أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    تراجع أسعار الذهب في مصر وسط تباطؤ الطلب بالأسواق    وفاة 15 شخصا على الأقل في حادث تصادم قطارين بشمال غرب الهند    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    الخميس.. انطلاق رحلات الجسر الجوي لعودة حجاج بيت الله الحرام لأرض الوطن    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    في اول تعليق له على شائعة وفاته .. الفنان حمدي حافظ : أنا بخير    تعرف على معلق ومحللي مباراة الزمالك والمصري في الدوري    انتظام العمل بموانئ البحر الأحمر وتداول 3 آلاف طن و357 شاحنة    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    في ذكري وفاته.. الشيخ الشعراوي إمام الدعاة ومجدد الفكر الإسلامي    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    سميرة عبد العزيز تكشف مفاجأة عن سبب تسميتها «فاطمة رشدي الجديدة»    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    ارتفاع حالات البكتيريا آكلة اللحم في اليابان    حصول مركز تنمية قدرات جامعة أسيوط على رخصة تدريب معتمد من الأعلى للجامعات    إصابة 16 عسكريًا إسرائيليًا خلال ال24 ساعة الماضية    تركي آل الشيخ ينعى الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    رئيس وزراء الهند يهنئ السيسي بعيد الأضحى    إيقاف عمرو السيسي لاعب فيوتشر مباراتين وتغريمه 20 ألف جنيه    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    فتح جميع الحدائق والمنتزهات أمام المواطنين في ثانى أيام عيد الأضحى بالقليوبية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الفيزياء الحيوية الطبية بعلوم القاهرة    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    الكرملين: تصريحات الناتو بشأن نشر أسلحة نووية تصعيد خطير    حمامات السباحة مقصد الأطفال هرباً من درجات الحرارة في كفر الشيخ    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعاً بمبادرة «حياة كريمة» في 3 محافظات بالصعيد    إسرائيل تقرر زيادة عدد المستوطنات بالضفة الغربية بعد اعتراف بلدان بدولة فلسطين    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    أسعار الفاكهة اليوم الاثنين 17-6-2024 في قنا    الصين تتهم الفلبين بتعمد انتهاك مياهها الإقليمية    كيفية تنظيف الممبار في المنزل بسرعة وبطريقة فعالة؟    ب 400 جنيه إسترليني.. علماء يطورون سماعة رأس لعلاج أعراض متلازمة «صدمة الحب»    30 مليون مستفيد من خدمات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    شاهد| أول أيام التشريق.. صحن الطواف يمتلئ بحجاج بيت الله الحرام    "الميكروباص اتعجن".. 9 مصابين في حادث مروع بأسيوط- صور    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



30 يونيو حطمت أيديولوجيتها الجماعات المتطرفة
الدكتور صلاح عناني ل «الوفد»:
نشر في الوفد يوم 27 - 07 - 2015

مصر دولة تمتلك مشروعها التنويري والديني والنهضوي منذ عصر الفراعنة مروراً بعصر «محمد علي» ووصولاً الى 30 يونية التي يشبهها الكثيرون بأنها ثورة دينية تنويرية على جماعات الظلام والتخلف والأفكار الرجعية التي أصبحت عبئاً على الاسلام، وعليه أكد الدكتور «صلاح عناني» فنان الرسم التشكيلي أن مصر أمة مركبة متنوعة ومتعددة الطبقات فكرياً وتاريخياً في تعقيد متداخل ومتشابك، ولهذا فالمصريون يدركون عمقهم التاريخي، ولكنهم لا يصلون الحقب التاريخية ببعضها مما جعلنا لا نعرف من نحن وماذا نريد؟ مع أن مصر صانعة التاريخ الا أننا كمصريين أصبحنا خارج التاريخ.. ومع كل هذه العوامل يشير إلى أن ثورة 30 يونية أحدثت صدمة عصبية للجماعات المتطرفة وكسرت أيديولوجيتها الخاطئة ومفاهيمها الرجعية التي شوهت الاسلام، بل ومازالت 30 يونية تهز وتسقط وتغربل المفاهيم المرتبكة المتعارضة مع صحيح الاسلام، بعد أن دس بعض الفقهاء والمفسرين في الاسلام ثوابت خاطئة صنعت صيغة عشوائية أصبحت عبئاً على الاسلام.
