونهم كفارًا وفاسدين فى الأرض؟ ومن يحكم عليهم بهذا الحكم وأمامنا أفعالهم كل يوم تخزى وتفقأ العيون وطالما ننتظر فسيظلون كما هم يفعلون ما يحلو لهم وما يشاءون.
وهل لابد من ربط المشروع التنويرى بالسلطة؟
لابد أن نحدد أية سلطة مثلًا سلطة المجتمع وأصحاب الحق من الناس؟ أم سلطة البرلمان؟ فكل هؤلاء هم أسس أى مشروع تنويرى لأنه لابد أن يبدأ من رغبة أصحاب الفكر والمعرفة والتنوير والثقافة لتكوين مثال غير موجود فى الواقع بل فى العقول، المهم هو كيف يتم تحقيقه على أرض الواقع وبالطبع الذين يحققونه هم الموجودون فى موقع اتخاذ القرار وبدونهم سنفكر وننام على ما فكرنا فيه، ثم نموت غيظًا أو نهاجر من البلد أو تصيبنا الأمراض لأن ما فكرنا فيه لم يتحقق، ولابد أن تكون الدائرة متصلة نفكر ونضع بين أيدى من لهم القرار والحلول والمرجعية الصحيحة وعليهم أن ينفذوا.
وما دور مجلس النواب غير إصدار التشريعات؟
على مجلس النواب أن يقوم بدوره، كما ينبغى وأتمنى أن يكون هذا البرلمان قافلة التنوير الحقيقية فى مصر، وأن يؤكد الهوية المصرية الصحيحة والتى أساسها الإيمان بكل الأديان والمقدسات وانفتاح لا ينتهى حده على العلم والمعرفة المصرية وأقصد العلم بمعناه الدقيق الكيمياء والطبيعة والفلك والجيولوجيا وأيضًا العلم المعرفى الذى يجعل المواطن يعيش فى عصره وزمانه وأن لا يكون متخلفًا عنه وهذا لن يحدث إلا إذا كان مجلس النواب ركيزة التنوير فى رعاية هذا المجتمع.
كيف لمجتمع أن ينهض ويربط بين الدينى والدنيوي؟
أولًا علينا أن نبتعد عن بناء وتأسيس الدولة الدينية ونتجه إلى بناء مجتمع يعرف الدين ويحافظ عليه فى دولة تتخذ من العلم أركانها فى الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتعليم والثقافة ليصبح لدينا مواطن نتاج هذه العلوم ولديه من الإيمان ما يعصمه من الضلال ولديه من العلم ما يجعله مستنيرًا وفاعلًا فى المجتمع.
وما أثر الجماعات الدينية على عدم وجود مشروع تنويرى فى المجتمع؟
طالما هى جماعات شاذة وضالة وأى مجتمع أمى يمكن أن ينجذب لهم طالما يلوحون له بالشهادة والجهاد وأن الإسلام يدعو إلى قتل الكفار واقتحام الحدود وقتل الناس وإشعال الفتن الطائفية وهذا ما تفعله التنظيمات الإرهابية مهما تعددت أسماؤها وتكاثرت وهذا نتيجة عن عدم فهم الدين فهمًا صحيحًا وعدم قيام المجتمع بواجباته الأساسية من تعليم الناس وتوظيفهم ورعايتهم صحيًا واجتماعيًا فالتعليم السييء من ناحية وعدم قيام المجتمع بمسئولياته من ناحية أخرى أتاح للفساد أن يتمكن ويتغلغل فى المجتمع.
هل الخطاب الثقافى المدنى يحتاج إلى تجديد؟
نعم.. وكل يوم خطابنا يحتاج إلى تجديد فى كل شيء وليس هذا التجديد مقرونًا بشروط زمنية حتى يقال التجديد كل عشر سنوات أو عشرين سنة ولكن هذا التجديد يكون بالاتفاق على الرؤية والمنهج، ثم باخضاع آليات جديدة مثلا فى سنة نركز على قصور الثقافة. ثم العام التالى نركز على الصيغة التعليمية التى نستهدفها فى العشوائيات ثم نركز على أجهزة الإعلام التى أصبحت خارج إطار تكوين العقل المصرى بأن نضع فيها نسبة من المادة الإذاعية والتليفزيونية التى تبنى هذا العقل، ولهذا تجديد الخطاب له أشكال كثيرة، ولكنه ليس مطلبًا خاضعًا لفترات زمنية طويلة، بل هو خاضع لأن يكون موضع اختبار وتطبيق فى كل يوم.
