«الوفاء» المغربية تستحوذ على «الدلتا للتأمين» بقيمة 4.9 مليار جنيه    تحذير.. توقف مؤقت لخدمات إنستاباي وبعض البنوك في مصر بسبب بدء العمل بالتوقيت الشتوي    السيسي يبحث سبل تسهيل وزيادة الاستثمارات الكويتية فى مصر    وكالة الأنباء اللبنانية: غارة إسرائيلية على منطقة "اللبونة" في الناقورة جنوبي لبنان    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    بينيا يقارن بين سارابيا وفليك: أكثر صرامة في بناء الهجمة    افتتاح معرض فني بجامعة الإسكندرية لإعادة إحياء المسرح الروماني بكوم الدكة    14 % تراجعا لمشتريات المصريين من الذهب خلال الربع الثالث من العام الجاري    المشاط: محفظة التعاون الإنمائي لبنك التنمية الأفريقي مع مصر ارتفعت إلى 7.79 مليار دولار    بدء اجتماع خارجية النواب لمناقشة تعديل قانون فرض رسوم لمبانى وزارة الخارجية بالخارج    محافظ سوهاج يوقف معدية غير مرخصة بالبلينا بعد تداول فيديو لطلاب يستخدمونها    السفير الفرنسي يتفقد مركز المساعدات اللوجستية في العريش المخصصة لإغاثة غزة    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    محافظ أسيوط يكرم أسر الشهداء وقدامى المحاربين في يوم الوفاء (صور)    جوارديولا: أنا سعيد من أجل مرموش    تأجيل النطق بالحكم في قضية رمضان صبحي إلى 27 نوفمبر    مجلس الزمالك يصرف دفعة من مستحقات الجهاز الفني    ضبط سيدة تدير نادٍ صحي دون ترخيص لممارسة الأعمال المنافية للآداب بالجيزة    الداخلية تضبط 331 قضية مخدرات و128 قطعة سلاح ناري    رئيس الإدارة المركزية لشئون الامتحانات ووكيل تعليم القاهرة يتفقدان مدارس المستقبل    ضبط 100533 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    إصابة 5 اشخاص إثر انقلاب ملاكي في قنا    المشدد 18 عامًا لسائق و3 عاملين بحوزتهم أسلحة نارية وذخائر بالقليوبية    انخفاض الأربو، أسعار الكتاكيت والبط اليوم الخميس في بورصة الدواجن    قصة ولادة المتحف المصري الكبير من الحلم إلى الواقع    موعد ومكان جنازة المصور ماجد هلال المتوفى في حادث بورسعيد    بيان روزاليوسف لن أعمل إلا للأمة !    يوم برج العقرب.. الزمن يعيد نفسه من الملك مينا إلى المتحف الكبير    «التأمين الصحي الشامل» تسجل إنجازات طبية وإنسانية جديدة خلال أكتوبر في الإسماعيلية وبورسعيد والسويس    «الصحة» تعلن إنجازات تنفيذ التوصية التنمية البشرية قبيل انطلاق مؤتمر«PHDC'25»    «الصحة»: خطة طبية متكاملة لتأمين احتفالية المتحف المصري الكبير    الضفة.. مستوطنون إسرائيليون يحرقون مركبتين فلسطينيتين    المستشار الألماني: نرغب بتوسيع شراكتنا الوثيقة مع تركيا    محافظ الجيزة يتابع أعمال التجميل والإنارة بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    الزمالك في اختبار مهم أمام البنك الأهلي لاستعادة التوازن في الدوري المصري    محمد سلام والمخرج حسام حامد والمؤلف أحمد عاطف من كواليس مسلسل كارثة طبيعية    محافظ الغربية يستقبل مفتي الجمهورية لبحث سبل التعاون المشترك    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    منتخب مصر يواجه إسبانيا في نصف نهائي بطولة العالم لكرة اليد «ناشئين»    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة لتعذر حضورها من محبسها    طريقة عمل طاجن البطاطس بالدجاج| وصفة شهية تجمع الدفء والنكهة الشرقية    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    الصحة تكشف الخطة الطبية لتأمين احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    السيسى يوافق على اتفاق تمويل دراسة جدوى امتداد الخط الأول لمترو القاهرة    الصحة النفسية والجسدية: علاقة لا يمكن فصلها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    ماس كهرباء وراء اندلاع حريق بمحل مفروشات في النزهة    السجن المشدد وغرامة 10 ملايين جنيه عقوبة بيع الآثار خارج مصر    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    إلزام صاحب العمل بإنشاء حضانة أو تحمل تكاليفها.. أهم مكتسبات المرأة العاملة بالقانون الجديد    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 30اكتوبر 2025فى محافظة المنيا...تعرف عليها بدقه.    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    ترامب: كوريا الجنوبية ستدفع 350 مليار دولار مقابل خفض الرسوم الجمركية    بايرن ميونخ يهزم كولن في كأس ألمانيا ويحطم رقم ميلان القياسي    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر تغتال البحث العلمى
نشر في الوفد يوم 26 - 05 - 2016