وطالب باستحضار تجربة «ابن خلدون» مفضلها عن تجربة الدكتور «طه حسين» التي وصفها بالغربية والغرب حالياً يسقط وأيديولوجيته تموت، خاصة بعد أن ذاق الشعب بنفسه تجربة فشل الإخوان وأكاذيبهم وتأكده من أن فكر الاخوان أضيق من الدين فخرج عليهم في ثورة دينية لتصحيح مفاهيم الاسلام.
جدارية 100 عام من التنوير ماذا كنت تقصد من تقديمها بهذا التنوع في الرموز المصرية؟
- لوحة 100 عام من التنوير.. كانت عنوان «عام» ورسمتها بجميع أبطال ورموز التنوير من الجدار القديم بدء من «رفاعة الطهطاوي» مروراً بأبطال لحظات ومواقف التنوير لقرن من الزمان وكانت دلالة رمزية على النقلات التي قامت بها مصر وربطها بمشروع «محمد علي» وفكرة الحداثة، وماهى الا أيقونة للتنوير وكأنها مشروع قومي استطاعت مصر من خلاله عمل منجز مهم جداً في ظروف صعبة تمثل في احتلال عثماني وبريطاني عطل المشاريع المصرية حتى مشروع «محمد علي» ذاته.
ولماذا نفصل تاريخ مصر الى حقب تاريخية وهو تاريخ أمة واحدة غير مقسمة؟
- نعم.. وهذا خطأ يقع فيه الجميع، ولهذا كان لدينا جهد كبير ولكننا لم نستفد منه تنويرياً.. بل أصبحت خطوات على الطريق لأن المشكل الحقيقي اننا اصبحنا خارج التاريخ مع أننا أمة صنعت التاريخ، بل ومعجزة التنوير ظهرت منذ الفراعنة، وأي فرد له هوية في أي دولة في العالم، لابد أن يكون فيه جزء مصر بل مصري لها فضل عليه، ولا يستطيع أن يستند إلى هويته التاريخية الا بالاقتران الى مصر التي طورت الغرب بعد ان جاءت اليها الحملة الفرنسية التي قدمت شهادتها واعتمادها الى العالم بزيارتها الى مصر وتوجد مقولة أنه يوجد الغرب قبل زيارة الحملة الفرنسية لمصر، ويوجد غرب آخر بعد هذه الزيارة.
تعدد الطبقات
إذن ما هى معارك التنوير في هذا العصر؟
- أولاً.. نحن وضعنا أطراً ضيقة جداً للفهم تجعلنا لا نستطيع قراءة انفسنا بالشكل الصحيح، وأصبح لدينا خلل في قراءة قدرتنا حتى مع الدكتور «طه حسين» والتنويريين، والمنجز التاريخي والجغرافي والثقافي والاجتماعي الذي وضعه المفكرون لم يضعوا في حساباتهم ان مصر امة مركبة متنوعة وعتيدة، ومتعددة الطبقات فكرياً وتاريخياً تعقد متداخل ومتشابك؟
كيف والمصري لديه عمق تاريخي ويتمسك بدينه وهويته؟
- هذا حقيقي ولكن تم استهداف مصر من أجل تغييب وعيها بنفسها وبعدم ادراكها لذاتها وهذا أخطر شىء لأنه يرتبط بالدين والهوية لتغييب الوعي المصري، وهذا مخطط قديم منذ 3500 سنة وبدأ منذ عصر «الهكسوس» ولهذا المصريون حتي الآن يذكرون لحظتين تاريخيتين هما «الهكسوس» و«مينا» موحد القطرين ويضاف اليهما «رمسيس» وهذا يعني دلالة على ادراك المصريين للعمق التاريخي ولكنهم لا يصلون اللحظات التاريخية ببعضها وهذا ما يجعلنا لا نعرف ماذا نريد؟ أو من نحن؟ ونضع تصوراتنا دون ادراك الوعي والذات ولهذا لا نستطيع صنع تطور للمستقبل.
