فى كل مهنة هناك رجل يطلق عليه صنايعى، بمعنى أنه أسطى يجيد الصنعة بأدق تفاصيلها سواء كانت التفاصيل صغيرة أم كبيرة، هامشية أم أساسية، حتى يخرج العمل فى أبهى صورة، هذا اللقب يصاحب صانع الأحذية، وميكانيكى السيارات كما يصاحب المهن المتعلقة بالفن بداية من العاملين فى ورش الديكور إلى المصمم، كما يصاحب عمال الإضاءة، وصانع الآلات الموسيقية وكذلك فئة الملحنين والمؤلفين والمخرجين والممثلين وكل من ينتمى إلى أهل الفن لابد أن يكون بينهم أسطى أو صنايعى. الفنان الكبير يحيى الفخرانى هو أحد صنايعية وأسطوات هذا الزمن الذى نعيش فيه، وهذا اللقب أو تلك الشعبية التى حظى بها الفخرانى لم تأت من فراغ فهو على مدار تاريخه الفنى خاصة فى عالم الدراما يبحث عن قماشة درامية ثرية تمنح المشاهد، وتمنحه كفنان حالة من الشبع الفنى التى أصبحنا خلال السنوات الأخيرة فى أمس الحاجة إليها بعد تسرب إلى عالم الدراما موضوعات سطحية خالية من أى إبداع، تعتمد على مفردات تجارية حتى يستطيع المنتج أن يجنى من ورائها أرباح، عند الفخرانى الأمر مختلف تماماً، فهو ما أن ينتهى شهر رمضان الكريم حتى تجده يبدأ رحلة جديدة للبحث عن فكرة أو نص يدخل به الماراثون التالى من الشهر الفضيل. هذا العام اختار الفخرانى دوراً وحبكة درامية غير مغرية بالمرة لأى فنان يبحث عن إرضاء الجمهور، ظهر علينا الفخرانى فى ثوب شيطان يحاول أن يشيطن كل من حوله مستغلاً غياب أب عن أسرته لفترة طويلة، ويظهر "ونوس" يطالبهم بحقه لدى والدهم ثم يبدأ فى شيطنة العائلة كل منهم حسب حاجته، فالابنة التى تسعى لعلاج ابنها يصل بها إلى أن تصبح دجالة تقوم بأعمال سحر، والابن يجعله مقامراً أى أنه فى النهاية يعمل على تفتيت الأسرة، وتقف الأم هالة صدقي عاجزة عن مواجهة هذا الشيطان. ورغم أن شخصية الفخرانى لإنسان شرير «شيطان» وهى من الشخصيات التى تحقق نجاحها من خلال كراهية المتلقى أو المشاهد للشخصية، لكن فى حالة الفخرانى فالوضع مختلف تماماً الناس تبحث عن الفخرانى فى كل حلقة، لكى تعلم ما هى الفتنة الجديدة التى سيقوم بها لتفتيت شمل الأسرة، والانتقام من الأب «ياقوت» الذى تحول إلى إنسان مجذوب، يعيش فى الشوارع، ويؤدى شخصيته الفنان الكبير نبيل الحلفاوى الذى يقدم أيضا دوراً استثنائياً كما عودنا فى أعماله. يحيى الفخرانى دائماً يبحث عن عمل خارج التوقعات، لذلك ليس بالغريب ان تطلق عليه عميد الدراما العربية. تاريخه مع المسلسلات يشهد أنه الأكثر بحثاً عن المتاعب فى الدراما فهو لا يستسهل النصوص التى يختارها ولا يهمه النجاح التجارى المؤقت الذى يسعى إليه الجميع، لكنه يبحث عن العمل الذى يؤثر فى الناس ويعيش معهم حتى يظل الدور فى مخيلتهم عشرات السنين فمن منا ينسى مشاهده فى «يتربى فى عزو» بعد وفاة والدته فى العمل كريمة مختار خاصة المشهد الذى يأكل فيه «البليلة»، ومن ينسى مشهد القطار فى مسلسل «الليل وآخره» الذى كان يعكس فيه إنساناً مهموماً وفى «المرسى والبحار» وهو الابن الذى عاد ليجد والده قد رحل عن الدنيا. مع خلفية لصوت محمد الحلو يغني "سامحني يابا" من ألحان الموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن وما أدراك عندما يجتمع صوت الحلو وعبدالرحمن وأداء يحيى الفخرانى، وفى «شرف فتح الباب» الأب الذى يرتشى من أجل تأمين مستقبل أبنائه، و«دهشة» الذى نقل فيها الملك لير للشاشة الصغيرة، و«شيخ العرب همام» عن قصة واقعية لأحد كبار شيوخ الصعيد. إلى جانب أعمال أخرى مثل «عباس الأبيض فى اليوم الأسود وأوبرا عايدة وابن الأرندلى، وجحا المصرى ولما التلعب فات، وللعدالة وجوه كثيرة وسكة الهلالى، وزيزنينا». فى كل عمل من هذه الأعمال لن تجد الفخرانى شخصية مكررة، فهو فى كل عمل يخلق حالة جديدة، وفى أغلب الأعمال ستجد رائحة الفخرانى فى الكتابة خاصة فى أعماله الأخيرة مثل دهشة وشيخ العرب و«ونوس» المأخوذة عن فاوست. الفخرانى طوال مشواره الدرامى استطاع أن يدخل إلى كل بيت مصرى، وكأنه الأب أو الأخ أو الخال أو العم، استطاع أن يكون أحد أفراد هذه الأسرة، بالتأكيد سوف تجد أحد أقاربك يشبهه فى أمر ما. ومن الصعب أن يصل أى فنان لهذه المرتبة والمكانة الفنية. لذلك يأتى دائما الفخرانى على رأس المائدة الدرامية فى كل رمضان.. لأن أعماله خالية من الشبهات التى انتشرت فى الدراما والسينما. أنت تجلس أمام عمل مثل «ونوس» وأنت مطمئن القلب على أفراد أسرتك، لأنك لن تجد كلمة أو مشهداً خادشاً للحياء. فى الوقت الذى تجد فيه رب الأسرة يجلس وعيناه فى منتصف رأسه لو جلس يشاهد أى عمل درامى لأى فنان آخر، لأنه يعلم أن بين لحظة وأخرى سوف يسمع لفظاً خارجاً أو يرى مشهداً فى غرفة النوم إلخ من المشاهد التى أصبحت تهين الإنسان المصرى لأنها تضرب بالعادات والتقاليد عرض الحائط. الفخرانى دائماً يحلق خارج السرب، يصنع العمل، وكأنه يصنعه لأهل بيته الذى يضم عائلته الصغيرة الزوجة لميس جابر والأبناء والأحفاد، وهذا هو الفارق بين فنان يحترم نفسه وفنه والناس، وفنان آخر لا يحترم سوى لغة المال والمنتج. وهذا هو الفارق الكبير هو الذى وضع الفخرانى على قمة هرم الدراما منذ سنوات طويلة بينما هناك أسماء سرعان ما اختفت بعد عملين أو ثلاثة على الأكثر. الفخرانى يظل الأكثر تأثيراً واحتراماً لنفسه ولجماهيره، وسيظل الجسر الذى يربط بيننا وبين الإبداع الحقيقى سواء قدم شخصية الملاك أو الشيطان «ونوس».