الفقر .. شيء بغيض جدا، لا يعرفه إلا من يعش فيه ويشب عليه.. قد يؤدى إلى تنازلات كثيرة تصل إلى التخلي عن بعض أعضاء الجسم .. هذا هو حال " هناء " 32 عاما الابنة الأكبر لوالدها ، والتي أصبحت مثار جدل لكثير من الأوساط على مدار الأيام الماضية ، عندما ادعت في محضر الشرطة ،رقم 5982 إدارى مركز نجع حمادي، أن زوجها أوهمها بإجراء عملية الزائدة الدودية في مستشفى حكومي بالقاهرة لتفاجأ باختفاء كليتها اليسرى بعدها . طرقت باب المنزل .. تسرب صوت منهك من بين ألواح الخشب التي كساها السواد من فرط قِدمها ، وقف صاحب الجلباب الملطخ ببقايا يوم شاق في الفلاحة في الأرض على أعتاب الباب .. كان يسابق صوته أصوات أطفاله الذين كانوا يملأون جنبات المنزل المتواضع . استدعانا الأب عبد الرزاق عيسى إلى الجلوس داخل صحن البيت، فاتخذنا الأرض مجلسا حتى نجاوره في جلسته ، وكان وجه زوجته يطل من خلف الحائط المتشقق من الأمطار ليستطلع أمر الغرباء الذين جاءوا يسألوا عن حكاية الابنة " هناء " التي وسوس لها الشيطان أن تتخلى عن جزء من جسدها لترضى نزوات زوجها ووالد طفلتها الوحيدة . إنكار واعتراف سألته ماذا حدث ؟ شرد الأب للحظات ونزل ببصره للأرض وهو يضع ساعديه على ركبتيه وقال: منذ 3 سنوات تقدم سمير محمود رشدي لخطبة ابنتي الكبرى هناء ، وهو من قرية " أبوعمورى " المجاورة وتربطه بنا صلة قرابة عن طريق زوجتي الأولى ، ولسوء سلوكه المعروف رفضته في البداية ولكن ابنتي أصرت على الزواج منه رغم أنه ليس لديه عائد ثابت يحميها من العوز . وبعد عام من الزواج أنجبت منه ابنتها الوحيدة وكانت تقيم معه في القاهرة حيث يعمل حارس عقار ، ومنذ شهور جاءت ابنتي في زيارة لنا واشتكت من آلام في بطنها، ذهبت بها للطبيب على الفور الذي أخبرنا أن الآلام سببها ما بعد جراحة استئصال الكلية اليسرى، وكان ذلك مفاجأة لي.. فابنتي لم تكن تعاني من أمراض الكلى حتى تستئصل إحدى كليتيها. ويتابع الأب : سألتها عن الأمر فأنكرت في البداية وقالت أن " سمير.. زوجها" أدخلها مستشفى حكومي بالقاهرة لإجراء عملية الزائدة الدودية، وأنها انتقلت للإقامة في بيت أهل زوجها وظللت هناك لفترة حتى عادت إلى غاضبة بعد مشاجرة بينها وبينهم، واعترفت لي أنها اتفقت مع زوجها على بيع كليتها بمبلغ 18 ألف جنيه عن طريق ممرض في عيادة خاصة بالقاهرة، وأن زوجها أنفق النقود ولم يعطها شيئا منها وأنه اشترى دراجة نارية " موتوسيكل " وفرد سلاح " مسدس"، وقام بإقراض أخيه باقي المبلغ ليسافر للسعودية للعمل هناك . يصمت الأب وكأنه لايريد أن يكمل ما تبقى من القصة المستفزة.. فقطعت صمته وسألته: وماذا فعلت ؟ " طردتها من المنزل لأنها لم تطعني منذ البداية، وما أغضبنى أنها استجابت لهذا الأفاق وباعت كليتها وسمعت كلام زوجها . واستطرد يتساءل في حيرة: ماذا أفعل؟ هل أثور لأجل ابنتي وأبحث عن زوجها الهارب في القاهرة لأقتله ؟ وأنا في عنقي " كوم لحم " 6 أطفال أكبرهم في الاعدادى.. من سيعولهم ؟ قاطعته : ولكنها ابنتك في النهاية لماذا القسوة ؟ حدق الرجل الستيني في وجهي وقال أنا أدرى بابنتي.. حذرتها كثيرا من الانسياق وراء زوجها ولكنها لم تطعني ، ثم فاجأني أن ابنته وزوجها قضيا عقوبة سجن 3 أشهر بتهمة السرقة من قبل في القاهرة ! صافحت الأب واحترمته كثيرا عندما قال " لا الحرام " رغم الفقر الذي نحت آثاره على وجهه وعلى جدران منزله .