فضوها سيرة.. ولا تكذبوا وتزعموا أن فى مصر علماء وبحثاً علمياً ومراكز بحوث.
نعم، عندنا مبان فخمة فخيمة، عليها لافتات ضخمة متضخمة تقول هنا مراكز أبحاث كذا أو معهد كذا للأبحاث.. ونعم لدينا 125 ألف مصرى يحملون لقب �باحث�.. و387 مركزاً ووحدة بحث.. مئات الآلاف من الأبحاث التى تتم سنوياً وتوضع فوق أرفف �الإهمال�.
ولدينا حكومة تعزف صباح مساء أنشودة حب فى البحث العلمى والعلماء.. ودستور ينص صراحة على أن تكون مخصصات البحث العلمى فى مصر 1% من الناتج المحلى.. ومبنى كبير فى قلب القاهرة اسمه أكاديمية البحث العلمى.
نعم، لدينا كل ذلك ولكن ليس لدينا بحث علمى بالمعنى الحقيقى، وإنما لدينا مراكز ليس لأبحاثها أثر أو وجود.. ولدينا أشخاص �يمثلون� علينا أنهم علماء، ولكن المسافة بينهم وبين العلماء الحقيقيين مثل المسافة بين �عطارد� و�بلوتو�.. ولدينا أوراق تحمل اسم ��بحث علمى� ولكنها فى النهاية تباع لتجار الروبابيكيا بالكيلوجرام، والكيلو منها يباع ب75 قرشاً، أو بجنيه إذا كانت أوراقه بيضاء نظيفة!.. أى أن سعر كيلو الباذنجان يزيد على سعر 4 كيلوجرامات من البحث العلمى فى مصر.. تخيلوا؟!

مخصصات البحث لا تتجاوز 3 جنيهات
125 ألف باحث و387 مركزاً علمياً.. والمستفيد الأول بائع �الروبابيكيا�

البحث العلمى عند الحكومة مثل تذكرة سينما صيفى فى ليلة شتاء.. ومثل هذه التذكرة لا يمكن أن تدفع فيها مليمًا إلا مكرهًا، وعندما تدفع هذا المليم تظل العام كله تتباهى وتتفاخر، أمام صاحب السينما أنك ضحيت من أجله حتى لا يغلق السينما فى ليالى الشتاء.
وهذا بالضبط ما تفعله الحكومة مع البحث العلمى والعلماء.. فهى لا تدفع لهم إلا مما يتبقى من فتات ميزانية الدولة، ففى عرف الحكومة �اللى يعوزه الدعم والمرتبات والمشتريات وأقساط الديون يحرم على البحث العلمى�.
صحيح أن الإنفاق على البحث العلمى ارتفع فى مصر بعد ثورة يناير.. فبعد أن كانت مخصصاته تعادل 0.34% من الدخل القومى عام 2011، ارتفعت عام 2012 إلى 0٫54% من الدخل القومي، وواصلت الارتفاع إلى 0٫68% عام 2013، وإلى 0٫71% عام 2014، وحوالى 0٫8% عام 2015، وتقول الحكومة إنها ستصل إلى 1% فى موازنة 2017.
وعندما تقول الحكومة إن مخصصات البحث العلمى ستصل إلى 1% فى موازنة الدولة، فأرجوك لا تصدقها.. لماذا؟ لأن حكومات مصر طوال السنوات الخمس الماضية تعلن عند إعداد الموازنة عن رقم للبحث العلمي، وفى نهاية العام نجد رقمًا أقل منه بكثير.
حكومة هشام قنديل قالت إنها ستخصص للبحث العلمى 919 مليون جنيه فى موازنة (2012-2013)، ولما انتهت السنة المالية، اكتشفنا أن الحكومة لم تخصص سوى 765.5 مليون جنيه فقط للبحث العلمي!.. أى حوالى 83% فقط مما وعدت به وهى تعد الموازنة!
نفس الأمر تكرر مع حكومة حازم الببلاوى التى أعلنت أنها ستخصص مليارًا و590 مليون جنيه للبحث العلمى فى موازنة (2013-2014) فلما انقضى العام وجدنا المخصصات 723,3 مليون جنيه فقط.. أى حوالى 45% فقط مما تعهدت به وقت إعداد الموازنة.
نفس الحال كان حاضرًا مع حكومة إبراهيم محلب، التى أعلنت وقت إعداد موازنة (2014- 2015) أنها ستخصص مليارًا و872 مليون جنيه للبحث العلمي، وفى نهاية العام لم يكن ما خصصته بالفعل سوى 951.9 مليون جنيه فقط.. أى حوالى 51% مما أعلنته وقت إعداد الموازنة.
وأثناء الإعداد للموازنة الحالية للدولة التى ستنتهى بعد أسابيع قليلة قالت الحكومة إنها ستخصص 2 مليار و200 مليون جنيه للبحث العلمي، ولكن الحقيقة أن ما خصصته بالفعل لن يتجاوز مليارًا و300 مليون جنيه.. بنسبة 59% مما تعهدت به.
وفى هذه الأيام تقول حكومة شريف إسماعيل إنها ستخصص 1% من الناتج المحلى للبحث العلمي، أى حوالى 3 مليارات و200 ألف جنيه.. والمرجح أنها ستسير على نفس سيناريو الحكومات السابقة ولن تتجاوز ما تخصصه بالفعل للبحث العلمى عن مليار و500 مليون جنيه على أحسن تقدير.
وعدم التزام الحكومات المتعاقبة بتعهداتها فى مخصصات البحث العلمي، ليس له إلا معنى واحد، وهو أنها جميعاً، تعتبره �كمالة عدد� ورفاهية لا لزوم لها، ولهذا تتعامل معه بذات المبدأ الذى يتبعه رب أسرة عندما تضيق أحواله المالية فيقرر على الفور تقليل عدد رحلاته، ومرات ذهابه إلى السينما.. وهكذا تتعامل الحكومة مع البحث العلمى وكأنه رحلة أو تذكرة سينما، يمكن التخلى عنها فى وقت الأزمات المالية.. وحكومة بهذا المنطق لا تعرف قيمة البحث العلمى.
وتكتمل صورة الإنفاق على البحث العلمي، إذا علمنا أن مخصصات البحث العلمى توزع بين 3 بنود.. الأول هو بند الأجور ويلتهم وحده حوالى 75% من تلك المخصصات، والبند الثانى هو المصروفات الإدارية يخصص لها فى الغالب 15% من إجمالى المخصصات، وهكذا لا يبقى للبحث العلمى سوى حوالى 10% من المخصصات للأبحاث.. ومعنى ذلك أن ما تم إنفاقه على البحث العلمى عام 2015 بلغ حوالى 130 مليون جنيه.. وإذا علمنا أن مصر بها حوالى 125 ألف عالم وباحث فمعنى ذلك أن متوسط مخصصات البحث لكل منهم يبلغ 1040 جنيهًا فى العام أى حوالى 285 قرشًا كل يوم، وهو مبلغ يوازى ثمن نصف كيلو باذنجان المرتفع سعره الآن وسط موجة الغلاء التى تسود مصر والتى ارتفعت فيها كافة أسعار السلع والخدمات وانخفضت فيها قيمة الإنسان والعلم والإبداع.

