على بعد 200 متر من مشروع «الأسمرات» بمنطقة المقطم فى القاهرة يعيش أكثر من 500 ألف مواطن من سكان «مساكن الزلزال» بمنطقة المقطم حياة غير آدمية. الأهالى اكتووا بنار الإيجارات الجديدة التى وصلت فى المنطقة إلى 800 جنيه للشقة.. وحرمتهم الدولة من الحصول على وحدات سكنية فى مشروع الأسمرات رغم أنهم يسكنون فى منطقة شعبية ولا تختلف كثيراً عن المناطق العشوائية فى «الدويقة» و«منشية ناصر». آلاف من المطلقات والأرامل والشيوخ والأطفال لا يجدون قوت يومهم ينتظرون إنصافهم وحصولهم على شقة العمر بعد أن تقدموا عشرات المرات إلى مشروعات الإسكان الاجتماعى خلال السنوات الماضية. الحياة فى «مساكن الزلزال» لا تختلف كثيراً عن المناطق العشوائية مثل «الدويقة» أو «منشية ناصر».. فالمساكن تهالكت والمرافق انهارت، والصرف يغرق المكان.. والمياه تنقطع عن الوحدات السكنية أياماً دون أن يراها السكان.. والقمامة تحتل جوانب الطرق. ظروف صعبة يعيشها السكان يفقدون فيها الأمل والإحساس بالتغيير. على مدخل إحدى العمارات السكنية التقينا الشاب أحمد سالم، وهو موظف حكومى فى العقد الثالث من العمر يشتكى من أسعار الشقق فى المنطقة والتى تتراوح بين 600 و800 جنيه، ولديه طفلان فى مراحل التعليم.. ويشتكى «سالم» من عدم حصوله على شقة سكنية رغم أنه تقدم عدة مرات ودفع مقدم شقة فى مشروعات الإسكان الاجتماعى.. والحكومة كان الأولى بها أن تخصص لهم حصة فى مشروع الأسمرات. وقال: «الأولوية لنا.. فنحن نعيش بجوار المشروع ونسكن فى المنطقة منذ عام 1996 عقب زلزال 1996 وننظر إلى عمارات الأسمرات كلما مررنا بجوارها دون أن نحصل على شقة سكنية أو تسأل فينا الحكومة». ويعيش هانى حلمى مأساة منذ سنوات، إذ يسكن فى شقة هو وأبناؤه الخمسة لا تتجاوز مساحتها 54 متراً.. وتنقطع المياه عن الشقة 4 أيام، فى حين أنه مطالب بسداد 750 جنيهاً إيجار، بخلاف مصاريف المدارس فى ظل غلاء المعيشة. وقال: «حرمونا من مشروع الأسمرات.. أنا صنايعى فى قهوة يوميتى 100 جنيه.. بشتغل 18 ساعة وأرتاح 6 ساعات، مش بشوف عيالى بالأيام وبطمئن عليهم بالتليفون ونطالب رئيس الوزراء بحقنا فى شقة سكنية مدعمة من الدولة، لأننا مش قادرين على دفع الإيجارات. ويتفق معه محمد سلامة واصفاً المشكلة بأنها «مأساة» بعد أن وصل إيجار الوحدات السكنية إلى حد غير معقول. وقال: «حرام ندفع 800 جنيه فى شقة 54 متراً.. أنا بشتغل نقاش منذ 25 سنة يوم شغال وعشرة بدون شغل.. مش عارف أعيش بسبب أسعار المساكن والإيجارات.. كل سنة أصحاب الشقق بيغلّوا الإيجارات والعفش بتاعى يتبهدل من عمليات النقل، سكنت فى 11 شقة منذ أن تزوجت ودفعت مقدمات شقق 9 مرات فى مشروعات الإسكان الاجتماعى بخلاف أسعار الكهرباء والغاز والمياه التى زادت بشكل غير طبيعى. ارتفاع أسعار الإيجارات وتجلس عفاف عبدالرازق -سيدة مطلقة- فى شقتها التى لا تتجاوز مساحتها 54 متراً، وهى عبارة عن غرفتين صغيرتين وحمام ومطبخ تعيش مع ابنتها فى شقة