منذ إعلان المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع، عن أموال رجل الأعمال الهارب حسين سالم، والشارع المصري في حيرة من أمره، ولا يكف عن طرح الأسئلة فيما يتعلق بخروج تلك الأموال وتزداد الحيرة وتتسع مساحات التساؤلات عندما يعرف المصريون أن هناك قيادة داخل وزارة العدل وتحديداً في مصلحة الشهر العقاري تقف لحماية الفاسدين من رموز النظام البائد، ويحاول وزير العدل المستشار محمد عبدالعزيز الجندي معرفة «هوية تلك القيادة» التي تقف وراء تعطيل قرارات النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وهي تلك القرارات الخاصة بمنع عدد من رموز النظام السابق من التصرف في أموالهم وزوجاتهم، وأموال القُصر، فقد أصدر النائب العام في مارس الماضي عدة قرارات بمنع مبارك وزوجته من التصرف في أموالهما، وأخطر النائب العام جهاز الكسب غير المشروع الذي أبلغ مساعد وزير العدل للشهر العقاري بضرورة تعميم الإخطار علي مكاتب الشهر العقاري علي مستوي الجمهورية بمنع مبارك وزوجته من التصرف في العقارات، وهذا لم يحدث في وقت صدور قرار المنع، بل صدر بعد ذلك ب 60 يوماً كاملة، وقتها كان وزير العدل هو المستشار ممدوح مرعي الذي رفض أحمد شفيق الإطاحة به عقب تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لأحمد نظيف ويتكرر نفس السيناريو ويصدر النائب العام في مايو الماضي قراراً بمنع حسين سالم من التصرف في ممتلكاته - العقارية - والسائلة وكان ذلك في مايو الماضي، وتم إخطار مصلحة الشهر العقاري بوزارة العدل، لكن المفاجأة التي كشفت عنها إشارة تليفونية صادرة من مصلحة الشهر العقاري في الأول من سبتمبر تمنع سالم وأسرته من التصرف في أموالهم، جاءت الإشارة متأخرة لمدة ثلاثة أشهر، استطاع خلالها سالم من عمل توكيلات لآخرين، بالتصرف في ممتلكاته العقارية بالبيع، وحسب قوانين الشهر العقاري، يجوز للشخص المتهم علي ذمة قضايا أى يحق له التصرف في الأموال والممتلكات عن طريق البيع بنفسه، أو توكيلات لآخرين إذا كان داخل الحبس، وذلك ما لم يتم إخطار الشهر العقاري بأمر المنع. ومازال هناك داخل وزارة العدل من يقوم بالتستر علي أموال وممتلكات رموز النظام الفاسد، حتي بعد خروج المستشار محمدحسني رئيس مصلحة الشهر العقاري سابقاً والذي تمت مكافأته بمنصب محافظ الشرقية لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.. نفوذ حسين سالم امتد إلي ما بعد الثورة فقبل ساعات من تنحي مبارك اتجهت طائرة خاصة من مطار القاهرة إلي إسبانيا وعلي متنها 29 حقيبة معبأة بالبنكنوت، وفور علم جهات سيادية مصرية بذلك قامت بإخطار سلطات مطار مدريد والحكومة الإسبانية بعدم الإفراج عن هذه الحقائب أو خروجها من المطار، واستجابت السلطات الأسبانية لطلبي الجهة السيادية، وسافر وفد رفيع المستوي إلي مدريد لإعادة تلك الأموال التي قدرت ب 3 مليارات جنيه وعاد الوفد علي طائرة الخطوط الإسبانية ومعه الحقائب المهربة، وكان في استقبال هذه الأموال شخصيات نافذة، ومندوبون من بعض الجهات السيادية، فتم «تشميع» الحقائب وإرسالها إلي البنك المركزي، وتم ذلك في تكتم شديد. وهناك طرق استخدمها حسين سالم ومبارك ورموز نظامه يكشف عنها الدكتور صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية حيث أكد قائلاً: تهريب الأموال من مصر، تم علي ثلاث مراحل، الأولي تبدأ من يوم الثلاثاء 25 يناير وتنامت في 11 فبراير 2011 ومن يوم تنحي مبارك حيث قام جمال مبارك وفاسدوه وعلي رأسهم عاطف عبيد بتهريب 3.5 مليارات دولار في خلال 18 يوماً، عن طريق المصرف العربي الدولي الذي كان يرأسه عاطف عبيد وبعض فروع البنوك الأجنبية مثل (H.P.C) وبنك «بيروس» والبورصة المصرية عن طريق عمل شهادات الإيداع الدولية (G.P.I) وعن طريق بعض الأفراد معظمهم في السفارات الأفريقية وسفارات دول الخليج، بواسطة «الحقيبة الدبلوماسية» التي لا تخضع للتفتيش من قبل السلطات، وفي هذه الفترة كانت جميع منافذ مصر في مهب الريح وغياب الشرطة وحالة الانفلات الأمني وتم التهريب عن طريق عدة دول منها: ليبيا والسودان. ويشير جودة إلي أن المرحلة الثانية التي تم تهريب الأموال فيها تبدأ هذه المرحلة عند تنحي مبارك إلي الأول من شهر مايو التي واكبت بدء التحقيقات مع علاء وجمال