33 مستشارًا و42 موظفًا.. تحولوا من رسم السياسات إلى إلقاء المحاضرات
المجالس القومية المتخصصة.. احترقت ولم تعد

عندما أنشئت المجالس القومية المتخصصة بموجب المادة 164 من دستور 1972 كان الهدف منها هو المشاركة في رسم السياسة العامة للدولة، والمواجهة العلمية والعملية لمشاكل المجتمع فى كافة المجالات، ووضع الرؤى والحلول الدائمة وصياغة أساليب تحقيقها.. وكانت الدراسات الصادرة عن المجالس تصل إلى رئيس الدولة ذاته.
�ولكن هذا الدور تراجع في زمن مبارك فصارت المجالس أجهزة استشارية للسلطة التنفيذية والتشريعية.
وطالت نار ثورة يناير مبني الحزب الوطني المجاور لميدان التحرير، فطالت النيران مقر المجالس القومية، ولشهور طويلة اختفى ذكر هذه المجالس، وعندما صدر الدستور في زمن الإخوان خلا تمامًا من ذكر المجالس، ثم جاء دستور 2014 لينص في المادة 214 على أن يحدد القانون المجالس القومية المتخصصة المستقلة، على أن تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، ويُؤخذ رأيها في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بها، وبمجال أعمالها..
وأخيرًا استقرت المجالس القومية في مبنى الحزب الوطني الرئيسي في روكسي بمصر الجديدة وتم تغيير اسمها لتصبح المجالس التخصصية، كما تم إعادة هيكلتها لتضم داخلها 3 أقسام رئيسية.. مجلس للتعليم، ومجلس تنمية مجتمع، ومجلس تنمية اقتصادية.. الأول يضم 11 مستشارًا علميًا والثاني به 15 مستشارًا، والثالث يضم 7 مستشارين.. ويساعدهم 42 موظفًا.
ومنذ 2014 توقفت المجالس عن إصدار الدراسات، وتولت متابعة 3 مشروعات قومية وهي مشروع تأهيل الشباب للقيادة، ومشروع بنك المعرفة، ومشروع زراعة المليون ونصف مليون فدان.
ويجتمع مستشارو المجالس مرة كل أسبوع.. واقتصر دورهم على تنظيم محاضرات، ومتابعة المشروعات القائمة.. ولم تعد تصدر دراسات من أي نوع، وهو ما أسعد مستشارى المجالس، الذين يرددون في كل اجتماعاتهم أن تنظيم محاضرات ومتابعة العمل الميداني أفضل كثيرًا من عمل دراسات لا يتم تنفيذها.
وبالمناسبة لا يزال المجالس تحتفظ بعشرات الآلاف من الدراسات التي أجرتها منذ 1974 حتى 2014، ولكن أحدًا من المسئولين لم يسأل عنها ولم يطلبها أبدًا.. أبدًا.

بالورقة والقلم.. 67 قرشًا إنتاجية كل عالم.. يوميًا

عندما تبحث فى عائدات البحث العلمى فى مصر، تشعر وكأنك تطارد خيط دخان.. تراه ولا تلمسه.. وفى النهاية إما أن �يكتم نفسك� أو �يخنقك� أو يجرى دموعك أنهارًا..
على الورق تضم مصر جيشًا جرارًا من العلماء و�الدكاترة� والباحثين.. يضم حوالى 125 ألف عالم وباحث..
وعلى الورق أيضًا.. فى مصر كم هائل من المراكز العلمية البحثية منها 14 مركزاً تابعًا لوزارة البحث العلمى، المنضمة حاليًا لحقيبة وزير التعليم العالى.. وهناك أيضا 219 مركز بحث ودراسات بالوزارات المختلفة و114 مركز أبحاث تابعًا للجامعات، وما يقرب من 40 مركزاً بحثياً تابعاً لجمعيات أهلية أو أفراد.. إذن فى مصر حوالى 387 مركزًا ووحدة بحث.. والمفاجأة أن حصيلة جيوش العلماء وكل هذه المراكز البحثية تقدر بالقروش!
ففى عام 2012 لم يحقق علماء مصر وباحثيها سوى 15 مليونًا و500 ألف جنيه و14 مليون و600� ألف جنيه فقط فى 2013 من عائدات بيع أبحاثهم للشركات العامة والخاصة ارتفعت إلى 29 مليونًا و300 ألف جنيه عام 2014، و30 مليونًا و500 ألف جنيه عام 2015.
وبقسمة هذا المبلغ على عدد العلماء والباحثين فى مصر، سنكتشف أن متوسط ما يحققه كل عالم وباحث فى مصر سنويًا� بلغ 124 جنيهًا عام 2012، انخفض إلى 116,8 جنيهًا عام 2013، لكنه ارتفع إلى 234,4 جنيهًا عام 2014، و244 جنيهًا عام 2015.. أى أن متوسط إنتاجية - إذا جاز التعبير - العالم والباحث فى مصر بلغت 67 قرشًا فى اليوم خلال العام الأخير!
ولو طبقنا القاعدة الذهبية للبحث العلمى على إيرادات البحث العلمى فى مصر، سنكتشف أن مصر ليس فيها بحث علمى بالمعنى المتعارف عليه.. القاعدة الذهبية تقول إن كل دولار يتم إنفاقه على البحث العلمى الحقيقى يحقق عائدًا قدره 5 دولارات، بينما فى مصر لا نجد لهذه القاعدة وجودًا، بينما هى موجودة فى كل الدول التى تشهد بحثًا علميًا حقيقيًا.. حتى فى إسرائيل.. تل أبيب أنفقت على البحث العلمى فى العام الأخير 19 مليار دولار، فحقق لها عائدًا بلغ 59 مليار دولار أى ما يوازى 590 مليار جنيه مصرى، وهو ما يقارب ثلث ميزانية مصر والمفاجأة أن عدد علماء إسرائيل الذين يحققون كل هذه العائدات أقل من عدد علماء مصر، ففى تل أبيب 120 ألف باحث وعالم فقط منهم أكثر من 80 ألف عالم وباحث عربى!