ما هى محرمات التنوير في المجتمع المصري؟
- نظراً لتكرار الكلمة ذاتها أفقدها المعني الصحيح كمصطلح لذلك كلمة «التنوير» ذاتها أصبحت مشبوهة لأنها تعمل خلل بعض طبقات المجتمع أصبحت تتحفظ عليها ويعتبرونها مثل «العلمانية» لأننا نستحضر بعض المصطلحات الغربية ونحاول أن نطبقها على المصريين، وهذا خلل منهجي خاصة أن تجربة الغرب ضيقة ومشروعنا أكبر منها، لأن الغرب قادم من الظلام ومصر لم تكن معطلة تاريخياً، بل مرتبكة وغير منسقة ولدينا قرون عديدة لم تكن الخلافة العثمانية تتحدث العربية وشيوخ الأزهر قبل الحملة الفرنسية لا يقرأون بل كانوا حافظين والدولة كانت في عطلة تاريخية.
مفاهيم ثابتة
وهنا غابت الشخصية المصرية والهوية الوطنية وظهرت الهوية الدينية؟
- للأسف الشديد هذه الفترة أظهرت عدة أوجه للاسلام المتوازي، غير الاسلام الذي أنزل على نبيه «محمد» وغير الدستور القرآني المجدد، وبعدنا عن فلسفة الرسالة المحمدية التي تمنع خلط الكلمة ولي عنقها وتطويع نصها لأهداف أخرى، وتم العمل والاغمار بأحاديث ساعدت على تحريف مفاهيم ثابتة في الاسلام تاريخياً.
لكن هذا ما يتم تعديله وتصحيحه حالياً؟
- نعم.. لأن ثورة 30 يونية أحدثت صدمة عصبية شديدة جداً لهذه الجماعات التي أساءت الى الدين، وكسرت الأيديولوجية الدينية الخاطئة والمفاهيم الرجعية المركبة المرتبكة المتعارضة المشوهة للاسلام وهذا من تجليات الثورة وهي مازالت مستمرة في اسقاط وهز واعادة الغربلة واعادة التفكير والتشكيك في بعض الأمور التي ليس لها علاقة بالاسلام من قريب أو بعيد، وهذا أفضل انجاز للأجيال القادمة لأنها ستقوم باعادة قراءة لأن الاخوان والسلفيين لا يفهمون أن أعظم شىء في الاسلام هو قابليته للتجديد.
إذن الثورة انتقلت الى الثقافة المصرية؟
- نعم.. لأن مجرد تكسير المنظومة الرجعية وتحطيم الأفكار البعيدة عن الاسلام والراسخة منذ 1400 سنة من خلال مجموعة الفقهاء والمفسرين الذين دسوا في الاسلام ثوابت صحيحة أو خاطئة أحدثت صياغة عشوائية أصبحت عبئا على الاسلام كمنظومة فكرية والثورة عملت صدمة واسقاط وتفكيك بنية المنظومة التراكمية الشائعة حول الاسلام، أدخلت الناس في خلل حقيقي جعل الحياة مضطربة بسبب التفكير الخرافي، مع أن الاسلام منهج علمي وجميع آياته لها دلالات ومسببات، مثلاً آية «من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً» فهذه معادلة منهجية توضح علاقة الفرد بالجماعة، وفلسفة قائمة بذاتها.. وفكرة الثقافة هي دفع الناس الى اعادة قراءة دينهم وفهمه الفهم الصحيح لأن الدين هو المركزية والفصل بين الثقافة والدين فكرة خاطئة، ولهذا لابد من تحطيم الأفكار الرجعية التي تعوق فهم الدين.
