ارتبطت المُسلسلات فى مصر برمضان، فقد صار عند المصريين شهر الدراما التليفزيونية. وأنا شخصيًا غير مهتم بمتابعة المُسلسلات عمومًا، خاصة فى شهر الصيام، غير أنى كُنتُ مشدودًا على غير عادتى - من بداية الشهر بمسلسل «الميزان»، عندما صادفنى وأنا أُقلِّب القنوات الفضائية. واستشعرت من حلقته الأولى أنه بعيد عن الإسفاف والسطحية والاستظراف، الذى اشتُهِرت به «معظم» أعمال الدراما التليفزيونية.. ومن مُتابعتى للمسلسل استوقفنى تركيزه على التفاصيل، رغم سرعة وتسلسل الأحداث وتتابعها وإحكامها، بما يعكس دقة المخرج أحمد خالد موسى، الذى اختار تصوير المشاهد فى قاعات المحاكم والشوارع والكافيهات، بعيدًا عن البلاتوهات، ليُضيف للعمل مصداقية وواقعية وإثارة مُشَوِقة، ربما استمدها من النص الجيد للمؤلف والسيناريست باهر دويدار، الذى كتب بخيوط درامية، هذه الدراما المحبوكة التى تعكس الواقع، فى مجتمع رجال الأعمال والسلطة والشرطة والمحاماة، وأبرم من هذه الخيوط حبلًا، أظهر هذا الواقع فى صورة واضحة ودقيقة غير مُهتزَّة. ولاقى «الميزان» إعجابًا وتقديرًا من ملايين المشاهدين، ونال استحسانا وثناءً كثيرا من النقاد، وحصل منهم على شهادة النجاح، بأداء متميز دون تكلُّف لفريق التمثيل «كله». ونجح «الميزان» فى إظهار قدراتِهم فى أدوار جديدة، كما نجح فى تقديم الفنانة «القديرة» عارفة عبد الرسول، أم (محسن عبدالتواب)، فى مشاهد رغم أنها عابرة إلا أنها تركت بصمة وأثرًا بملامحها وأدائها الطبيعى التلقائى، حتى إنَّ الكثيرين ظنّوا أنَّها امرأة جاء بها المُخرج من منطقة شعبية لتؤدى الدور.. وأخرجت الفنانة عارفة ما لديها من خبرة فنية مخزونة، لم يُظهرها مُخرج غير أحمد خالد موسى.. واختلف أداء القدير بيومى فؤاد فى دور(أحمد عبدالعزيز)، عن غيره من الأعمال «الكثيرة» التى شارك فيها هذا الموسم، وخرج من شرنقة الأدوار الكوميدية البسيطة، ليؤدي بعمق دور صاحب النفوذ، الفاسد الشرير بإحكام وتميز.. وأكد محمد فراج جدارته وتميزه فى «الميزان» عن بقية أعماله هذا الموسم، فى دور (محسن عبدالتواب)، «الهجام» التائب، الذى أداه بحرفنة وتركيز عاليين، أظهر موهبة مصقولة بدراسة فنية على ما يبدو.. ورغم أنَّ احمد ماهر قد جسد دور الاعلامى فى أكثر من عمل درامى، إلا أنه فى دور الاعلامى (عمرو أمين) كان أكثر نُضجًا بعدما بلغ سن الرُشد الفنى، فكان مُقنعًا، حتى وهو متهم محبوس وراء القضبان. وأقنعنى محمد نشأت فى دور (أيمن عز الدين) الذى يُجسد بأدواته الخاصة الوجه الآخر للإعلامي المُنتهِز، الساعى لتنفيذ الأوامر والتعليمات.. ورغم أنَّ هَنَا الزاهد لم تخرج بعيداً عن أدوار المراهقة الدَّلوعة، إلا أنها فى دور (لينا جمال)، كانت تُطل علينا بشكل جديد وطعم مُختلف، صعدت به درجة على السلم.. والفنانة الشابة ناهد السباعي خريجة معهد السينما، أضافت لما درسته بعض ما تربت عليه فى بيت الفن، فهى ابنة المنتجة ناهد فريد شوقي، والمخرج مدحت السباعي، وحفيدة الفنان الراحل فريد شوقي، والفنانة الراحلة هدى سلطان، وخالتها رانيا فريد شوقى، فثبتت أقدامها فى نوعية الدور الذى جسدت فيه شخصية (قمر) الشريرة زعيمة العصابة، فى دور مُمَيَز.. واستوقفنى الفنان السورى باسل خياط، فى دور ضابط المباحث (خالد حسنى) الزوج والأب والشرطى الشاطر، الذى باع ضميره، وارتكب الجرائم لصالح الكَبار. وأظهر امتلاكه قدرات أعانته على إتقان دوره، الذى أظهر فيه الصراع الداخلى داخل الانسان الضابط الكُفء والمُنحرف فى ذات الوقت، وأيضًا داخله كزوج ومُطلق وأب.. وفاجاءتنى غادة عادل فى دور الأم والمُطلقة المُحامية (نُهى رشاد)، التى تواجه الفاسدين ومنهم طليقها، وتكشف فضائحهم، لإيمانها بالحق. وتظهر المحاماة في صورتها الحقيقية، بعيدًا عن مجرد الدفاع عن المتهم، بل البحث الدؤوب عن الحقيقة للوصول إلي العدل.. وجسدت غادة هذا الدور الجديد بمهارة وبراعة واقتدار وبساطة وتلقائية، ظهرت فى أدائها الدرامى وثباتها على «الاستايل»، فى اللبس، والملامح، والحوار.. وتولدت لدىَّ قناعةٌ، أنَّ دورها لم يكن لغيرها أن تؤديه بهذه البراعة والشياكة، وكأنَ المؤلف قد كتبه لها خصيصًا. وإذا كان لى أنْ أنسب هذا العمل لأحد، فإنَّ «ميزان» غادة عادل قد أحدث التوازن، بين دراما رمضان التليفزيونية، لإرضاء كل الأذواق من المشاهدين هذا العام. وبعيدًا عن تزاحم الأحداث، فهو مسلسل اجتماعى بوليسى واقعى جاد، اكتملت فيه إلى حد كبير معظم مقومات نجاحه.