300 جنيه ثمن البحث فى جامعة القاهرة

جامعة القاهرة.. أعرق جامعات أفريقيا والشرق الأوسط.. تضم 151 وحدة ومركزاً بحثياً.. إجمالى ميزانيتها السنوية 30 مليون جنيه.. وتقترب الأبحاث التى تصدرها من 100 ألف بحث سنوياً.. أى أن تكلفة كل بحث 300 جنيه.. أما نسبة تنفيذ هذه الأبحاث فلا تتجاوز 2%، أما ال 9% منها فتوضع فى مثواها الأخير.. الأدراج!!
وتضم هيئة التدريس فى جامعة القاهرة 7404 أساتذة ومدرسين ومعيدين.. والمتعارف عليه أن جميع أعضاء هيئات التدريس فى الجامعات يعتبرون باحثين.. وبحسبة بسيطة سنجد أن متوسط مخصصات البحث لكل عضو هيئة تدريس بالجامعة يبلغ 4 آلاف و51 جنيهاً.

يصدر 10 دراسات استراتيجية سنويًا.. وقيادى بالمعهد: 95% منها لا ترى النور
معهد التخطيط.. �مابيخططش�!

56 عامًا هى عمر معهد التخطيط القومى، الذى أنشئ فى مطلع الستينات كمؤسسة عامة لها شخصية اعتبارية مستقلة.. والدور المحدد للمعهد منذ يومه الأول هو النهوض بالبحوث والدراسات التنموية والتخطيطية المتصلة بإعداد الخطط القومية ووسائل تنفيذها ودراسة الأسس والأساليب العلمية والفنية والاقتصادية والاجتماعية للتخطيط القومى والعمل على تطبيقها بقصد تحقيق الأهداف القومية.
ومن أجل تحقيق كل هذا يجري المجلس البحوث والدراسات فى كافة المجالات التى تخدم عملية التخطيط والتنمية، من المفترض أن يتولى إعداد الكوادر التخطيطية بتنظيم البرامج التدريبية ذات العلاقة بالتخطيط والتنمية ومنح الشهادات والدبلومات المتخصصة ذات الصلة، وإيفاد بعثات ومهمات علمية، داخلية وخارجية، وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين والقرارات الخاصة بقضايا التنمية والتخطيط
وكل عام يجرى المعهد 10 دراسات استراتيجية كل منها يختص بقطاع اقتصادى أو اجتماعى أو سياسى.. بخلاف العشرات من الدراسات الأخرى.. ويتولى المعهد إرسال كل هذه الدراسات للوزارات ذات الصلة.. وحسب مصدر قيادى بالمعهد فإن الدراسات ترسل للوزارات باسم الوزير نفسه، ويتم تسليمها بشكل رسمى فى مكتب كل وزير وفى النهاية، لا نجد انعكاسًا لهذه الدراسات فى قرارات المسئولين أو فى السياسات إلا فيما ندر.
سألت المصدر: وبصراحة.. ما نسبة استفادة الحكومة من الدراسات التى يصدرها معهد التخطيط؟
- فقال: للأسف.. لا تزيد على 5%.

