فى كل عام مع شهر رمضان، تعود المشروبات الشعبية إلى الساحة وتتراجع شعبية المشروبات الغازية، فالشهر الكريم ارتبطت به عصائر العرقسوس والسوبيا والتمر الهندى.. وتعد مهنة بائع السوبيا من المهن التى ارتبطت بالتراث المصرى القديم ولكنها لم تندثر مثل الكثير من المهن الشعبية.. وقاومت الكثير من المشاكل. فى كل صباح يحمل عبدالفتاح نور 52 عاما القدر على صدره ويرسم على وجهه ابتسامة عريضة على شفتيه ليجول شوارع القاهرة على قدميه، وينادى بصوت عال لا تشغله حرارة الصيف ولا زحام السيارات. منذ أكثر من 35 عاما بدأ تلك المهنة التى ورثها عن والده الذى كان بائعًا للعرقسوس، لا يعرف عم عبدالفتاح إلى أين ستأخذه قدماه، ولكن البحث عن زبون هو غايته، يسير لمسافات طويلة، يعرفه الصغير قبل الكبير بشبرا الخيمة، لا يخفى فرحته كلما تناقص مشروب السوبيا فى القدر الذى يحمله، فهذا يعنى أنه سيعود آخر النهار بالطعام لأطفاله الثلاثة، فهو يعول ثلاث بنات. كيس السوبيا الصغير بجينه والكبير 2 جنيه.. هذه أسعار عم عبدالفتاح فى رمضان فمكسبه اليوم 50 جنيهًا يوميا، لا تكفى لشراء اللحوم والدواجن التى ارتفعت أسعارها بصورة جنونية، يقول «مصاريف الأكل الشرب لوحدها يادوب تكفى اليومية أول يوم رمضان الفطار فرخة واحدة وباقى الشهر عدس وفول، والبنات منهم واحدة تنتظر الزواج، والباقى يدرسن، ولاد الحلال مش ناسينى بالمساعدة عندما أمرض، مليش معاش ولا تأمين، لو توفانى الله البنات دول ملهمش غير ربنا». ويكمل عبدالفتاح «حال البلد أحسن كتير عن الأول، والرئيس شغال والخير معاه جى كتير، وأتمنى ألا ينسى الفقراء والمحتاجين مع موجة الأسعار المرتفعة، محتاجين عطف المسئولين فى تأمين ومعاش يحمينا». يقول عبدالفتاح: حينما كنت صغيرًا كنت مسئولًا عن مهمة شراء العرقسوس والخروب والسوبيا من العطارين ويقوم أبى بخلطها بالماء بمقادير معينة، وبعدها نضع الثلج لترطيب المشروب، ورمضان فى الصيف موسم كبير للبائعين. «قبل المغرب الرزق كتير» بهذه الكلمات وصف عبدالفتاح حاله فى الساعة الأخيرة قبل أذان المغرب، فالمارة يسرعون فى الطريق وأصحاب السيارات الفارهة أيضا للحصول على كيس من السوبيا ويكمل «المستعجل ومتأخر على الفطار بياخد السوبيا يفطر بها فى الطريق». وعن حاله يقول «أهل الخير كتير، فى موائد الرحمن ممكن أفطر، والناس فى المنطقة يعرفوننى جيدا بعض المنازل ترسل الأطفال ببعض الأطعمة لأتناول الافطار ويا بخت اللى يفطر صائم». رغم أن عم نور مريض بالضغط والسكر فهذا لم يمنعه من أن يتذوق مشروب السوبيا قبل الفجر عدة مرات ليحسن مذاقه.