فكر منقوص
ولهذا نستطيع القول إن الثقافة لم تصبح الفريضة الغائبة؟
- ما يحدث في كشف الأخطاء في التفاسير والأحاديث والتأويلات سينتج عنه موقف نقاشي جديد، والضربة التي طالت أفكار الإخوان والسلفيين هى تحرير للاسلام وتجديد تلقائي له وستنتج عقولاً جديدة وأرواحاً جديدة ستعبر بالعالم الاسلامي وسيترتب عليه تغيير الموقف العالمي من الاسلام، المهم عدم فصل الثقافة عن الدين لأن هذا فكر منقوص وأعرج لأن الدين منظومة ثقافية متكاملة وطريقة معيشية مادية وروحية وخيالية.
هل نحتاج الى لجنة دفاع عن الثقافة القومية؟
- بل نحتاج الى اعادة تعريف لنا كأمة مع ربط لحظات التاريخ مع بعضها وهذه هي الفريضة الغائبة لأن المصريين لا يعرفون أنفسهم وضرورة ربط الفترة الفرعونية الممتدة، لأنه لم يحدث في تاريخ البشرية أن يكون لنا فترة تاريخية موحدة ثم يتم فصلها عن 1400 سنة وهذه كارثة كبرى وسببه سوء قراءة ل 135 موضعاً عن نبي الله «موسى» في القرآن أساءت فهم الفراعنة، كما لو أنهم هم الكفار مع أن المقصود كانوا الهكسوس الذين عاشوا في الشرقية، لأن المصريين كانوا موحدين قبل الأديان السماوية الثلاثة، و«ابراهيم» جاء الى مصر حتى يبحث عن التوحيد بعد تكسير التماثيل في «آشور» وتم نصحه بالمجىء الى مصر لأنها موحدة ولهذا خرجت من «ابراهيم» الثلاث رسالات السماوية بعد أن تعلم التوحيد في مصر وعاد بفكر جديد.
لكن هل يعقل بعد جهود التنوير مازلنا نناقش قضية الهوية والانتماء الحضاري؟
- في تقديري أن المفكرين التنويريين لديهم خلل كبير مثل المتدينين في الجماعات المتطرفة، الاثنان طرفا نقيض لظاهرة واحدة لأنهما يقومان بنفس التخريف مثلهم مثل جماهير الأهلي والزمالك!! لأن المتدينين يرفضون الثقافة وكأن الدين يرفض الثقافة، والمثقفون يرفضون الدين وكأن الثقافة ترفض الدين وهذا أنشأ وجود خلل فكري وجداني أثر بشكل ما في قضايا الهوية والانتماء الحضاري.
محاكم التفتيش
هل يمكن أن نستحضر د. طه حسين وطرح تساؤله أين نحن من الحضارة الحديثة؟
- لا.. فأنا اختلف مع الدكتور طه حسين في رؤيته وطرحه لمستقبل الثقافة المصرية!! لأن التبعية للغرب جعلتنا لا نتطور ولا نجدد الاسلام، لأننا لا نستطيع أن نتجاوز الدين، ولأن الثقافة تعني الدين بل هى انعكاس للموقف الديني، وما حدث في مصر الآن ثورة حقيقية لم يحدث مثلها في الغرب خاصة في تجربتها ضد الاخوان وما أعقبها لم تحدث ضد محاكم التفتيش بمعني اهتزاز الصورة الثابتة الشائهة المزيفة التي تحطمت آليا والأفضل هو أن الشعب يتبناها في عقله الجمعي ويعيد قراءتها.
طالما ترفض التجربة الغربية فمن يمكن أن نسترجع تجربته من واقعنا تاريخيا؟
- يمكن أن نسترجع تجربة «ابن خلدون» في منهج الجرح والتعديل ليصبح منهجية علمية لتصحيح الأحاديث من اخطائها، ولذلك انه منذ 600 سنة قام الفقهاء بتكفيره، وما نحن فيه الآن هو ما أقدم عليه هذا العبقري في منهج الجرح والتعديل، ولهذا استحضار تجربة «ابن خلدون» وليس استحضار تجربة «طه حسين» لأن الغرب الآن يسقط وتموت أيديولوجيته، وما كان ينقصنا من تكنولوجيا فتلك بضاعتنا وردت إلينا، ولن نستطيع أن ننهض بالأمة الا اذا رفعناها من أسفل الى أعلى باستفاقة الشعب وتحرير العقيدة من رواسب الأفكار الخاطئة، وعلى المثقفين أن يتابعوا اللحظة ويقرأوا العقل الجمعي ويقدموا بعض النقلات النوعية وليس التجديد من أعلى الى اسفل.