بأمر الأمن الوطنى: العلماء ممنوعون من الكلام

لم تكن الأرقام المفزعة للأبحاث المحكوم عليها بالإعدام فور صدورها، هى أخطر ما قابلنى وأنا أبحث فى ملف البحث العلمى فى مصر، ولا كان تدنى مخصصات هذا القطاع الاستراتيجى هى الأخطر.
�فالأخطر من ذلك كله، هو أننى لمست حالة خوف غريبة تنتاب أغلب من قابلتهم فى مراكز أبحاث مختلفة.. كانوا خائفين من الكلام عن أى شىء.. عندما كنت أسأل عن عدد الأبحاث التى يتم تطبيقها، بعضهم أجاب:
�معملناش رصد.. ده شىء مفكرناش نحصره.. وبعضهم قال: النسبة قليلة جداً ولكن نسبتها كام.. منعرفش على وجه الدقة.. وفريق ثالث قال: �أعطنا فرصة ونرد عليك بشكل دقيق�.. وطبعا لم يرد علىّ أحد بعد ذلك.
أما الإجابة الصادمة، فكانت من مسئول بمركز الدراسات الاجتماعية والجنائية - نحتفظ باسمه - الذى قال: لن يجيبك أحد عن أسئلتك، لأن هناك تعليمات من الأمن الوطنى وصلت لمراكز البحوث قبل أيام مفادها: �لا تعطوا بيانات عن أى شىء فى مراكز البحوث إلا بعد الحصول على موافقات رسمية�
سألت المصدر: ما المقصود بالموافقات الرسمية؟
فقال المصدر: يعنى ممنوع الكلام!

أسقط �ورقة التوت� ب30 ألف بحث علمى و1500 براءة اختراع
مؤسس �بنك الأفكار�: إنهم يكرهون العلم والعلماء

فى الشرقية دليل -من لحم ودم- على أن مصر ليست بلد علماء ولا بحث علمى.. الدليل شاب فى بداية الأربعينات اسمه �خالد زنون�..
�زنون� أحب مصر إلى أقصى مدى، وآمن بأن نهضتها لن تتم إلا بعقول علمائها.. تملكه حب الوطن والبحث العلمى، فقرر عام 2009 أن يخطو خطوة إيجابية فى خدمة وطنه.. باع كل ما ورثه عن أسرته، وكانت الحصيلة 200 ألف جنيه.. وبهذا المبلغ أسس جمعية بنك الأفكار.. ودعا كل الباحثين والمبتكرين إلى الانضمام إليه.
كان يتصور أن تجميع الأفكار وتقديمها للحكومة سيهديها سبيل الرشاد وسينير لها طرق النهضة التى يجب أن تسير فيه.
ولم يكذب الباحثون خبراً، واصطفوا معه لتحقيق هذا الحلم.. ووصل عدد الأبحاث العلمية التى قدمها العلماء والباحثون إلى 30 ألف بحث علمى، غطت كل مجالات الحياة فى مصر.
وحصل أعضاء الجمعية من العلماء والباحثين على 1500 براءة اختراع.
وكل هذه الأبحاث العلمية وبراءات الاختراع عرضها �زنون� على الوزارات والمسئولين.. عرضها على وزارة البحث العلمى (عندما كانت وزارة) وعرضها على وزارة البحث العلمى وعلى الصندوق الاجتماعى للتنمية.. عرضها حتى على محافظ الشرقية.. وكان الرد هو صمت بلا آخر.
وبعد محاولات مستمرة لم تتمكن جمعية بنك الأفكار سوى من تنفيذ 7 أبحاث فقط، من بين 30 ألف بحث علمى مسجلة داخلها.. والمفاجأة أن الأبحاث السبعة تولت تنفيذها جامعة الزقازيق التابعة لوزارة التعليم العالى.
سألت المخترع خالد زنون عن انطباعاته بعد 7 سنوات من طوافه، عارضاً أفكار وأبحاث وبراءات اختراع على المسئولين.. فابتسم قائلاً: ببساطة جداً.. إنهم يكرهون العلم والعلماء
وتابع: مصر ليست بلد شهادات.