مبارك فكان التهريب مازال مستمراً، ولا أدل علي ذلك من ضبط طرود حسين سالم التي كانت تحمل متعلقاته وبعض صوره الشخصية، وأكد جودة أن الأمير الوليد بن طلال كان وراء ذلك، حيث كانت هذه المتعلقات ضمن محتويات الأمير السعودي. المرحلة الثالثة التي يكشف عنها الدكتور جودة تبدأ من مايو وحتي الآن، ومازالت تستخدم شهادات الإيداع الدولية لتهريب تلك الأموال وتقدر تلك الأموال السائلة التي خرجت من مصر بعد الثررة ب 20 مليار دولار إلي 25 مليار دولار بما يوازي 200 مليار جنيه. وحول تورط بعض البنوك في ذلك قال: هناك بعض البنوك التي كانت تفتح أبوابها أيام الإجازات لمواصلة عمليات تحويل الأموال إلى الخارج وتحديدا في يومي الجمعة والسبت وبدأت في جمعة الغضب 28 يناير، ويضيف: طالبنا بتنحية جميع قيادات البنوك وعلي رأسهم فاروق العقدة محافظ البنك المركزي وقيادات أكبر ثلاثة بنوك مثل طارق عامر رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي ومحمد بركات رئيس مجلس إدارة بنك مصر، وفاروق العقدة محافظ البنك المركزي. وكذلك قيادات المصرف العربي الدولي الذي ترأسه عاطف عبيد - المحبوس حاليا - ويضيف قائلا: من المؤكد أن يتم تتبع هذه الأموال ومصادر خروجها وهذا معمول به في كل الدول ويمكن إعادتها إذا كانت هناك رغبة سياسية من النظام الحالي فمصير هذه الأموال في يد المسئولين. لم يترك حسين سالم مكانا إلا لجأ اليه لتهريب أمواله بعد تسييلها فقد رفض رشيد محمد رشيد وزير الصناعة الهارب تهريب أموال سالم عن طريق صندوق دعم الصادرات التابع لوزارته، الذي يعد أحد الوسائل لتهريب الأموال الي الخارج، ورغم أن الصندوق يحصل علي دعم من الحكومة يقدر ب5 مليارات جنيه سنويا وهو ما أدي الي خلاف بين رشيد وجمال مبارك بسبب عدم امتثال رشيد لتكليفه برئاسة الوزراء حيث خشي الوريث علي أموال العائلة وعلي مصدر مهم لتهريب الأموال. ويكشف الدكتور حمدي عبدالعظيم رئيس أكاديمية السادات سابقا أن بقاء زكريا عزمي في منصبه لمدة ثلاثة أشهر بعد الثورة كان بغرض«تستيف الأوراق» وتهريب الأموال من البنوك الي الخارج وساهم بنك «هانوفر مانوتاتشر» في تهريب الأموال إلي الخارج، وهذا البنك موجود في المنطقة الحرة ببورسعيد ولا يخضع لرقابة البنك المركزي أوأي سلطة رقابية أخري. ويضيف عبدالعظيم: استطاع حسين سالم استغلال حالة التراخي الأمني وإهمال النظام القائم في أن يقوم بتهريب أمواله من مصر الي بنوك خارجية مستخدما حسابات لأسماء حقيقية تمثل الوسيط وأيضا التهريب عن طريق الجمارك، وردا علي سؤال حول الحماية التي يستظل بهاسالم قال: وارد جداأن يكون جهاز الموساد الإسرائيلي وجهاز المخابرات الأمريكية وراء الحماية التي مكنته من تهريب أمواله الي الخارج. كما أكد عبدالعظيم أن تهريب الذهب تم أيضا عن طريق الجمارك نظرا لحالة الانفلات الأمني. وإذا كان القانون في مصر لا يضع أي قيود علي حسابات الأموال كما تقول الدكتورة سلوي العنتري فقد أكدت أنه يجوز تحويل الأموال وإيداعها ما لم تصدر تعليمات للبنوك بأمر المنع. وتعد مصر من أكثر الدول التي يتم فيها تهريب الأموال الي الخارج وحسب الدكتور محمد النجار الأستاذ بجامعة بنها فإن الأموال تم تهريبها عن طريق سندات وأسهم في البورصة بجانب شراء العقارات، ويضيف النجار: لقد ساهم البنك المركزي بطريقة غير مقصودة في مساعدة رجال الأعمال الفاسدين في تهريب أموالهم الي الخارج وذلك عندما قام المركزي بطرح الدولارات في السوق المصري من الاحتياطي النقدي وكان يهدف المركزي من ذلك تخفيض أسعار السلع الغذائية وكان حسن النية في ذلك،لكن هذا الإجراء سهل للفاسدين شراء الدولارات بكثرة للدرجة التي وصلت الي أن «الشنطة الصغيرة» تحتوي علي ملايين الدولارات ويتم تهريبها فلم يكن في حسبان البنك المركزي أن ذلك يتم استخدامه بطريقة شيطانية رهيبة. ويشير النجار قائلا: نجحت القوات المسلحة في منع رجال الأعمال من الإقلاع بطائراتهم الخاصة هرباً من البلاد لكن النظام القائم تركهم يرتبون أوراقهم ويهربون أموالهم كما يريدون بالتنسيق مع بعض أمراء الخليج، ويختتم النجار قائلا: إذ تكلم المستشار سري صيام باعتباره مسئول وحدة مكافحة غسيل الأموال بالبنك المركزي سابقا، فسوف يكشف الأساليب التي يتم اتباعها في تهريب تلك الأموال.