ولماذا يوجد خصام وخصومة بين الذين يمثلون الدين وبين الحضارة؟
- هذا الصدام سببه أن المثقفين لديهم تبعية ذليلة للغرب ويتوقفون عند التجربة الغربية دون هضمها فيسرطنون ثقافتنا والذين لا يتبعون الغرب يقفون أعداء لها وينجذبون نحو السلفية فأصبح المجتمع مشقوق نصفين وهذا لا يصنع مشروعاً جماعياً بعد أن أصبح المثقفون متطرفين لا دينيا، في مقابل المتطرفين دينياً.
الصدام والتشاحن
تراث مصر ملىء بالقيادات الفكرية سواء ليبرالية أو محافظة أو دينية مستنيرة فما الذي أوصلنا الى هذا الوضع؟
- ما نحن فيه الآن ظاهرة صحية لأن الصدام والتشاحن الحالي سينتج منهجاً جديداً والمواقف السابقة التي تتجه الى الغرب والأخري التي تغرق في أفكار الرجعية المتخلفة ليس لها علاقة بالدين بل يعيشون على مأثورات لأن الفقر عنصر رئيسي لدعم الرجعية الدينية ويعيشون في القرون الوسطى والتابع للغرب يعيش حياة لطيفة ويستخدم التكنولوجيا، وهذا أدخلنا في متاهة، والسبب المشروع الاستعماري ومصر اسمها الحركي في الغرب «رأس الحية» منذ الحروب الصليبية لأنه عندما تستفيق مصر ستقود العالم وهذا قديما عندما قدم تحتمس الثالث مشروعه العسكري والديني، وأيضاً مشروع «اخناتون»وكان أكبر مشروع تبشيري في العالم، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل مختلف.
إذن لابد من وجود اصلاح ديني يرتبط بالواقع الاجتماعي الذي يدفع في اتجاه النهضة والتنوير والحداثة؟
- نعم.. وهذا بإذابة الفوارق بين الطبقات لأن مع افقار المصريين لن تحدث أي نهضة فكرية ولا ثقافية ولا دينية، الا باعادة توزيع الثروات بشكل عادل وليس بشكل نسبي حتى يستجيب الشعب للمشاريع المستقبلية لاعادة بناء أمته وترتفع فوق خط الفقر ونلغي العشوائيات وحينها تبني ثقافة جديدة عصرية وتستعيد مصر عافيتها.
في المقابل يوجد مليارديرات ومليونيرات يرتمون في أحضان الجماعات الرجعية؟
- بل هم يدافعون عن المكتسب الطبقي لأنهم في دائرة المصالح، ولكن مع رفع المستوى الاقتصادي تخلق تياراً جمعياً ونناقش كل القضايا بمنتهى الوضوح والأريحية، لأن الشعور بالدونية والجهل والفقر يتجه بالناس لأشد الأفكار تطرفاً ورجعية ويبحثون عن أشكال وملابس مشوهة وبهذا تكون قاعدة شعبية دينية ممسوخة يستفيد منها هؤلاء الأغنياء أصحاب المصالح.
ولماذا فشل مشروع الاصلاح الديني في مجتمع متدين؟
- لأنه مجتمع فقير دفع الشعب الى اللجوء الى الدين حتى كان بشكل خطأ وأسلوب منحرف.