7528 عالماً فى الأكاديمية.. والمحصلة 100 مشروع

أكاديمية البحث العلمى.. هى البيت الكبير والمقر الرسمى للبحوث فى مصر ويبلغ عدد المراكز التابعة لها 14 مركزاً، وتضم 7528 باحثاً منهم 3711 باحثة.
وإذا سألت ماذا يقدم هذا الجيش من الباحثين والعلماء، فستجد مفاجأة فى انتظارك.. حصيلة عمل كل هؤلاء فى العام 1055 عملاً، موزعة بين 250 �نشر علمى� �23٪� و300 �إشراف على الرسائل العلمية� �28٪� و300 مشاركة فى المجلات العلمية �28٪� و25 تحكيم �2٪� و25 عضوية لجان �2٪� و20 مشاركة فى الجمعيات العلمية �1.8٪� فى حين أن المشروعات البحثية كان عددها 100 مشروع بحثى فقط بنسبة 9.4٪.

36٪ تتلقى تمويلات خارجية

وسط أكوام الدراسات التى ترصد واقع البحث العلمى فى مصر، لا بد أن تستوقفك دراسة الدكتور عزت حجازى التى تحمل عنوان �مؤسسات وأجهزة البحث الاجتماعى فى مصر�.. صحيح أن الدراسة قديمة وتعود لعدة سنوات مضت، ولكنها رصدت قضية فى غاية الخطورة وهى مراكز البحوث الأجنبية التى تعمل فى مصر.. ومنذ صدور تلك الدراسة وحتى كتابة هذه السطور لم ينف أحد ما رصدته..
تقول الدراسة إن حوالى 12% من مراكز البحث فى مصر تتبع دولاً أجنبية بعضها أمريكى وفرنسى وألمانى وإسرائيلى.
وواصلت الدراسة: �حين لا تستطيع أجهزة البحث التابعة لدول أجنبية أن تعمل بصورة طبيعية، فإنها تحاول أن تحقق أغراضها عن طريق بعض أجهزة البحث المصرية والعربية�.
وواصلت الدراسة مفاجأتها لتؤكد أن 36٫8% من أجهزة البحث العاملة فى مصر تتلقى تمويلات من أفراد ومنظمات ومؤسسات خارجية غير حكومية.

القومى للبحوث: 1750 دراسة.. والتنفيذ 26 فقط

المركز القومى للبحوث.. أحد أكبر المؤسسات العلمية متعددة التخصصات فى أفريقيا والشرق الأوسط.. ويضم جيشًا من العلماء والباحثين، عددهم يقترب من 5500 عالم وباحث، يساعدهم حوالى 2900 موظف وعامل.
المركز يحوى معامل بحثية متطورة بدرجة مقبولة ويتكون من 14 شعبة بحثية تشمل 111 قسمًا بحثياً متخصصاً، تغطى مجالات الصناعة والصحة والبيئة والزراعة والعلوم الأساسية والهندسة.
ميزانية هذا الصرح البحثى حوالى 75 مليون جنيه، فى العام الأخير، منها حوالى 45 مليون جنيه رواتب، وحوالى 10 ملايين جنيه مصروفات إدارية، منها استهلاكات كهرباء ومياه، وتجهيزات معملية وإدارية، ولا يتبقى للبحث العلمى سوى حوالى 10 ملايين جنيه، وبحسبة بسيطة سنكتشف أن متوسط مخصصات البحث العلمى لكل باحث فى أكبر المراكز البحثية فى مصر يبلغ حوالى 1800 جنيه سنويًا، أى حوالى 5 جنيهات يوميًا.
ويصدر عن المركز سنويًا ما بين 1500 بحث إلى 2000 بحث علمى، والمفاجأة أن ما يتم تنفيذه منها لا يتجاوز 30 بحثًا علميًا فقط بنسبة تقل عن 0.2%.. ولا تتجاوز عائدات المركز من بيع أبحاثه 10 ملايين جنيه� فى العام الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.