لقد دأب الغرب منذ عقود على وصف «إسرائيل» بأنّها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، لكن في الوقت الراهن تعرّضت السياسات الإسرائيلية لانتقادات متزايدة، لا سيما من قبل أوروبا، خاصة فيما يتعلق بتحركاتها العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المناطق المحتلة منذ سنة 1967. لكن سواء عند انتقاد الهجمات «غير المتكافئة»، أو الإشارة إلى ما يقوم به المستوطنون اليهود المتطرفون، فإنّ الاستهجان الغربي للسياسات الإسرائيلية مقيّد بحدود المناطق التي يفترض أن تقوم عليها دولة فلسطينية يوماً ما. أمّا من يتم تجاهلهم فهم يشكّلون 20 بالمئة من سكان «إسرائيل»، وهي الأقلية الفلسطينية المستهدفة بشكل متزايد من قبل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، لهذا فإنّ التطرق إلى هذه الفجوة المعرفية وبحث القضايا التي تواجه الفلسطينيين في «إسرائيل» منذ سنة 1948 يسلّط الضوء على لبّ الصراع. مصادرة وتهجير مع قيام دولة «إسرائيل»، تم طرد حوالي 85 بالمئة من الفلسطينيين، الذين كانوا يعيشون ضمن حدود الدولة الجديدة، والذين أصبحوا فيما بعد لاجئين، أمّا الباقون فيشكّلون خُمس سكان «إسرائيل» (وتم طمس هويتهم بشكل متعمد عن طريق تسميتهم «عرب إسرائيل»). إنّ الحكومة الإسرائيلية والمجموعات التي تروّج لها تتباهى بأسلوب الحياة الديمقراطي ومتعدد الثقافات، التي تزعم أنّه يسود البلاد، لكن حقيقة الأمر أنّ الفلسطينيين في «إسرائيل» يواجهون تمييزاً ممنهجاً بشكل يدعو إلى التشكيك في «يهودية وديمقراطية» «إسرائيل». نسبة الأراضي التي يملكها اللاجئون الفلسطينيون، والتي صادرتها «إسرائيل» من خلال «قانون أملاك الغائبين»، تعادل 20 بالمئة من مساحة البلاد بأكلمها قبل سنة 1967. كما أنّ ربع اللاجئين الفلسطينيين يُعدّون «غائبين حاضرين»، ممّن صودرت أراضيهم وأملاكهم من قبل الدولة. إخلاءات بالجملة هذه السياسات أدّت إلى فقدان الفلسطينيين المقيمين في «إسرائيل» ما بين 65 و75 بالمئة من أراضيهم بحلول منتصف سبعينيات القرن الماضي، كما أنّه ومنذ سنة 1948 ظهر حوالي 700 بلدة يهودية في «إسرائيل» (هذا لا يشمل المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة)، مقارنة بسبع بلدات للفلسطينيين (وهذه كوسيلة لإعادة توطين السكان البدو في صحراء النقب). وبالنظر إلى حديث الحكومة الإسرائيلية عن «تطوير» النقب، فإنّ عشرات الآلاف من البدو لا يزالون يعيشون في عشرات من القرى «غير المعترف بها»، كما أنّهم يعانون من هدم منازلهم ونقص في البنى التحتية الأساسية. وآخر إضافة على قائمة التهديدات التي يتعرضون لها هي خطة برافر، التي تخطط لتهجير نحو 70 ألف مواطن عربي من منازلهم وتدمير قراهم. أمّا مسائل ملكية الأرض والتنمية الريفية، فهي في يد مؤسسات تعمل بمقتضى توجه دستوري يحابي اليهود، بينما تتحكم لجان قبول في أكثر من 70 بالمئة من البلدات الإسرائيلية بمن يسمح له بالسكن فيها، وبذلك تقصي من تعتبرهم «غير مناسبين للنسيج الاجتماعي» في البلدة. تلك البلدات الصغيرة، خاصة في النقب والجليل، تلعب دوراً حيوياً في المحافظة على التفوق الديمغرافي اليهودي (وكثير منها مقام فوق أنقاض قرى فلسطينية مدمرة). سياسات الفصل إذاً التمييز ممنهج، ووزارة التعليم تنفق أموالاً على الطلاب اليهود تفوق تلك التي تنفقها على الطلاب الفلسطينيين بخمس مرات. أمّا المسؤولون الرسميون، بمن فيهم أعضاء الكنيست والحكومة، فيعبّرون عن عنصريتهم ضد الفلسطينيين بشكل علني ومتكرر وبحصانة تامة، فيما يقوم جهاز الشين بيت، الذي يمثّل جهاز المخابرات الداخلية أو الشرطة السرية، بمحاربة أيّ جهود سلمية أو قانونية يقوم بها المواطنون الفلسطينيون بهدف التشكيك في الطبيعة اليهودية للدولة. إنّ الحقيقة غير المريحة هي أنّ «إسرائيل» ديمقراطية لليهود فقط، ويهودية للفلسطينيين، كما تدلل على ذلك السياسات العنصرية المتعلقة بالهجرة وملكية الأراضي وميزانيات التخطيط والتنمية العمرانية، إلى غير ذلك. أمّا الإشارة إلى بعض العرب الموجودين في الكنيست وفرق كرة القدم والتلفزيون فلا يعدّ أكثر من كونه دعاية سطحية تجمّل صورة الديمقراطية الإسرائيلية. إنكار الحقوق على أسس عرقية القوانين والسياسات المصممة لتفيد مجموعة على حساب الأخرى ولتطبيق فصل بينهما تتوافق مع تعريف سياسة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في القانون الدولي. وخلال العام الحالي، انتقدت لجنة الأممالمتحدة للقضاء على التمييز العنصري «إسرائيل»، وأدانت «الفصل» المتبع ضمن حدود «إسرائيل» ما قبل سنة 1967 وفي الضفة الغربيةالمحتلة أيضاً. وفي هذا الإطار لن يجدي أيّ إلهاء يقوم به داعمو «إسرائيل» في إخفاء الواقع المظلم للاحتلال والاستعمار، فمن نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط قامت دولة يحكمها نظام يمنح الحقوق ويمنعها بناء على أساس عرقي. هذه ليست ديمقراطية، وكلما كان هناك إسراع في طرح الأسئلة التي لا يريد أن يطرحها أحد، والتعرف على السياسات الإسرائيلية ومقاومتها، اقترب الفلسطينيون من مستقبل يمكنهم فيه الحصول على حقوقهم، ويعيش فيه الشعبان على الأرض بشكل متساو. ----------------------------------------------------------- * يعمل بن وايت صحافياً حراً وكاتباً وناشطاً متخصصاً في فلسطين و»إسرائيل»، ويتردد وايت على المنطقة منذ سنة 2003، وظهرت مقالاته في قسم «Comment is free" بصحيفة الغارديان، والجزيرة، ومجلة نيو ستيتمان، وسالون، وكريستيان ساينس مونيتور وغيرها. صدر له كتاب بعنوان "فلسطين وإسرائيل: التفرقة والتمييز والديمقراطية"، نشرته دار بلوتو بريس في كانون الثاني 2012، وكتبت مقدمته عضو الكنيست العربية حنين زعبي.