ترى هل الأمة المصرية حالياً مستعدة لتعديل موقفها من الجماعات الرجعية الارهابية؟
- الأمة المصرية جاهزة الآن وبشكل استثنائي فكرياً ووجدانياً لتعديل موقفها من الافكار الدينية الرجعية، وعلينا أن نلحقها دون الدخول في الصراع الطبقي والثورات الشعبية بتعديل الجهاز البيروقراطي وإلغاء العشوائيات ورفع المستوى المعيشي والا ستفوت فرصة تاريخية نادرة قد لا تتكرر مرة أخرى، حينها ستعود مصر الى مكانتها مع العالم الذي أصبح يتآكل من حولنا، وأمريكا تنكمش والشرق ليس لديه تجربة كبيرة، ومصر الآن ترج العالم وتهزه هزاً وهو ينظر لمصر ليرى إلى أين ستتجه، والمشاريع الاجتماعية هي القضية الأهم ولهذا خرج 35 مليون مصري في الصيام وأثناء حكم الاخوان ليتضامنوا ويزيحوا الرجعية الدينية، وهذا معناه أن الشعب لديه الرغبة في أن يخرج خارج الاطار القديم بعد أن تأكد أن فكر جماعة الاخوان أضيق من الدين، وهذه كانت ثورة دينية والآن يجب أن نخدم عليها.
كيف تصف العام الذي حكم فيه الاخوان؟
- فشل الاخوان في الحكم كان عظيماً على شعب مصر بل أعظم مليون مرة من الذي تطلق عليه التنوير، لأن الشعب ذاق بنفسه وجرب وتأكد انهم مجرد وعود وكلا غريب وعجيب وأكاذيب.
وتأكد الشعب أنهم بدون مشروع نهضة ولا هم متطهرون بل هى جماعة طبقية تلقي بالفتات للشعب، ولكن عظمة الأمر هو قدرة الشعب على الحشد ب 35 مليون ليسقط حكماً دينياً مؤسساً على الفكر الديني وهو شعب متدين وفي شهر القرآن وهذه هى المعجزة.
ما هو دور المثقف في مجتمعه؟
- للأسف لا يوجد في مصر مثقف «عفوي» يتفاعل ويلتحم بالناس ويعيش معهم مشاكلهم ويبني أحلامهم، ولهذا لا يوجد دور للمثقف.
فساد المجتمع
ولهذا فشل المثقفون في مشاريعهم بعدم وصول التيار الديني إلى السلطة؟
- نعم.. لأن الاثنين لهما مصلحة، التيار الديني يزيد التطرف الديني ويحصل على أموال من الخليج، والمثقفون يزيدون التطرف اللاديني وبعضهم يحصل على امدادات من أوروبا وجميعهم أفسدوا المجتمع وزادوا من انقساماته.
وكيف تكون العلاقة بين المثقف والسلطة؟
- المثقف يجب أن يكون على يسار السلطة لأنه أشبه بالخلية المناعية التي تبحث عن الأخطار حتي لا تتسرطن ولكن في مصر يوجد حظيرة دواجن تجمع المثقفين والسلطة تلقي لهم بعض الفتات لتحافظ على التوازن وتلعب بالطرفين دائما وأبداً.
إذن كيف يحافظ المثقف على استقلاليته؟
- بالالتحام بالشعب وهذا عندما يكون مثقفاً عفوياً.. ويجمع خلفه الناس ويعبر عنهم دون استغلالهم والسلطة حينها ستراقب ولا تنحرف لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، و«عمر بن الخطاب» قال: لو رأيتم فيَّ اعوجاجاً قوموني».. وحتى «مرسي» قالها في احدى خطبه، ولكن كانت السلطة في عصر الاخوان ترشي الجميع، وأنا كأستاذ جامعي زاد راتبي 60٪ كرشوة الى أساتذة الجامعات خلال حكم الاخوان وبعض زملائي كانوا يقولون لي لا داعي للمعارضة وانظر اليهم كيف أزادوا المرتب وقلت هذه رشوة وليست زيادة رواتب، وعلينا أن نعرف أن مصر مليئة بالخير بل ثرواتها مرعبة لو أحسن استخدامها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.