إيجارها 800 جنيه، وتقول: «نعانى من كارثة وهى ارتفاع أسعار الإيجارات بطريقة كبيرة واستغلال أصحاب الشقق للفقراء ومحدودى الدخل.. وهناك بعض الأشخاص يشترون الشقق ويؤجرونها للعمال والمهندسين الذين يعملون فى مشروعات الأسمرات وللطلبة بأسعار خيالية تصل إلى 1500 و2000 جنيه شهرياً». وأضافت: «أهالى مساكن الزلزال هم الأولى فى مشروع الأسمرات.. فنحن نعيش على بعد أمتار من المشروع.. ولا نستطيع أن ندفع الإيجار والكهرباء وفواتير المياه التى تراكمت.. وهناك مئات المحاضر والإنذارات التى وصلت إلى السكان بسبب عدم الدفع. تعبنا نفسياً وصوتنا مش واصل للحكومة والمسئولين هنعيش ونموت من غير ما نحصل على حقنا أو حتى حياة آدمية.. معاش والدتى 375 جنيه بصرف منه أنا وبنتى ووالدتى.. من أين نوفر قيمة الإيجار؟ أصحاب الشقق بيأجروا الشقق سنة واحدة فقط، يجب على الدولة أن تخصص حصة فى مشروع الأسمرات للحالات الأولى بالرعاية من الأرامل والمطلقات وغير المقتدرين». وكشف عاصم حسن من سكان المنطقة وجود مئات الأسر التى تعجز عن دفع الإيجارات وجاءتهم حجوزات بمبالغ 6 و8 آلاف جنيه.. والناس ظروفها صعبة، مطالباً بمنح سكان مساكن الزلزال وحدات سكنية فى مشروع الأسمرات، خصوصاً الأرامل والمطلقات وكبار السن، موضحاً أن البعض دفع 20 و30 ألف جنيه، واشتروا عقود آخرين حصلوا على شقق فى مشروع الأسمرات. كما أن سعر استخراج البطاقة الشخصية بعنوان منشية ناصر وصل إلى عشرة آلاف جنيه تدفعها مقدماً، ولذلك تم وقف استخراج بطاقات شخصية جديدة باسم «منشية ناصر».. والمطلوب عمل أبحاث على الحالات التى لها أولوية لمنحها وحدات سكنية فى مشروع «الأسمرات». وقال: إن الوافدين من العراق وسوريا على المنطقة أشعلوا الأزمة من 400 جنيه إلى 800 جنيه، مطالباً الحكومة بعمل حصر لسكان مساكن الزلزال منح من يستحق منهم وحدات فى مشروع الأسمرات. وتروى «أم عربى» قصتها، فتقول: «عشت 24 سنة فى المقطم.. وتوفى زوجى وتركنى فى ظروف صعبة.. مدفعتش المياه منذ 4 سنوات ومعاشى 400 جنيه.. وبدفع إيجار 450 جنيهاً.. أين العدل؟ وأين حقوقنا التى استولى عليها من لا يستحق فى مشروع الأسمرات؟ أجيب منين 9 آلاف جنيه مقدم شقة من الحكومة.. إحنا مش لاقيين ناكل ومش عارفين نعيش.. تعبنا.. كفاية ظلم. أما عبدالمنعم أبوسريع، فى نهاية العقد الخامس من العمر، فهزمه المرض بعد صراع مرير انتهى بعجزه وجلوسه فى المنزل.. لا يمتلك «أبوسريع» من الدنيا سوى 500 جنيه معاش هى كل ثروته من الحياة.. يصرف معظمه على العلاج، ولديه 3 أبناء، ينتظر حصوله على شقة وتخفيف مصاريف وغلاء المعيشة بعد أن تراكمت عليه الديون وحاصرته ويهدده صاحب السكن بإلقاء «عفشه» فى الشارع. تركنا المنطقة بعد ساعات قضيناها مع سكان المنطقة نقلنا خلالها مأساة وحياة قاسية لأسر وآلاف الفقراء ينتظرون الحصول على شقة سكنية بعد سنوات تقدموا خلالها لمشاريع الإسكان الاجتماعى دون أن يكونوا من المحظوظين للفوز بشقق الحكومة.