بحثت، ومازلت أبحث، عن حزب صريح باسم ثورة يناير.. ولكنني لا أجد.. رغم أن الأحزاب التي تولد من رحم الثورات هي الأبقي والأقوي.. والأكثر جماهيرية ودليلنا في مصر: حزب الوفد الذي ولد مع إرهاصات ثورة 19، ولنا أن نتذكر جماهيرية هذا الحزب الذي اكتسح - وحده - معظم مقاعد البرلمان في تلك الانتخابات التي جرت في يناير 1924.. وحمل هذا الحزب زعيمه الأول سعد زغلول إلي مقاعد الحكم.. ثم استمر يعطي لمصر وتعطيه الجماهير أغلبيتها في كل انتخابات من يناير 1924 إلي آخر انتخابات برلمانية جرت في ظل دستور 1923، وأعلنت نتائجها في 12 يناير 1950.. وفي كل الانتخابات النظيفة كان الوفد يحصل علي الأغلبية المطلقة التي تجعله يحكم منفردًا، وإذا كانت انتخابات 24 أعطت الوفد أكبر أغلبية في البرلمان.. حتي إن شابًا أفنديًا من الوفد من عائلة مرعي أسقط يحيي باشا إبراهيم رئيس الوزراء ووزير الداخلية الذي أجري هذه الانتخابات. ** تمامًا كما أعطت الجماهير لحزب الوفد أكبر أغلبية في آخر انتخابات نظيفة في يناير 1950 وكانت نسبة المصوتين فيها تتجاوز 65٪، نقول ذلك رغم الخروج علي الوفد الذي بدأ عام 1920 وإنشاء الخارجين لحزب الأحرار الدستوريين، ثم خروج أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي ومعهما عدد من كبار الوفديين، وأنشأوا الحزب السعدي عام 1937 أي خرجوا من الوفد ولم يخرجوا علي مبادئ سعد والوفد.. ثم الخروج الثالث عندما فصل الوفد سكرتيره العام مكرم عبيد فأنشأ حزب الكتلة. ورغم ذلك ظل الوفد هو الحزب الأكبر والأول والأكثر شعبية تلتف حوله وحول زعيمه مصطفي النحاس قلوب معظم المصريين، والدليل هو تلك الأغلبية التي قدمها الشعب للوفد ولزعيمه في انتخابات يناير 1950 وهي آخر انتخابات تجري في ظل دستور 1923.. وعندما توفي مصطفي النحاس في أغسطس 1965 خرجت الجماهير تودعه وهي تهتف: لا زعيم بعدك.. يا نحاس. ** ولأن يوليو 1952 لم تكن ثورة شعبية فإنها عجزت عن أن تقدم حزباً جماهيرياً تلتف حوله الجماهير رغم أنها التفت حول قائدها جمال عبدالناصر.. ولم تفرز لنا ثورة يوليو إلا هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي.. ولم يكن لواحد منها هذا الزخم الجماهيري الشعبي الكبير. وجاءت ثورة 25 يناير 2011 لتؤكد حيوية هذا الشعب وفتحت هذه الثورة الباب أمام ميلاد حزب شعبي كبير يعبر عن أحلام الشباب، ليصبح هو حزب الثورة، ولكن المأساة أن ثورة يناير ولدت بدون رأس.. بدون قائد يتحرك بها.. ويفكر لها، ويقرر وتكاد الفرصة تكون قد ضاعت.. ورغم ذلك - وفي محاولة لتشجيع الشباب علي خوض العمل السياسي السليم.. تقرر تخفيض سن الترشح للبرلمان أمام الشباب ونزلت الدولة بالسن من 30 عامًا إلي 25 عامًا لتفتح الباب أمام شباب الثورة ليدخلوا البرلمان.. ويقيموا أحزابًا. كما تقرر تخفيض سن من له حق التصويت إلي 18 سنة لندفع الشباب إلي المشاركة في اختيار من يحكم البلاد. ** ورغم هاتين الخطوتين الثوريتين إلا أننا لم نر حزباً سياسيًا واحدًا يمثل الثوار الحقيقيين الذين قاموا بالثورة.. ورأينا فقط تنظيمات وتكتلات وجماعات عددها وصل إلي 138 تكتلا وجماعة.. ولم نشاهد حزباً ثورياً يمثل الثورة ويعمل علي تحقيق أحلام الذين قاموا بالثورة. ويبدو أن الثوار الحقيقيين فضلوا ترك الساحة.. فقفز عليها كل من يحلم بالسلطة.. أو بالجاه.. وهكذا وجدنا عشرات الأحزاب الجديدة وراء الكثير منها العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات.. فهل ترك الثوار الحقيقيون الساحة كاملة لهذه الأحزاب الجديدة.. التي استغلت الثورة وركبت فوق أنفاس الثوار؟! ** كنا نتمني أن نجد أحزابا للثوار الشباب لتنافس الأحزاب العريقة مثل الوفد، علي تقديم الأفضل للشعب.. لا تلك الأحزاب التي خرجت من عباءة الانتماءات الدينية أو هي ذات مرجعية دينية.. في بلد فيه حوالي 10٪ من سكانه من الأشقاء المسيحيين. وأغلب الظن أن معظم الأحزاب ذات المرجعية الدينية سوف تحصل علي حصة ما كانت تحلم بالحصول عليها.. لو وجدت أحزابا تمثل شباب ثورة يناير الحقيقيين.. لا القافزين عليها. ** والكارثة أن هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية سوف تستخدم «كل قواها» في مجتمع فقير.. ولما كانت هذه الأحزاب هي الأكثر تنظيمًا والأسرع حركة.. فإننا نخشي أن تتحول مصر خلال الانتخابات إلي ساحة قتال.. الكل يخطط للوصول إلي البرلمان.. ليحكموا مصر.. ويعودوا بها إلي الوراء. نعم كل الأمل في حزب الوفد العريق، الذي كان حزب الشعب الأول، ولكن هل يضمن من الأحزاب الأخري أن تؤدي معركة ديمقراطية.. أم تتحول مصر كلها إلي ساحة حرب. ** كل هذا بسبب صناع ثورة يناير.