ولماذا يرفض المجتمع المصرى مصطلح العلمانية؟
بعض الذين يريدون أن تصبح مصر دولة دينية بالمعنى السلفى التقليدى يتصورون أن الدعاة إلى العلمانية مثل الدعاة إلى التنوير كفرة وزنادقة وملحدون وخارجون على أصول الدين إلى كل هذه التهم الباطلة التى يطلقونها، ولهذا يجب تعلم قداسة الحوار، ونأخذ ما أخذ به الذين سبقونا وتقدموا علينا، والرأى يقرع بالرأى والحجة تناقش بالحجة لا بالشتائم والاتهامات خاصة إذا كانت من عينة الكافر والفاسق والضال، والذى يعبث بأصول الدين أو أنه يزدرى الأديان، وكل هذا الكلام باطل لأنه فى دائرة بعيدة عن الحوار الصحى والصحيح.
كيفية الخروج من هيمنة الماضى التى تسيطر على العقل أو الخروج عن الدوجما؟
التراث لا يهدم لأنه داخل التكوين الإنسان من خلال دراسته فى مراحل التعليم وبيئته وممارسته فى عقله الجمعى، والتعامل مع التراث ليس بالانفصال أو أنه مكتبة فى المنزل لأن التراث هو الإنسان لكن مع العصر وثقافة هذا الزمان ونعرف قدر التراث وقدر الذى نأخذه ونتمسك به، لأن التراث فيه من المعايب ما ينبغى أن يزال سواء من مناهج التعليم، أو من عقول الناس، لأن التراث ليس مقدسًا، والمقدس هو القرآن والسنة الشريفة وما عدا ذلك خاضع للمناقشة والتصويب حتى يصبح عصريًا لأنه خاضع للنظر.. ولكن هناك تراثًا سكن فى وجدان وعقل الإنسان وأغلق عليه الدنيا، وهناك تراث حى آخر يتكون فى كل يوم ويضيف إلى أصحابه فيصبحون مزيجًا رائعًا من تراث قديم حى وتراث جديد يدين بالحياة القديمة.
لكن كيف ومتى نرى مشروعًا حضاريًا بعيدًا عن صدام السلطة والفقهاء؟
فى ظل الوضع الراهن لن يكون هناك مشروع بدون الجمع بين هؤلاء جميعًا، ولكن لابد وأن ينتصر أصحاب الرأى الصحيح، وأن تتجلى الأفكار الحقيقية التى تخدم مصر، وأن يشعر الفريق الخائب أنه خاسر، وأن يدرك الفريق الذى لديه الفكر المستقبلى أنه صاحب المصلحة فى صنع المستقبل، ولكن هذا لن يجئ إلا بحوار مجتمعى واسع ليت البرلمان يكون قائدة.
وكيف يتعامل المثقف مع الضغوط السياسية والاجتماعية والدينية؟
إذا كان مثقفًا حقيقيًا كل هذا سيكون تحت قدميه، أما إذا كان منافقًا شأن الأغلبية ويطمع فى منصب أو مكافأة، أو عمل فهو لن يفيد فى شئ ولكننا نرى المثقف الحقيقى نادرًا بل هم قلة تعد على أصابع اليدين والباقون يحكمون بمنطق العصا والجزرة، ولهذا لديهم استعداد للطاعة.. ولذلك استشهد دومًا ببيت شعر ل«مهيار الديلمى» يقول: ملكت نفسى مذ ملكت طاعتى.. اليأس حر والرجاء عبد، وكان يقصد إذا كان له رجاء لدى إنسان سيعرض نفسه للعبودية ولكن اليأس من كل هذه المطالب ينبغى أن يكون صفة المثقف الحقيقى حتى يملك حدود طمعه ولا يسعى للأساليب المرفوضة ليملك ما لدى الآخرين، لكن من الممكن أن يكون له طموح لأنه يأتى بالاجتهاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.